في حوز مراكش ذ. إدريس كرم

فتح ميدان جديد أمام عمليات قواتنا في هذه الناحية جنوب واد أم الربيع حوالي مزكان وأزمور.

في 15 يوليوز 1912 تمرد الأهالي المتواجدون حول مزكان على قائدهم المعين من طرف مكتب الشؤون الأهلية بالشاوية ومنعه من إدارتهم، كما تم إحراق قصبتي القائدين: كيا والهاشمي، وفرّ محميونا لأزمور.

مفرزة من قوات الشاوية زحفت لسيدي علي على بعد 20 كلم من أزمور.

يوم 19 يوليوز تم مهاجمة ثكنة مارشاند من قبل متمردي ازعير، الذين تواروا عن الأنظار بعد تنفيذ الهجوم.

تم تعيين الكولونيل مانجان من جيش الاستعمار حاكما عسكريا على مزكان، فتوجه لها من الشاوية مع ثلاثة أفواج سنغاليين وفصيلتين ومدفعية، وقد دعم يوم 29 يوليوز بكولون إضافي خرج من سطات، عسكر على بعد 25 كلم من مزكان في سيدي امحارش بدكالة.

ممثلو قبائل اولاد حسن ذبحوا ثَورا أمام قائد الكولون ووقعوا على الطاعة والخضوع، وتم تعيين قياد جدد حسب اختيار الحاكم العسكري، وبعد استتباب الأمن عادت القوات لأزمور ومزكان.

لكن بعد الحوادث السالف ذكرها بدا أن مميزات سلوك المغاربة وطبائعهم الصعبة استهوت ممثلي إسبانيا فجعلتهم يعارضون حركة الحماية الفرنسية، أحد القياد الذي قاد الحرب ضد الجنرال ضماد في الشاوية والمسمى الطراحي سنة 1907 والذي تم طرده فلجأ للضفة اليسرى لأم الربيع وبقي بعيدا عن مهاجمتنا لأن الحكومة منعت قواتنا من اجتياز النهر لمحاربته مما أتاح له الفرصة لمواصلة إقامته على شاطئ أزمور ومزكان ببضع كيلومترات.

لقد سخر هذا القائد وظيفته كقائد معين من قبل مولاي حفيظ على الحوزية للدفاع عن نفوذه الترابي ومركزه القيادي في وجهنا، منشئا قلعة قوية يبتز منها القبائل المجاورة، ويقطع الطرق على القوافل، ويختلس مداخيل الإدارة، وفرض على الأوربيون الذين يرتادون مصادفة مازكان وازمور رسوما باهظة.

لقد أدى تراخينا لمدة أربع سنوات على هذا القائد إلى إفراطه في اقتراف عدة مساوئ أدت بحوالي ثلثي مرؤوسيه اللجوء للضفة اليسرى من الواد حيث سلطتنا قائمة على الشاوية، وقد طلب المسؤولون الفرنسيون سنة 1911 من مولاي حفيظ إقالته لكنه لم يستجب للطلب، وفي إحدى المرات عندما كانت بعثتنا الصحية تجتاز الضفة اليسرى لأم الربيع مع قوة حراسة فرنسية احتجز الجنود الفرنسيين وأعلن بأنه محمي من قبل القنصل الإسباني الذي تقدم باحتجاج لدى كل القناصل بمزاكان على الفصول القاسية لهذه الزمرة، ولم يتردد في الكشف عن الحماية الإسبانية مناقضا اشتراطات مدريد رغم احتجاجات أهالي مازاكان، وهكذا لم يتقف تهور هذا القائد عند حد منذ أن بدأ يناصبنا العداء، محاربا الجنرال ضماد.

مؤخرا تم توقيفه لثلاثة أهالي شك في وجود علاقة لهم بجنودنا، فقتل أحدهم ضربا بالعصي ووضع آخر في السجن، والثالث رمي به في بئر، حيث وجد جنودنا جثته فيه؛ كما هاجم المركز الذي أنشأناه في أزمور في يوليوز 1912 مرارا منذ الساعتين الأوليتين لإقامته، مع توقيفه التعسفي لكل محمي، والتنكيل بالمعتقلين منهم والإبقاء عليهم في السجن، أو تركهم يموتون جوعا.

عندما عزم الكولونيل منجان محاصرة مقر القائد فوجئ بمغادرته القصبة نهائيا يوم 4 غشت لاجئا لمزكان في منزل يهودي مغربي يدعى سيكسو محمي إسباني هو أيضا.

الكولونيل منجان قام بمحاصرة القصبة بواسطة طابور البوليس، حيث تم تبادل النيران مع ابن القائد المدافع عنها صحبة الموالين له من المغاربة، مما جعله يأمر بقنبلتها وتدميرها، حيث عثر بداخلها على ذخيرة كبيرة وأسلحة وأكياس من البارود ومراسلات هامة، وسجناء منهم من كان متهما بالتعاون مع قواتنا، وقد تم تدميرها ودكها عن آخرها بمساعدة السكان المجاورين وهم مبتهجون بإزالة البناية التي كانت مصدر ترويع لهم ولقواتنا.

قنصل اسبانيا في مزكان احتج على محاصرة دار اليهودي سيكسو بشدة، فأجابه قنصل فرنسا بأن الحل يكمن في تسليم القائد المحتمي بالدار لأنه متهم بمساعدة الخارجين عن قوانين المخزن الشريف، بيد القنصل الاسباني رفض تلك المزاعم، فقامت سرية من المشاة بتعزيز طابور البوليس المحاصر للدار.

ويوم 6 غشت تم انتهاز فرصة استراحة بعد سلسلة من المباحثات بين قنصل فرنسا واسبانيا فر فيها القائد مع سبعة من أنصاره قتل منهم أربعة وألقي القبض على الآخرين، أثناء هذا الصدام قتل لنا ضابط قائد طابور البوليس وضابط صف أهلي (“غزو المغرب” الكولونيل سان لوشابيل؛ ص:155).

الأمن على خطوط المراحل

في ناحية مكناس الأمن ليس على ما يرام، فقد تم تسجيل عدد من المجابهات في شهري شتنبر وأكتوبر 1912، ورصد تجمعات في زيان وبني امطير وبني كيلد بين أكوراي والحاجب.

الكولون المرؤوس من قبل الكولونيل روبيو والكومندار ديبرتيي تجمع في هذه الناحية لتشتيت تلك الحشود، التي اختفت بمجرد ظهورنا لكنها عادت لتتنظم بعد مرورنا.

كولون ثالث بقيادة الكولونيل كونط خاض معركة حامية مع حركة في ناحية أكوراي يوم 20 أكتوبر 1912 في مدخل غابة جوبو التي فروا فيها، وقد جرح لنا ستة جنود.

يوم 27 أكتوبر 1912 خرجت دورية من معسكر بيتيجة تعرضت لهجوم في أطراف غابة معمورة.

عمليات على تخوم الشاوية (شتنبر وأكتوبر 1912)

الوضعية بزعير لم تتحسن، هذه الكونفدرالية المكونة من 500.000 نسمة الموجودة شمال تخوم الشاوية بين الأطلس والبحر، تعرضت للعقاب من قبل قواتنا أكثر من مرة، لكن ليس بالجدية الكافية لمنعهم من معاودة التمرد وإضعاف روح الثورة.

فمنذ مقتل ليوطنا مرشاند لقنوا درسا واحدا، وإن جاء متأخرا فقد كان مفيدا، وقد تم ذلك العقاب على يد قوات الجنرال برنلير في يوليوز 1911، لكن مع الأسف التراخي الذي طرح على القوات بالشاوية بعد أحداث أكادير وبعدها ثورة فاس في أبريل 1912 ثم احتلال مراكش ضيع جدواه.

في نهاية غشت 1912 بعث الجنرال ليوطي الكولونيل بلوندلا من مشاة الاستعمار على رأس كولون مكون من سبعة أفواج وفصيلتين والكوم الأولى وشعبتي مدفعية، تجول في نواحي ازعير لحماية القبائل الخاضعة.

يوم 31 غشت 1912 قام الزعريون بأول هجوم على معسكر مارشاند فتم ردهم من قبل كوم الشاوية وتابعهم كولون بلوندلا حيث عسكر مساء على بعد 10 كلم، فهوجم ليلة 1 و2 شتنبر من قبل جماعة كبيرة فتكبدوا خسائر فادحة، أما نحن فقد خسرنا ثمانية قتلى و31 جريحا، وتوبع المهاجمون الزعريون لغاية حجرة بناصر.

يوم 5 شتنبر 1912 علم الكولونيل بلوندلا بتواجد تجمع ضخم للزعريين معاكس لقطعانهم التي لم تجد مرعى في ناحية كرو فتم مهاجمتهم وتكبيدهم خسائر فادحة دفعت ببعض الفخذات للاستسلام والخضوع لنا.

الكولون تجول في زعير مدة ستة أيام دون أن يتعرض لطلقة نار واحدة، ثم عاد لمعسكره بحجرة بناصر يوم 10منه، وفي 14 تعرض العسكر المذكور آنفا لهجوم قوي من مجموعة ضخمة من المتمردين البرابرة، خسرنا فيها 9 قتلى و30 جريحا.

الفخذات التي سبق الحديث عن خضوعها (حوالي 800 خيمة) بقيت وفية لوعدها، لكن مسألة زعير بقيت بعيدة عن الحل، وتتطلب جهدا أكبر وقويا من أجل إنهائها.

في تادلا تم رصد جماعة متمردة جنوب شرق الشاوية، فتم تجميع كولون بدار الشافية بقيادة الكولونيل كيدون، وأمر بالخروج يوم 14 أكتوبر 1912 في اتجاه قصبة التازي بحثا عن حركة أكبر يبدو أنها في ذلك الممر الحاجز؛ وفي المساء بات الكولون في البروج على بعد 35 كلم من دار الشافية، وفي الليل تم مهاجمته من قبل 1500 فارس زعري فتم إرجاعهم وملاحقتهم في اتجاه ترمازت.

وفي صباح 16 أكتوبر، هوجم كولون الكولونيل كيدون من جديد في معسكره بترمازت من قبل 4000 مقاتل، وبعد معركة عنيفة فرّ المهاجمون من ميدان المعركة.

يوم 17 تتبع الكولون آثار المهاجمين حيث وجد الزعريين مجتمعين قرب سيدي ناصر فعوقبوا على أعمالهم، وقد قدر عدد المشاركين في المعارك الثلاثة بـ1200 رجل، قتل منهم 400، وفقدنا نحن 10 قتلى و54 جريحا منهم ثلاثة ضباط.

وقد كلف كولون ثقيل بملاحقة العصاة وحرق دواويرهم من أجل استسلام بعضهم (ص:167؛ نفس المصدر).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *