ظهرت لي قطعة صغيرة من ورقة يجلس عليها تلميذ، كان مضطربا لما مررت بجانبه، فزاد في شكوكي وطلبت منه أن يتنحى قليلا، فأخذت الورقة ووجدت فيها آيات قرآنية مكتوبة بخط صغير جدا، استشطت غضبا لما لاحظته من إهانة لكلام الله. فالمناسبة اجتياز الاختبار الموحد للسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي، وقد كلفت بالحراسة كالعادة، وهي مهمة أكرهها كراهية شديدة ويتفطر قلبي مما أراه من واقع الناشئة وجيل المستقبل وما هم عليه من استهتار بالبرامج الدراسية وعدم التحضير للاختبارات مع الاعتماد الكلي لغالبيتهم على الغش.
كل همهم حيازة ملخصات كتبت بخط مجهري يستنجدون بها بعد قراءتهم لورقة الأسئلة، وتجد أعناقهم تشرئب في انتظار من سيحرسهم، فإذا طلع عليهم متساهل تهللت وجوههم وابتهجت قلوبهم، وإذا أتاهم من له غيرة عليهم ويرغب في منعهم من الغش تعالت أصواتهم واضطربت أفئدتهم.
إن أمر إدمان الغش في صفوف الطلبة يدمي القلب، لكن أن ينضف إليها ما اطلعت عليه من إهانة للقرآن شيء يميت المسلم كمدا، آيات قرآنية طبعت على أوراق بخط صغير جدا يعبث بها تلامذتنا، فمنهم من يجلس عليها ومنهم من يرميها لصديقه، ومنهم من يلقي بها على الأرض بعد الفراغ من الاختبار لتطأها الأقدام.
إن الأمة الإسلامية تهتز قاطبة لما تسمع بخبر إهانة قرآنها من طرف أعداء الإسلام لكننا ننسى أننا لو قدرناه حق قدره لما أهانه غيرنا، فحري بنا أن نشير بالسبابة لأنفسنا كما نشير بها لغيرنا، وقد يقول قائل: “إنهم فعلوا هذا عن غير قصد”، وقد يقول آخر: “إنهم رغم ذلك محبون للقرآن”، لكنه يبقى مجرد قول في زمن ضعف التعليم وانعدام التربية.
ماذا ننتظر من غيرنا أن يفعل بالقرآن إذا كان أبناؤنا يسيئون إليه، وإذا كانت مقالات صحفية لبني جلدتنا من العلمانيين تتناوله بالتشكيك، وهذا هو الهدف الذي خطط له أعداء الإسلام كما قال “جلادستون” رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في مجلس العموم البريطاني: “مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان”. وقال الحاكم الفرنسي في ذكرى مرور مائة سنة على احتلال الجزائر: “إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم”. لكن هيهات هيهات.
لقد تعلقت قلوب التلاميذ بالحصول على درجة جيدة في الاختبار ولو على حساب الغش والاعتداء على كلام الله، ألا يصدق علينا قول الله عز وجل: “فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ”، وقوله تعالى: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا”، فيستحسن أن ينصح مدرسو هذه المادة النشء حول هذه المسألة، ولِمَ لا يكون درس في المقرر ينبه إلى حرمة التنقيص من كلام الله باستعماله في الغش وبطريقة مشينة، فحتى وإن ابتلي الإنسان بالغش فعلى الأقل يجتنب إهانة القرآن.
وأعجب لمحلات الوراقة التي تبيح لنفسها نسخ هذه الأوراق ومساعدة التلاميذ على الغش مقابل دريهمات، فأخال أنهم يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، والمساعد على الشر كفاعله، والله تعالى يقول: “ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”.