معنى الشمول: العموم، والاستيعاب، والإحاطة بأمر ٍ ما.
وعلى هذا الوجه جاء الوحي الإلهي بالإسلام، دين الله لعباده في كل العصور، والذي بعث به رُسُله عليهم السلام إلى كل الأمم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ..} [النحل: ٦٣] {… وَإن مِّنْ أُمَّةٍ إلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ}] فاطر: ٤٢ [
الهداية الأولى:
لقد أحكم الله الدين قبل نشأة الأمم وقيام الحضارات البشرية، وعلَّمه للإنسان منذ أول الطريق، حين أُهبط على الأرض؛ لأنه أساس هدايته، وضرورة معاشه ومعاده، كمــا قال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ٣٢١ – ٤٢١] وهـذا خبر الحق والصدق الذي لا يتخلف أبدا: بأن شريعـة اللـه لعبــاده هـي الهداية الخالصـة التي تعصمهم من الضلال والضياع في كل شؤون الحياة، والتي تفضي بهم إلى سعادة الأبد.
ثم هذا نذير قاطع بأن الإعراض عنها يؤدي إلى ضنك الحياة، وشقاء العيـــش، وعمـــاية النهــاية، وضرورة أن الإنسان لا يعيش في فراغ، فمـن أعرض عن الحق لا بد أن يقـع في الأباطيل، وأن يتمرغ فـي أوحالهـا وأهـوالها، قـال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْـحَقِّ إلاَّ الضَّلالُ} [يونس: ٢٣] وهذا تقرير واضح بشمول الهدي الإلهي لكل ما يحتاجه الإنسان في معاشه ومعاده، حتى يتأكد الاتباع، ولا يضطر الإنسان إلى الإعراض في شيء من جوانب الحياة المتلاطمة)). الشمول الإسلامي.. حقائقه وآفاقه، أ. د. عبد الستار فتح الله سعيد [ البيان العدد 256 ].
ويتسم هذا الشمول الذي جاء به الإسلام بتغطيته لكل مناح الحياة، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وكان له فيها حكم، شمول يستوعب الزمان والمكان والأفراد والجماعات والمبادئ والأحكام، شمول يصحح الاعتقاد ويصلح السياسة والاقتصاد…
(( وقد أكثر القرآن الكريم من تقرير هذا الشمول الجامع بصيغ عديدة غاية في الصراحة والوضوح كما قال تعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٩٨].
والتبيان أبلغ من البيان، والشمول مأخوذ نصاً من قولـه تعالى: {لِّكُلِّ شَيْءٍ} مما يحتاجه الناس في شؤون حياتهم إيماناً وأخلاقاً وعبادات ومعاملات.
وقال تعالى فـي ختام العهـد المدني {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً}، [المائدة: ٣] والآية الكريمة نزلت في حجة الوداع في يوم عرفة من السنة العاشرة للهجرة. والإكمال يرجع إلى معاني الجودة في الصفات (الكيف) والإتمام يرجع إلى معاني الشمول في الأعداد (الكم).
فتعين من هذا أن الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده مستجمِع لكل الصفات الجيدة، ولأعداد الأحكام في كل جوانب الحياة، لأن الله تعالى هو الذي يشرِّع لعباده، ولا يعطيهم ديناً ناقصاً أبداً، كما قال تعالى ذلك من قبل في العهد المكي {قُلْ إنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ، قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦١ -٣٦١].
وقد قال ذلك في الإسلام الذي أوحاه للرسل من قبل، ومن ذلك على سبيل المثال ما قاله عن موسـى عليـه السلام: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: ٥٤١ ] )) . [ البيان العدد 256 بتصرف].
من مظاهر هذا الشمول:
مظاهر الشمول الإسلامي كثيرة ومتعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر إماطة الأذى عن الطريق، هذه الشعبة الإيمانية والعبادة الشرعية التي ضيعها كثير من المسلمين اليوم، بسبب بعدهم عن التعاليم النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- ونتيجة هذا البعد ما وصل إليه مجتمعنا من تراكم الأزبال هنا وهناك وتناثرها في الشوارع والأحياء وعلى أبواب البيوت والمنازل، مشهد يسوء الناظرين ولا يرضى عنه رب العالمين الذي ما خلقنا إلا لعبادته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات 56] ، ولو أردنا أن نستحضر المفهوم الشامل والصحيح للعبادة لوجدنا خير تعريف لها قول شيخ الإسلام ابن تيمية: “العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة …” [كتاب العبودية] ومما لا يختلف فيه اثنان أن إماطة الأذى عن الطريق من الأعمال التي يحبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبرهان ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث التي تحث المسلم والمسلمة على نهج هذا السلوك الحضاري، وإليكم أيها الكرام بعضها.
إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» [رواه بخاري ومسلم].
إماطة الأذى سبب لدخول الجنة:
عن أبي برزة الأسلمي قال: قلت: يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: “أمطِ الأذى عن طريق الناس”[رواه مسلم].
إماطة الأذى سبب لمغفرة الذنوب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مرّ رجل مسلم بشوك في الطريق، فقال: لأميطن هذا الشوك، لا يضر رجلاً مسلماً، فغفر له”[رواه البخاري]. وفي رواية لمسلم: “لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس”
إماطة الأذى من محاسن هذه الأمة:
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عرضت علي أعمال أمتي -حسنها وسيئها- فوجدت في محاسن أعمالها: أن الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها: النخاعة في المسجد لا تدفن”[رواه مسلم].
ولقد ترجم هذه الأحاديث إلى واقع عملي وسلوك يومي أصحاب رسول الله فجعلوها منهج حياة لهم، فها هو عمر ابن الخطاب الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه يقول: “لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر”.
فانظروا يا رعاكم الله كيف كان يتعامل هؤلاء الأخيار مع البهائم، فكيف يا ترى كانوا يتعاملون مع الإنسان.
أما بعد إذا كان ديننا الإسلامي يحثنا على إزالة الأذى عن الطريق فمن باب أولى أن ينهانا عن إلقاء الأزبال فيها.
من أجل ذلك كان لزاما علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على هذا النهج الرباني والسلوك الحضاري وأن لا تبقى تلك الأحاديث السالفة الذكر حبيسة المراجع والكتب بل يجب إخراجها من التنظير العلمي إلى التطبيق العملي، فكما نتقرب إلى الله تعالى بالصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من العبادات. فينبغي لنا أن نتقرب إليه بأن نميط الأذى عن الطريق، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}البقرة. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.