طرائق المفسرين في التفسير
للمفسرين في تفسير القرآن ثلاثة طرائق:
ـ الطريقة الأولى: الاقتصار على الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب مع بيانه وإيضاحه وهذا هو الأصل.
ـ الطريق الثانية: استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو المقام ولا يجافيها الاستعمال ولا مقصد القرآن، وتلك هي مستتبعات التراكيب كفحوى الخطاب ودلالة الإشارة واحتمال المجاز مع الحقيقة.
ففي هذه الطريقة فرع العلماء وفصلوا في الأحكام، وخصوها بالتآليف الواسعة، وكذلك تفاريع الأخلاق والآداب التي أكثر منها حجة الإسلام الغزالي في كتاب الإحياء. ويرى الطاهر بن عاشور أن المفسر يلام إذا أتى بشيء من تفاريع العلوم مما له خدمة للمقاصد القرآنية.
ـ الطريقة الثالثة: جلب المسائل وبسطها لمناسبة بينها وبين المعنى، أو لأن زيادة فهم المعنى متوقفة عليها، أو للتوفيق بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم مما له تعلق بمقصد من مقاصد التشريع لزيادة تنبيه إليه، أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه لا على أنها مما هو مراد الله من تلك الآية بل لقصد التوسع. ويرى الطاهر بن عاشور أن شرط قبول ذلك أن يُسلك فيه مسلك الإيجاز ويقتصر على الخلاصة من العلم دون الاستطراد.
وفي سلوك هذه الطريقة للعلماء على الإجمال آراء:
المذهب الأول: يرى أن القرآن يشير إلى كثير من العلوم. قال ابن رشد الحفيد (ت 595 هـ): «أجمع المسلمون على أن ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها، ولا أن تخرج كلها عن ظاهرها بالتأويل، والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق»2 ، وخلص إلى «أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة»2 .
وإلى مثل ذلك ذهب الشيرازي (ت 476 هـ)، والغزالي (ت505 هـ) والرازي (ت 606 هـ) وابن العربي (ت 543 هـ) وأمثالهم، فقد ملأوا كتبهم من الاستدلال على المعاني القرآنية بقواعد العلوم الحكمية وغيرها، وكذلك ابن جني (ت 392 هـ) والزجاج (ت 311 هـ) وأبو حيان (ت 745 هـ) فقد أشبعوا «تفاسيرهم» من الاستدلال على القواعد العربية.
وقد خلص الطاهر بن عاشور إلى أمرين:
أن كلام الله تعالى لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة.
أن شرط التوفيق بين المعاني القرآنية والعلوم غير الدينية أن لا يخرج المعنى عما يصلح له اللفظ عربية، ولا يبعد عن الظاهر إلا بدليل، ولا يخرج عن المعنى الأصلي.
المذهب الثاني: يرى أبو إسحاق الشاطبي (ت 790 هـ) أنه «لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه»3 و«أن كثيرا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق وعلم الحروف وأشباهها» 4. وهذا مبني على ماقرره من أمية الشريعة. واعتبره الشيخ ابن عاشور أساسا واهيا.
وتبعه في ذلك ابن العربي حيث أنكر التوفيق بين العلوم الفلسفية والمعاني القرآنية .
وخلاصة القول أن علاقة العلوم بالقرآن على أربع مراتب:
الأولى: علوم تضمنها القرآن كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد والأصول والعربية والبلاغة.
الثانية: علوم تزيد المفسر علما كالحكمة والهيئة وخواص المخلوقات.
الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق.
الرابعة: علوم لا علاقة لها به إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا، وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.
————————
1- ـ فصل المقال، ص: 30، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى: 595هـ)، دراسة وتحقيق: محمد عمارة، دار المعارف، الطبعة: الثانية.
2- ـ نفسه: ص 67.
3- ـ الموافقات: ج 2 ص 136.
4- ـ الموافقات: ج 2 ص 127.