إنّ كتاب الطّبقات الكبرى لأبي المواهب عبد الوهاب بن علي الأنصاري المعروف بالشعراني كتاب جليل القدر، عظيم الفائدة، كثير التّداول، جمّ الثّناء، عند الفِرقة الضّالة التي تُدعى الصّوفية، فتجد الرّجل منهم يمدحه ويزكّيه تقليدًا منه لشيخ طريقته، يمدحه دون أن يعرفَ ما يحمل بين دَفّتيه من شرور وكوارث وبوائق تُنسب زورًا وبُهتانا للإسلام، والإسلام بريء منها براءة علي بن أبي طالب من الرّافضة… ومنهم من يعرف هذه البوائق ولكنّه يعدّها كرامات لا يهتدي إلى فهمها والتّصديق بها إلا من كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد..
وقد كنت ناقشت امرأة من أرض الكِنانة (مصر) في مسألة الانتساب لهذه الفِرقة المُخرّفة بعدما رأيتها تنشر أشياءَ في جمهورية المُهمّشين (فيس بوك) تزكم أنوف أهل السنّة، وتسبّح بحمد مشايخ الطّرق بكرةً وأصيلا، فسألتها: هل تعرفين كتابَ الطّبقات للشعراني؟ فقالت واثقةً: طبعًا أعرفه، كتاب قيّم لسيّدنا وابن سيّدنا. فقلت: هل قرأتيه.. فتلعثمتْ ثمّ قالت صراحةً لا لم أقرأه لكن سمعتُ عنه الكثير.. فأحلتها على بعض كوارثه فلم تصدّق، وقالت: ربما هذه أشياء مدسوسة عليه.. فعجبت من تبريرها السّاذج الذي يدلّ على أنّها جاهلة جهلاً مركّبًا..، ثمّ استأذنتها وانصرفت.. واليوم عنّ لي أن أكتب مقالة مُختصرة أبيّن فيها بعضًا من كوارث هذا الكتاب النّجِس.. ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيي عن بينة، فأقول وبالله التّوفيق:
هذا الكتاب ابتدأه صاحبه بالتّحذير من شيخ الإسلام ابن تيمية، ليمهّد لخرافاته وقصصه الماجنة والفاجرة وحماقاته فيقول نقلا عن أحد شيوخه:
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي -رضي الله عنه- ولقد ابتلى الله هذه الطائفة الشريفة بالخلق خصوصًا أهل الجدال فقلّ أن تجد منهم أحدًا شرح الله صدره للتصديق بولي معين بل يقول لك نعم نعلم أن لله تعالى أولياء وأصفياء موجودين ولكن أين هم؟ فلا تذكر لهم أحدًا إلا أخذ يدفعه ويرد خصوصية الله تعالى له ويطلّق اللسان بالاحتجاج على كونه غير ولي لله تعالى وغاب عنه أن الولي لا يعرف صفاته إلا الأولياء فمِن أين لغير الولي نفي الولاية عن إنسان؟ ما ذاك إلا محض تعصب، كما نرى في زماننا هذا من إنكار ابن تيمية علينا وعلى إخواننا من العارفين، فاحذر يا أخي ممن كان هذا وصفه وفرّ من مجالسته فرارك من السبع الضاري جعلنا الله وإياكم من المصدقين لأوليائه المؤمنين بكراماتهم بمنه وكرمه. انتهى
فإذا كان شيخ الإسلام الذي تلقّت الأمّة علمه بالقَبول جيلا بعد جيل يُحذّرُ منه في مقدّمة الكتاب، ويُنصح بالفرار من مجالسته وقراءة كتبه كما يفرّ أحدنا من السّبع الضاري كما قاءَ [من القيء] هذا المُخرّف فكيف سيكون موقف المُقلِّدة والجَهلة الذين يتداولون أمثال هذه الكتب التي يجب أن تُحرق كما أُحرِقَ كتابُ إحياء علوم الدّين قديما على يد المغاربة.. أو تُطوى ولا تروى، وتُستَر كما تُسترُ العورة.. ويُعزّر من يُضبط عاكفًا على قراءتها حُبّا وكرامة، واستزادة مما يظنّونه عِلما شريفا..
وقد ذكّرني كلامُ هذا المعتوه بقول العجوز تركي الحمد الذي كتب في صفحته على موقع تويتر قبل أيّام:
أقولها ببساطة: ما لم نعلن القطيعة مع ابن تيمية وجماعته، كما أعلن الغرب قطيعته مع القدّيس أوغسطين وجماعته، فنحن في بحر الضّياع غارقون.
فتأمّل…
ورحم الله شيخَنا الشّوكاني الذي دافع عن شيخ الإسلام في كتابه البدر الطّالع ص 97 وردّ بعنف على أمثال هؤلاء الأوغاد قائلا:
وابن مخلوف المالكي لا يساوي شعرةً من شَعراته [يعني ابن تيمية] بل لا يصلح لأن يكون شِسْعًا لنعله، ومازال هذا القاضي الشيطان يتطلّب الفرص التي يتوصّل بها إلى إراقة دم هذا الإمام ابن تيمية فحجبه الله عنه، وحال بينه وبينه والحمد لله ربّ العالمين. اهـ بتصرّف يسير.
ثمّ ماذا برأيكم سيكون بين ثنايا هذا الكتاب الذي يمجّده الدّراويشُ من أرباب الأحوال الشيطانية والمجانين التّائهين في بحر الظّلمات.. هذا ما سنتعرّف عليه في هذه الصّفحات..
وهذا أوان الشّروع في ذلك..
يقول هذا العنكبوت الصّوفي الشّعراني في طبقاته ج 2 ص 129:
ومنهم الشيخ إبراهيم العريان، كان يطلع المنبر، ويخطبهم عريانًا، فيقول: السّلطان، ودمياط، وباب اللوق، بين الصورين، وجامع طولون، الحمد لله رب العالمين فيحصل للناس بسط عظيم. اهـ
يعلّق الشيخ عبد الرحمن الوكيل في كتابه هذه هي الصوفية ص 150-151 قائلاً:
أَمِن رفيف الرَّوحانية بعبير القدسية مَنُّ الولي على حشد محشود بعورة مكشوفة، وهَذَيان مخيول؟
تصوّر، واجعل خيالَك رحيبًا رحيبًا مُجَنَّحًا بتهاويل الشاعرية، حتى يمكن أن يتصور مشهد ولي يبارك المصلين بهتك عورته.
تصور ذلك المعبود يصعد إلى المرقاة الأخيرة من المنبر في يوم جمعة، حتى إذا أنعم الشهود فيه الأبصار، وحدَّقوا إليه بالأفكار، ورَنوا إليه القلوب، ابتغاء ترشُّف العظة الهادية. حتى إذا هوَّمت عليه النواظر، وطافت به المشاعر، وحوَّمت حوله الأحلام والعواطف، هتك الستر عن عورته فضلًا منه ونعمة؟
ذلك المعبود على منبره، في جامعه، في جمعته يجتمع الناس حوله؛ ليعظهم عظة تصلهم بأسباب السماء، فيسمعهم ذلك الهراء المخبول، وهو مُنهَتِك السوءة: (باب اللوق، الخ).
تلك الصورة الوثنية التي يراها الخيال الفسيح الذي قد يستشرف غيب الأبد، وقُنَّة الأزل في تصوراته، ويهب للمستحيل أحيانًا وجودًا في تهويماته يراها أشد استعصاء عليه من تصور وجود المستحيل، بيد أن الشَّعَراني يؤكد لنا أنها حقيقة صوفية، فيدين بها، ويبشر بها، ويدعو الله أن يَعمُرَ مُقترِفَها برِضاه، ولا يأخذنَّك العجبُ؛ فإنه صوفي..
إننا نعرف من كتاب الله أن الآدمية عوقبت على ذنبها الأول بكشف السَّوءَة
{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} [الأعراف:22].
ويمضي الشعراني في تمجيد شيخه العريان فيقول: (وكان يُخرِج الريح بحضرة الأكابر، ثم يقول: هذه ضرطة فلان، ويحلف على ذلك، فيخجل ذلك الكبير منه).
ولشَدَّ ما يَشدخ العجب رأسه من العجب من صوفي يُقدس الصوفية خطاياه، ويجعلون من معجزات قُطبانيَّته بَهتُ البريء بذنبٍ افترى هو جريرته، أو بخطيئة (ذَوقية) يمجها حتى ذوق الخنفساء.
هذا مع استحلال الكذب المفضوح العريان، مقسمًا بالله على صدقه..
أرأيت إلى الصوفية كيف تعبد خاطئًا ينفث مثل هذه اليحاميم المُنتنة، الخانقة في مجالس العظماء، ثم لا يمنعه فساد ذوقه، وسوء أدبه من أن يقذف سواه بذنبه، ويحلف بالله على صدق بهتانه؟..
قال ربيع: ثمّ اسمع ماذا يقول هذا المُبتلى في تقديمه لهذا الكتاب: إنَّ الإنكار على هذه الطّائفة لم يزل عليهم في كلّ عصر وذلك لعلوّ ذوق مقامهم على غالب العقول.. وبالجملة فما أنكر أحوال الصّوفية إلاّ من جهل حالهم. اهـ [طبقات الشعراني ص4].
أيّ ذوقٍ يا هذا الذي تتحدّثُ عنه، هل من يُخرج ريحه النّتنة في حضرة الأكابر له ذوق، فما هذا الهُراء الذي لو سمع به أعداء الإسلام من اليهود والنّصارى لسخروا منّا ومن الشّريعة التي تتحدّث باسمها، ولفرّوا من الانتساب إلى الإسلام فرارهم من غريم. أما جهل أحوال الصوفية، فنِعم الجهل والله.. ولا يحمد الجهل أبدًا إلا في مثل هذه المواطن..
والذي يحزّ في النّفس ويبعث على الحسرة والأسف أنّ هذا الشعراني يكذب في المقدّمة وينسب ما سيسوقه من كوارث للكتاب والسنة وأخلاق الأنبياء.. إي والله فاسمع ماذا يقول في ص4:
“إنّ طريقَ القوم مُشيّدة بالكتاب والسّنة وإنّها مبنية على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء، وإنها لا تكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السّنة أو الإجماع لا غير”. اهـ
يا سلام كم أنت رائع، طيّب أين نجد في القرآن أنّ الخطابة فوق المنبر لا تكون إلا بكشف العورة، وأين نجد في السّنة أنّ من الفضائل إخراج الرّيح في حضرة الأكابر، وأين نجد في إجماع الصحابة أو العلماء أنّ نكاح الدّواب في الطّرقات صفة من صفات الأولياء؟
يقول الشّيخ عبد الرحمن عبد الخالق في كتابه فضائح الصوفية ص 38:
فهذا هو عبد الوهاب الشعراني يجمع في كتابه (الطّبقات الكبرى ) كُلّ فسق الصوفية وخرافاتها وزندقتها فيجعل كلّ المجانين والمجاذيب واللّوطية والشّاذين جنسيًا، والذين يأتون البهائم عيانا وجهارا في الطّرقات، يجعل كلّ أولئك أولياء وينظمهم في سلك العارفين، وأرباب الكرامات وينسب إليهم الفضل والمقامات، ولا يستحي أن يبدأهم بأبي بكر الصّديق ثم الخلفاء الرّاشدين ثمّ ينظم في سلك هؤلاء من كان (يأتي الحمارة) جهارا نهارا أمام النّاس ومن كان لا يغتسل طيلة عمره، ومن كان يعيش طيلة عمره عريانا من الثّياب ويخطب الجمعة وهو عريان.
وهذا نصّ الحكاية التي أشار إليها الشيخ عبد الخالق كما في طبقات الشعراني ج2 ص135 طبعة دار الفِكر، في ترجمة سيّده علي وحيش:
وكانَ إذا رأى شيخَ بلد، أو غيره ينزله من على الحمار ويقول له: أمسك رأسَها حتّى أفعل فيها. فإن أبى شيخ البلد تسمّر في الأرض لا يستطيع أن يمشيَ خُطوة. وإن سمع حصل له خجل عظيم والنّاس يمرّون عليه. اهـ
فانظرْ كيفَ كان سيّده علي وحيش يفعلُ أمام النّاس، فهل يتصوّر عاقل بعد هذا أنّ هذا التّصوف النّجس من دين المسلمين ومما بعث به رسول ربّ العالمين.
لقد وبّخَ الله سبحانه قومَ لوط بقول: “أتأتون الذّكران من العالمين” [الشعراء 165]، ولعنهم وأمطر عليهم حجارة من سجّيل، فما بالُك بالصّوفية؟ وقد اقترَفَتْ هذه الجريمةَ في صورةٍ نكراءَ مُسفّةٍ في الخِزي والضَّعَة والحَقَارة، اقترفتها مع الذّكران ومع العجماوات من الدّواب، وأين؟ على قارعة الطّريق، وعلى مشهدٍ من كلّ رائحٍ إلى السّوق، أو غادٍ منه.
ذلك ما ذَكَر الشَّعَراني، وجعله كرامة ربّانية لأوليائه، ويزيدها تفصيلاً، فيزعمُ أنّ (وحيشًا) كان يُرغم صاحب الدّابة على أن يستذلّها له عند اقترافِ الجريمة. وينازعني الحياء، لكيلا أسطّر لك جرائمَ الصّوفية بأسلوب الشّعراني، فخذ بكاتبه، وطالع فيه أيّة ترجمة لصوفي، وثمت تطالعك الجريمةُ بوجهها الدَّميم الصّفيق الغليظ المنكر. كما يقول عبد الرّحمن الوكيل.
ويقول في الجزء 2 ص 66، في ترجمة يوسف العجمي:
وكان رضي الله عنه إذا خرج من الخُلوة يخرج وعيناه كأنهما قطعة جمر تتوقد، فكلّ من وقع نظره عليه انقلبت عينه ذهبًا خالصًا، ولقد وقع بصره يومًا على كلب فانقادت إليه جميعُ الكلاب، إن وقف وقفوا وإن مشى مشوا، فأعلموا الشيخ بذلك فأرسل خَلْفَ الكلب وقال اخسأ، فرجعت عليه الكلاب تعضه حتى هرب منها.
ووقع له مرة أخرى أنه خرج من خلوة الأربعين فوقع بصره على كلب، فانقادت إليه جميع الكلاب وصار الناس يهرعون إليه في قضاء حوائجهم، فلما مرض الكلب اجتمع حوله الكلابُ يبكون ويظهرون الحزن عليه فلما مات أظهروا البكاء والعويل وألهم الله تعالى بعض الناس فدفنوه فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا، فهذه نظرة إلى كلب فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان. اهـ.
فهل يوجد عاقل في هذه الدّنيا يصدّق مثل هذه الخرافات، بل هل هناك رجل يحترم عقله يتّبع أمثال هؤلاء المجانين الذين يسوقون أمثال هذه الحكايات ويعدّونها من الكرامات؟ لا والله لا يتّبعهم ويصدّقهم إلا من كان له نصيب الأسد في الاستحمار والغباء..والله المستعان.
يقول الشيخ الوكيل تعليقًا على هذه الشركيات تحت عنوان الكلاب أولياء الصّوفية:
إنّ البشرية في الأغوار السّحيقة في تاريخها المُظلم، وفي تيهها الوَثَني، لم تؤلّه كلبًا، بَيْدَ أنّ الصّوفية أرادت التّجديد في صور الشّرك، وأن تبتدعَ أصنامًا جديدة، فألّهت ما لم تؤلّهُ أحطّ الوثنيات في التّاريخ.
ونختم هذه المقالة بالحكاية التي ساقها الشّعراني في طبقاته ج 2 ص 150 عن سيّده الشريف المجذوب الذي قال عنه: كان رضي الله عنه ساكنًا تجاه المجانين بالمارستان المنصوري، وكان له كشف ومثاقلات للنّاس الذين ينكرون عليه، وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان ويقول أنا معتوق أعتقني ربّي.
هذا هو دين الصّوفية للأسف كما رأيتم في هذه الأمثلة، والكتاب مليء بهذه المنكرات، وأكثره على هذا المنوال من الغلو والتّنطّع ومدح السّفاسف والجنون، وإصباغ الشّرعية على انحرافات المجاذيب وأهل الفجور والزندقة وهلّم شرّا.. وأكتفي بهذا القدر بناءً على قول العربي: حسبك من القِلادة ما أحاط بالعنق.
يقول ابن تيمية: فالسّالكُ طريقَ (الفقر والتّصوف والزّهد والعِبادة) إن لم يسلك بعلم يوافقُ الشّريعة، وإلاّ كان ضالاّ عن الطّريق، وكان ما يُفسده أكثر مما يصلحه. والسّالك من (الفقه والعلم والنّظر والكلام) إن لم يُتابع الشّريعة ويعمل بعلمه وإلاّ كان فاجرا ضالاّ عن الطّريق. فهذا هو الأصل الذي يجب اعتماده على كلّ مسلم. [مجموع الفتاوى ج 11 ص 27].