يرتاب كثير من المراقبين في وضع المراوحة الذي تتسم به الأزمة السورية، في الفترة الأخيرة، وبخاصة في ظل مماحكات النظام في تعامله مع الحل العربي، الذي يطلبه بإلحاح في أبواقه لكنه يضع مزيداً من العراقيل في وجهه كلما أعطته الجامعة العربية فرصة جديدة، يستغلها لمواصلة ذبح السوريين في المدن والقرى، في محاولة يائسة لوأد الحراك الشعبي السلمي المطالِب بإزاحته ومحاسبة رؤوسه على جرائمهم الفظيعة ضد المحتجين السلميين العزل.
فلا عجب أمام حالة كهذه من رفع السوريين صوتهم بالنكير على جامعة الدول العربية واتهامها بالتواطؤ مع المشروع الدموي للنظام الأسدي الهمجي، حتى إن بعض المتظاهرين في سوريا أطلقوا على الجامعة اسم (جامعة المُهَل العربية)!!
في حين يقول بعض المعارضين: إن الأمر أبعد من أن يكون مجرد تنفيس الشعب عن غضبه من طريقة الجامعة في “تدليعها” لعصابة آل الأسد بصورة ممجوجة، ويتحدث هؤلاء عن صفقة رخيصة يجري التحضير لها إقليمياً ودولياً، بمشاركة الجامعة العربية رغبة أو اضطراراً، للتحايل على تضحيات الشعب السوري المذهلة، بإجراء تعديلات غير جوهرية في النظام، بذريعة “الحرص على الاستقرار” وحجة “الخوف من حرب أهلية قد يمتد لهيبها إلى المنطقة كلها” مع معرفة الجميع بأن الحرب قائمة فعلاً منذ شهور لكنها من طرف واحد هو عصابة الحكم الأسدية…
وتفيد الشائعات بأن روسيا هي الراعي الأول لهذه الخطة الماكرة، وأنها تحظى بمباركة واشنطن، وقبول تركي وإيراني، ويعزز أصحاب هذا الحديث مزاعمهم بعودة السفير الأمريكي إلى دمشق، بينما كان المفترض طرد سفراء النظام من العواصم الكبرى، تأكيداً لعدم شرعية نظام بشار!!
قد يُرَدّ على ذلك بالإشارة إلى الاجتماع الذي عقدته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون في جنيف مع قيادة المجلس الوطني السوري على أنه بداية تأييد جاد للثورة، غير أن بعض التسريبات تدعي أن كلنتون حضت رئيس المجلس برهان غليون على ضرورة محاورة بشار!!
وإذا صح ذلك فهو دليل على أن خطة إنقاذ النظام السوري بإعادة طلائه، هي خطة أمريكية 100% وأن موسكو مجرد واجهة. فما يهم بشار هو البقاء في السلطة وما يهم واشنطن هو حمايته للصهاينة، وتبعاً لذلك يحرص الأمريكيون على إشغال العالم بألعوبة الحل العربي، لأن عودة القضية إلى مجلس الأمن بعد متغيرات الشهور الثلاثة الأخيرة سوف تفضح الأوراق كافة، وتعري العم سام من تخفيه وراء الغباء الروسي.
وفي توقيت مريب، أعلنت تركيا أنها لن تسمح بانطلاق عمل عسكري من أراضيها ضد عصابة آل الأسد، وفي الوقت ذاته تزداد وقاحة النظام فهو يتحرش بها عسكريا ويستفز جيشها الذي لا يرد البتة، بينما حشد قواته في عام 1998م ليجبر حافظ أسد على تسليم زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بصورة مُذِلّة.
وقد تزامنت تلك الإشارات مع لقاء تلفزيوني أجرته مع بشار الإعلامية الشهيرة بربارا وولترز، وأثار بلبلة هائلة لأنه أعلن فيه أنه غير مسؤول عن جرائم جيشه وأجهزته القمعية، لتتناسل علامات الاستفهام: أهو تمهيد لانقلاب داخلي مسبق الصنع أم شعور منه بقرب النهاية فلم يكن أمامه من سبيل سوى خطوته اليائسة للتنصل من المسؤولية مع علمه باستحالة هذا التنصل لأن الجميع في الداخل وفي الجوار الجغرافي وعلى الساحة الأممية يعلمون علم اليقين السلطات الفضفاضة التي يتمتع بها بشار؛ بحسب الدستور المفصل على مقاس غطرسته نظرياً؛ والسلطة المطلقة التي يحكم بها فعلياً.
وبالرغم من اقتناع بعض السوريين بأن المقود الفعلي ليس في يد بشار فإن بقاءه في موقعه على امتداد شهور المجازر، وتشدقه في بداية الثورة بأنه صانع القرار، يمنعان من تصديق مسرحية التهرب من المسؤولية التي عمد إليها مؤخراً.
ولعل المشهد يكتمل بالتنبه إلى ملاحظتين مهمتين، أولاهما أن العراق الصفوي المنحاز إلى صف الطاغية يطرح نفسه “وسيطاً”، الأمر الذي يعزز الهمس المتصاعد عن قبول الدولة الصفوية في طهران بصفقة إعادة إنتاج النظام العميل في سوريا!! ولا سيما بعد الزيارة التي قام بها الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي فجأة إلى بغداد، وترافق ذلك مع إلغاء اجتماع كان مقرَرّاً عقده للجنة العربية في الدوحة.
والملاحظة الثانية: أن حسن نصر الله في عاشوراء أخذ يلمح -للمرة الأولى- بخبث لاحتمال حصول تغيير في التركيبة الراهنة للنظام السوري.
إن على الشعب السوري الصابر المرابط اليقظة لإجهاض المؤامرة الخبيثة لأنها إذا نجحتْ -لا قدّر الله- تطيح بتضحياته الجسيمة؛ لتنتهي بتسوية سخيفة تُبْقي نظام الخيانة الطائفي الدموي مع تعديلات شكلية ديكورية لا أكثر.