كثيرا ما نقرأ في الصحف الوطنية العلمانية الدعوة إلى تطبيق العلمانية واتخاذها نظاما للحكم، وكثيرا ما يستهزئ العلمانيون علنا بالشريعة الإسلامية وبالحدود الشرعية على وجه الخصوص، وبمناسبة الحملة التي شنتها الدولة على الشذوذ والتشيع والتنصير والتي استعملت خلالها الفصل 220 من القانون الجنائي الذي ينص على عقوبة من يعمل على زعزعة عقيدة مسلم.
وبما أن المسألة تتعلق بـ “عقيدة” و”مسلم”، وبما أنهما مصطلحان ينتميان إلى القاموس الإسلامي ويرتبطان بالعقيدة الإسلامية، وبما أن الأمر فيه معنى الثبات الذي توحي به تهمة “الزعزعة”، ولأن العلمانية لا تؤمن بالقيم ولا بالعقائد الثابتة، لهذه الأسباب كلها جُن جنون دعاتها، فكثرت الاحتجاجات والاستنكارات التي لم ترفع دفاعا عن الشيعة أو المنصرين ولكن دفاعا عن المبادئ العلمانية التي هي عندهم من أسس الديمقراطية ومستلزماتها.
ولهذا لم ترق الحملة الأمنية الكثير من العلمانيين واعتبروها ِردَّة عن معتقدات الدولة المدنية الحداثية التي قطعت مع كل ما هو ديني، والتي تنظر إلى التدين كمسألة فردية يجب على الدولة أن تلزم الحياد بشأنها حتى تنسجم مع المعاهدات الدولية.
إحدى المجلات الإعلامية العلمانية المتطرفة التي سبق وأن أعدت ملفا تستهزئ فيه بالله سبحانه وبالملائكة، عملت كعادتها على نشر الشبهات وطرح تساؤلات حول ماهية الزعزعة، وماهية العقيدة ومن هو المسلم؟ مطالبة بتطبيق العهود الدولية والذي يستوجب إلغاء العمل بنص الزعزعة المذكور، وما بقي من رائحة الإسلام في القوانين الوطنية.
إلا أن هذه المجلة بعد 7 صفحات خصصتها لملف “زعزعة عقيدة مسلم” خلصت إلى أن العلمانية هي الحل معللة مطلبها بكون (الفتن تقع حينما لا يتم الاعتراف بما هو موجود في المجتمع و”الروينة” الحاصلة حاليا مع تهمة “زعزعة العقيدة” خير دليل. الدولة المغربية ترفض الاعتراف بأن اعتقادات المغاربة ليست موحدة. خطؤها الأكبر هو حينما تتدخل كطرف من أجل فرض لون ديني واحد ووحيد، في حين أن للمجتمع ألوانه المتعددة… في الزوايا نجد الأذكار والموسيقى والشموع، كل واحدة من هذه العناصر تنتمي إلى مرجعية دينية مختلفة، الأذكار إسلامية والموسيقى مسيحية والشموع طقس يهودي، تعايش استمر مئات السنين والناس “هانيين” كل حر في اعتقاده) نيشان عدد 197.
ثم بعد هذه التلبيسات والتدليسات تحاول المجلة أن ترعب الدولة بالإسلاميين الذين (ما إن يتقوَّوا -حسب المجلة-، حتى تتسع مطالبهم أكثر، مطالب سيصوغونها على الشكل التالي: “ياك حنا في دولة إسلامية، وخاصنا نطبقو الشريعة الإسلامية على حقها وطريقها، ماشي غير فالحالات اللي بغيتو؟؟” ساعتها ماذا سيكون الجواب؟ مجرد تخيل الجواب يولد حالة من الرعب والحال أن الحل موجود وسهل، يجب أن تعترف الدولة بالتعددية الدينية مثل التعددية السياسية والثقافية وأن يبقى الدين أمرا شخصيا وحبيس دور العبادة، أما تكريسه كإيديولوجية رسمية للدولة فلن يزيد إلا من تعميق التقليدانية في المجتمع وإبعادنا عن الحداثة المنشودة) نيشان العدد نفسه.
ولنا على هذا الهراء ملاحظات:
أولا- إن الاعتراف بما هو موجود لا ينافي محاربة المنحرف منه وإلا احتجنا إلى تنظيم البغاء والزنا والرشوة واللواط وكل الممارسات المنحرفة التي أصبحت مستشرية في المجتمع.
ثانيا- إن اعتقادات المغاربة موحدة، خلافا لما يدعيه العلمانيون، فالمغرب كله مسلم مع وجود أقلية من اليهود، وشرذمة من بقايا المستوطنين الفرنسيين وقليل من المرتدين الذين يجب أن تسقط عنهم الجنسية المغربية ما داموا قد ارتدوا عن الإسلام ويحالون على القضاء، وهذا التنوع الطفيف الذي لا يؤثر على وحدة التشريع يريد العلمانيون أن يعمقوه على أرض الواقع ليستجيب التشريع إلى المفاهيم العلمانية.
ثالثا- إن “الروينة” الحاصلة حاليا ليس بسبب كلمة “زعزعة عقيدة مسلم” وإنما بسبب التناقض الموجود بين مقومات الهوية والدين الإسلاميين للمغاربة دولة وشعبا وبين العهود الدولية العلمانية التي يوقع عليها المغرب كرها، حتى يتسنى له العيش في عالم تهيمن عليه الدول العلمانية وتفرض على الدول الإسلامية منهجها وثقافتها.
رابعا- إن الدولة لا تخطئ عندما تتدخل لفرض لون ديني واحد ووحيد، وإنما تخطئ عندما تتساهل مع هذا التنوع المفتعل، وتحول بين علمائها والرد على السياسيين و”المثقفين” العلمانيين، وبينهم وبين ممارسة الرقابة على القوانين المخالفة للشريعة الإسلامية، كما أنها تخطئ في حق الأجيال القادمة عندما تترك الحرية لوسائل الإعلام العلمانية في إفساد الشباب من خلال موادها الموبوءة والتي تعتبر من أهم وسائل العلمنة البنيوية الكامنة التي ستؤدي لا محالة إلى اضطراب بفعل تمايز صفين اثنين في نهاية المطاف: صف يدعو إلى العلمانية ويعادي تطبيق الشريعة الإسلامية، وصف يعادي العلمانية ويدعو إلى الرجوع إلى الأصل المتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية.
خامسا- إن مطلب العلمانيين من الدولة أن تحبس الدين في دور العبادة هو عداء سافر لدين المغاربة واستهزاء بإمارة المؤمنين، وطعن في القرآن والسنة، فهل الأمة المغربية صارت لعبة في أيدي العلمانيين يعبثون بمقدساتها متى يحلو لهم؟
إن مثل هذه الدعوات يجب أن يحاكم أصحابها لأنها تبعث على العنف، وتستفز من لا عقل له ولا حكمة لارتكاب حماقات، يكون أول الخاسرين فيها هو الشعب المغربي، فكفى طيشا ونزقا، وكفى حُلما وتمنيا فالمغرب أبدا لن يطبق العلمانية، بل عليه أن يستجيب للتحول الاجتماعي الجذري الذي ينحى صوب الالتزام بالدين، الشيء الذي يتطلب من الدولة أن تنجز دراسات اجتماعية موضوعية غير منحازة لتعْلم أن الغالبية الساحقة مع التوجه الإسلامي وضد العلمانية.
فكيف يُحبس كلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بين الجدران في حين تنطلق الدعوات المادية الإلحادية تدعو الناس إلى نبذ الدين واعتناق الشهوات والملذات المحرمة بديلا عنه، قال الله سبحانه: “أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” البقرة.
سادسا- نتساءل لماذا يولِّد مجرد تخيل الجواب حالة من الرعب، إذا ما طالب الإسلاميون بتطبيق الشريعة الإسلامية؟
وعند من تتولد هذه الحالة؟
وهل تطبيق الشريعة مطلب الإسلاميين؟
أم هو واجب إلهي على المسلمين امتثاله حكاما ومحكومين.
ألم يأمر الله سبحانه رسوله بأن يحكم بما أنزله عليه: “إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً” النساء.
لقد كانت العلمانية على مر تاريخ المسلمين الحديث في صف المحتل العلماني، خادمة لبرنامجه وفكره، معادية لشريعة الإسلام، فأبوهم مصطفى كمال أسقط الخلافة الإسلامية بالتواطؤ مع صهاينة الإنجليز وعلمانييهم سنة 1923، وبعد سنة أي في1924 أصدر علي عبد الرزاق وهو من رواد العلمانية كتابه “الإسلام وأصول الحكم” منكرا أن يكون في الإسلام حكم سياسي، وفي السنة الموالية أي1925 أصدر طه حسين المستغرب العلماني كتابه “في الشعر الجاهلي” لينكر بدوره قصصا واردة في القرآن مطالبا باعتباره كتاب تاريخ كباقي الكتب.
ومن يومهم ذاك والعلمانيون يناصبون تطبيق الشريعة الإسلامية العداء مسخرين كل قواهم في الصد عن سبيل الله يبغونها عوجا والله متم نوره ولو كره العلمانيون.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.