إن “الأمازيغويين”[1] الغارقين في العلمانية والحداثة لا يتركون فرصة إلا ويشنون الغارة على اللغة العربية التي لها جذور في التاريخ والجغرافيا والواقع، بنعتها بشتى النعوت القدحية، كما ينعتون الدين الإسلامي الذي لا ينفك عنها ولا تنفك عنه بنفس تلك النعوت.
فاللغة العربية -في زعمهم- لغة ميتة لا تواكب تطور العصر، لذا عليها الانسحاب لصالح لغة موليير، كما أنها لغة معقدة لا تساعد على التواصل الجيد داخل المؤسسات، مما يجعل من المفيد أن تتفضل بترك مكانها للعامية. هذا في الوقت الذي أصبح أسيادهم الغربيون يتهافتون على تعلمها في بلدانهم، مع محاربتهم لها في بلداننا !بل ويطلقون قنوات فضائية بلسانها.
أما الإسلام فهو أيضا رجعي ظلامي، لا تواكب تعاليمه العصر، لذا ففي أحسن الأحوال عليه أن “يتعصرن” عوض أن يسلم العصر لرب العصر والزمان.
لكن ما حظ الأمازيغية من كل هذا الكلام؟
هناك من الباحثين من يرجع ظهور الأمازيغية إلى ما بين الألفية السابعة والتاسعة قبل الميلاد أو أكثر من ذلك بالضعف تقريبا، وبالطبع سيطير “الأمازيغويين” بهذه المعلومة ليثبتوا أن لغتهم ضاربة في أعماق التاريخ، وأنها أقدم بأربعة آلاف سنة على الأقل من اللغات السامية. غير أن هذا الابتهاج لا يكاد يدوم إذا ألزمناهم بمقتضى قولهم عن اللغة العربية والإسلام، من أنهما رجعيان لا يواكبان العصر، بالقول إن الأمازيغية كذلك رجعية ما دامت أقدم. إضافة إلى أن تاريخ الإسلام ولغته امتداد إلى حاضرنا، فيما توقف تاريخ الأمازيغية ولم يبق منه إلا آثار عمِل الأمازيغويون على ترميمها كما ترمم أسوار المدينة العتيقة، ونفض غبار آلاف السنين عنها. وبعبارة أخرى:
هل بترميم الأسوار نجعل منها ناطحات سحاب؟
هل تعجز العربية اللغة الحية واقعا وممارسة -على الرغم من كيد المرجفين- عن مواكبة العصر، وتنجح الأمازيغية التي أُخرجت من بين أنقاض التاريخ؟
ولنا أن نتساءل عندما يتم “دسترة” الأمازيغية، كم يلزم المغاربة ليتعلموها، بما فيهم الأمازيغ، كلغة مكتوبة؟
هل من يريد التطور يضع عصا في عجلته اسمها الأمازيغية. فعوض البحث عن حلول لمشاكل قائمة، نبحث عن مشاكل غير قائمة؟
ما الأسرع تطورا؟
آلبداية من الصفر مع الأمازيغية، أم البناء على التراكم الموجود مع العربية؟
إن من يدعو لجعل الأمازيغية لغة لكل المغاربة يقع في مفارقة عجيبة غريبة عندما يحارب أن يكون الإسلام دينا لكل المغاربة.
يقول عصيد: “لم يكتف الحزب[2] بتحنيط الأمازيغية في خانة “اللغة الوطنية” بل دعا إلى التنصيص في الدستور على أنّ “المغرب جزء من الأمة العربية والإسلامية”، وغاب عنه بأن معضلة المغرب ليست في أن يكون جزءا من شيء آخر، بل في أن يكون هو ذاته قبل كل شيء”.
ولم يدر عصيد وأمثاله أنه يقع في مفارقة أخرى عندما يعتبر المغرب جزء من العالم، وأن عليه الانخراط بقوة فيما يسمى الكونية والعولمة. فأن يكون المغرب جزء من الأمة العربية والإسلامية أمر مرفوض، أما أن يذوب في الكونية والعولمة فضرورة ملحة!
إن هذا الصراع الذي أدخلنا فيه الأمازيغويون هو مثل الصراع الذي أدخلته بنات علمان فيما بين الرجل والمرأة، حيث جعلن مؤسسة الأسرة ساحة حرب، بدل جعلها ملاذ سكينة ورحمة لكلا الطرفين.
إن هذا الصراع المفتعل جعل المغاربة يهدرون الطاقات في أمور هم في غنى عنها، لأن الأمازيغويين عملوا على بث الطائفية العرقية في المغرب، وأرادوا أن يكرسوا في أذهاننا أن الأمازيغ يتعرضون لظلم بما هم أمازيغ، وكأن العربي في المغرب يعيش في بحبوحة من العدل لأنه عربي، فيما يعاني الأمازيغي من التمييز العنصري كما يعاني منه الفلسطيني في فلسطين التاريخية!
إن الأمازيغ الأحرار كانوا وسيظلون ينافحون عن العربية وعن الإسلام ويحمونهما، لأنه منذ كسيلة والكاهنة لم نر إلا طارق بن زياد وأجروم ويوسف بن تاشفين والمختار السوسي وغيرهم كثير، إلى أن نبتت نابتة السوء التي أصبحت تنغص بشذوذها العرقي التعايش الذي دام قرونا، مما يجعل من ادعاء الأمازيغيين بأن الأمازيغ عاشوا الإقصاء والتمييز بالنظر لعرقهم اتهام لهؤلاء الأفذاذ، واستهانة بعقولهم من طرف عصيد والدغرني ومن على شاكلتهما.
وبما أن الدعوة إلى دسترة الأمازيغية قائمة على قدم وساق، فأين العلماء من تقديم “اقتراح” لجعل الإسلام المصدر الرئيس للتشريع مادام جل المغاربة يدينون بالإسلام، عوض تلك العبارة التي لاتسمن ولا تغني من جوع المتمثلة في أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير”؟
إن هذا التصدير في الدستور لم نر منه تطبيقا على أرض الواقع، فالإسلام يؤكل قطعة قطعة، كأيتام في مأدبة اللئام لصالح الحداثة والمواثيق الدولية والقوانين الكونية.
واللغة العربية تحشر في الزاوية لصالح لغة موليير.
والمغرب العربي الكبير لا وجود له إلا في عقول الشعوب، والأمازيغيون يموتون حقدا من هذه العبارة التي لا أثر لها في الواقع. وعلماؤنا الأجلاء لا أدري ماذا سينفعهم علمهم في حياة الناس دون إسلام أو عربية!
والأمازيغية تأتي بعد صيف، لتمثل العصر والتطور، بعدما كانت في رجعية وجمود على الرغم من أنها ضاربة في جذور التاريخ، كمستحثة أُريد لها أن تكون عصرية. أما الحديث عن الهوية في هذا المجال فهو مجرد “تلبيس إبليس”، لأن الأمازيغيين لا يرون من الهوية إلا إثارة هذه النعرة العرقية، دون باقي مكوناتها من عربية وإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الذين يتخذون الأمازيغية مذهبا.
[2] المقصود حزب الاستقلال.