آيات تفهم على غير وجهها إبراهيم الصغير

(سورة الأنبياء)
قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}87.
«لن نقدر عليه» تفهم على غير وجهها، حيث يتوهمها البعض على أنها من القدرة والاستطاعة.
قال القرطبي: وهذا قول مردود مرغوب عنه لأنه كفر.
قلت وهذا القول باطل من وجهين أولهما أن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله عز وجل، وثانيهما أن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض.
بل المراد بقوله تعالى: (لن نقدر عليه) لن نضيق عليه.
قال الضحاك (لن نقدر عليه): لن نضيق عليه في بطن الحوت، وروي نحوه عن ابن عباس واختاره ابن جرير وهو قول جمهور المفسرينّ، نظير ذلك قوله تعالى في سورة الرعد {اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ}26. أي: يضيق.
وفي «الكشاف»: أن ابن عباس دخل على معاوية فقال له معاوية: «لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك. قال: وما هي؟ فقرأ معاوية هذه الآية وقال: أو يظن نبيء الله أن الله لا يقدر عليه؟ قال ابن عباس: هذا من القدر لا من القدرة». يعني التضييق عليه.
قتادة والكلبي (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) قالا: ظنّ أن لن نقضي عليه العقوبة.

(سورة الحج)
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُو الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}11.
كلمة «على حرف» تفهم على غير وجهها.
قال البغوي: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} أكثر المفسرين قالوا: على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه، نحو حرف الجبل والحائط الذي كالقائم عليه غير مستقر، فقيل للشاك في الدين إنه يعبد الله على حرف لأنه على طرف وجانب من الدين لم يدخل فيه على الثبات والتمكن، وأصله كالقائم على حرف الجبل مضطرب غير مستقر، يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف لضعف قيامه، ولو عبدوا الله في الشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف، قال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه.
قال ابن الجوزي، قوله تعالى: (على حرف) قال مجاهد، وقتادة: «على شك»، قال أبو عبيدة: كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم. وبيان هذا أن القائم على حرف الشيء غير متمكن منه فشبه به الشاك، لأنه قلق في دينه على غير ثبات.
قال الماوردي: قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}، فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني على شك وهو قول مجاهد، لكونه منحرفاً بين الإِيمان والكفر. والثاني: على شرط، وهو قول ابن كامل. والثالث: على ضعف في العبادة كالقيام على حرف، وهو قول علي بن عيسى. ويحتمل عندي تأويلاً رابعاً: أن حرف الشي بعضه، فكأنه يعبد الله بلسانه ويعصيه بقلبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *