“الإسلام فوبيا” وحقيقة الحرب الأهلية الجزائرية إبراهيم بيدون

خرجت علينا إحدى الجرائد بصفحة كاملة تناولت فيها رواية الجزائرية “شريفة خضار” التي استدعتها إحدى الجمعيات النسائية المغربية تزعم أنها إحدى ضحايا التطرف الأصولي في الجزائر وتسرد فيها قصة هجوم “إرهابيين” على بيتهم وقتل أخيها وأختها بطريقة فاشستية، وكل مسلم عاقل لا يسعه إلا أن يدين مثل هاته الأعمال العارية عن أية ضوابط شرعية..
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي خلفيات الجمعيات والجرائد التي تستضيف مثل “خضار”؟
علما بأن الوضع في الجزائر شديد الالتباس خصوصا بعد الاعترافات التي قدمها الجندي الجزائري حبيب سويدية والتي تدين الجيش الجزائري بارتكاب مجزر عديدة ضد الشعب الجزائري، وربما كانت التي تعرضت لها عائلة “خضار” واحدة منها، وهذا ما لم تشر إليه خضار في روايتها رغم طولها مما يعطي الانطباع أن المقصود من استضافتها هو مساندة الجمعيات العلمانية في حربها ضد التيارات الإسلامية المنافسة لها في المعترك السياسي. أليس ذكر ما جاء في كتاب سويدية محاولة لفهم الواقع الجزائري على وجه أمثل؟ أم أن الطرح العلماني يأبى ذلك؟
وحبيب سويدية هو مؤلف كتاب “الحرب القذرة”، إشارة منه إلى الأيدي الحقيقية القذرة التي تدير الحرب وترغب في استمرارها لنيل مآربها.
ويؤكد فيه أن الذي يحرك رحى الحرب في الجزائر هم رؤوس الجيش وذلك من خلال تجربته ومشاركته في “القوات الخاصة” التي خاضت حربين أولاهما ضد “الإرهابيين”، أما الأخرى والأهم فهي “الحرب القذرة” في حق المدنيين من الجزائريين وهي التي شعر سويدية تجاهها بالمقت الشديد وشجبها بقوة، حيث يروي أنه شهد بأم عينيه صنوف الرعب والعذاب التي كانت تمارس ضد المدنيين، فمثلا يقول: “إنه عاين حرق زملائه غلاما حَدَثًا يبلغ 15 عاما وهو حي، كما وقف على مشهد ذبح الجنود المتخفين على هيئة ملتحين لمدنيين في قراهم وذلك لإيهام الرأي العام والإعلام أن الإسلاميين هم الجناة، كما روى حادثة إلقاء القبض على مشتبه به وإعدامه دون الاكتراث بمحاكمته.
ثم يحاول المؤلف عمل توازن في رؤية ما يجري في الجزائر فبينما تسلط وسائل الإعلام أضواءها على إرهاب الجماعات الإسلامية المسلحة وتشجبه وتدينه، تقوم بتهميش الأعمال المهولة التي ارتكبها الجيش، الشيء الذي يتماشى مع الموقف الغربي المصر على تهويل خطر ما يسميه بالأصولية الإسلامية.

يقول حسن الرشيدي في مقال بعنوان “من يقف خلف تفجيرات الجزائر”: “والمتتبع لأحوال النظام الجزائري يجد بداخله قطبين رئيسيين:
الأول: تيار المخابرات بزعامة محمد مدين الشهير بسي توفيق ونائبه..
الثاني: تيار أركان الجيش بزعامة رئيس الأركان محمد العماري.
وكل قطب من هذه الأقطاب له أدواته ووسائله في السيطرة وإدارة الصراع سواء مع الناس أو مع القطب الآخر عندما يبرز بينهما خلافات على التكتيك والأسلوب الأفضل في تقاسم السلطة وذبح الصحوة ومحاربة اختيار الشعب في العودة إلى الله.
ويأتي بعد ذلك دور رئيس الجمهورية وهو دور واجهة أكثر من أن يكون طرفاً فعالاً، والمتأمل لفترات الرئاسة للرؤساء السابقين من أيام بن بلة وحتى بوتفليقة يجد أن هؤلاء الرؤساء كانوا ألعوبة في يد قادة الجيش والمخابرات باستثناء حكم هواري بومدين حيث كان ممسكاً بزمام الجيش بنفسه في السابق فسهل عليه الإمساك بخيوط السلطة في يديه”.
وهذا ما يوضح أن الإبادة التي تعرض لها الشعب الجزائري عقب انقلاب الجيش على الإسلاميين في الجزائر بعد انتخابات 1991م كانت ضرورية بالنسبة للجيش الجزائري حتى يضمن إضعاف الجماعات الإسلامية وإضعاف خصومه من العلمانيين، حتى يستبد بالسلطة دون منازع.
فلماذا أغفلت “شريفة خضار” الإشارة إلى كل هذه الحقائق؟
ولماذا خصصت الأحداث المغربية المعروف لكل ما هو إسلامي صفحة كاملة من عددها: 3352؟
والجواب واضح من خلال معرفة الهوية الفكرية للضيفة والمضيف والناشر، حيث أن زيارة “شريفة خضار” كانت في إطار دعم مشروع إشاعة الخوف والذعر (الإسلام فوبيا) من أصحاب اللحى بين المغاربة كما هو الحال في الجزائر، وللربط بين المرجعية الإسلامية وسفك الدماء.
فقبح الله السياسة التي تجعل المرء يلغي عقله ويخالف دينه تعصبا لحزبه.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *