أولا تقتضي زيارة الأضرحة تحديدا للمواعيد؟ الحلقة الثانية الدكتور محمد وراضي

لتكن قناعتنا راسخة، لا يتسرب إليها أدنى شك، بكون الكتابة مسؤولية، تأكيدا منا على أن الموضوع الذي نتناوله هنا شديد الحساسية، بالنسبة للقبوريين والطرقيين من ناحية! وبالنسبة للحكام والقائمين على تدبير الشأن الديني من ناحية ثانية! بحيث يكون من حقنا الإدلاء برأينا في كل ما له صلة بجانب من جوانب العقل المغربي، الذي تخلف المهتمون بشأنه عن القيام بمزيد من النبش والتنقيب في ما يعتريه من ميل إلى التسليم بالمظلم من التصورات التي تتصادم مع منطق رافض للخرافة والوهم والأسطورة! وهي بثلاثتها معززة بدعم الجهة التي ما انفكت تخرج إعلاميا بأننا سوف نظل إلى الأبد، متشبثين بالمذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، وطريقة الجنيد الصوفية.
وما قدمناه باختصار في الجزء الأول من هذه المقالة، يكذب الزعم الرسمي الذي لا يستطيع أن يقدم أية حلول دينية وعقلانية للتساؤلات التي طرحناها، وسوف نظل نطرحها ريثما يتبين للمخدوع -قبل غيرهم- دينيا وسياسيا ما هنالك من فروق بين الحق والباطل.
حدثنا ضلالي مغربي، لا يستحيي شيخ جماعة العدل والإحسان من وصفه مندفعا كعادته، وراء ترويجه المعروف لظلامياته ولظلاميات غيره في مؤلفه “الإسلام بين الدعوة والدولة” بقوله: “ونورد هنا شهادة عبد من عباد الله أمي أو يكاد. يصف لنا ببساطة وصدق ما حدث له حين اصطفاه الله، وقربه إليه، فأبصر بنور الله، وسمع بسمعه. يقول مولانا عبد العزيز الدباغ”!
وقبل أن نسوق بعضا مما قاله مولاه الظلامي المفلس غاية الإفلاس في علم الدين، صاحب كتاب “الإبريز” المليء بالأساطير الصوفية، نستغرب الحكم الجازم القاطع الذي أصدره لفائدته مرشد الجماعة الذي ليس له من الإرشاد الديني الحق غير الإسم دون المسمى! وإلا فمن أين له الادعاء بأن الله عز وجل قد اصطفى الدباغ واختاره من ضمن ملايين المسلمين على عهده؟ وأنه سبحانه قد قربه إليه؟ وأنه يبصر بنوره؟ وأنه يسمع بسمعه، لا بسمعه هو كبشر محدود نسبي القدرات! والحال أن السمع قوة في الأذن بها تدرك الأصوات؟ فهل يخبط الرجل خبط عشواء؟ أم إنه يقوم بدور حاطب ليل، وهو عند المفتونين به مرشد وأي مرشد؟ وحديثنا هنا عن ياسين الصوفي، لا عن ياسين السياسي!
تساؤلات، إجابتها تقع على مولى ياسين وسيده الذي أشبعه مدحا وإطراء بدون ما حدود! أو لم يختره ربه فأمده بعلوم، وصفها لا يصح إلا بكونها وهبية أو لدنية! لا تنفصل من حيث القيمة التي تفضل الله بها على صاحب موسى الوارد ذكره في سورة “الكهف”. حيث يقول سبحانه: “فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا”! والعبد هنا في الآية هو مسمى “الخضر” الذي لم يذق بعد طعم الموت! إنه على قيد الحياة! كما يدعي المتصوفة المخبولون! فضلا عن كونه مصدرا لبعض المعارف التي يتبجحون بكونها منه وإليه! نظير “المسبعات العشر” التي تشتغل بها الطرق الصوفية إلى حد كتابة هذه السطور!
فما الذي نستفيده نحن من “خضر” ياسين الذي رفع من شأنه إلى حد إلحاقه بدرجة من السمو الروحي لا تضاهى؟
يقول تلميذ الدباغ: أحمد بن المبارك -وهو يقدم حديث مرشده عن “ديوان الصالحين” إلى القراء-: “سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول: الديوان يكون (= يعقد) بغار حراء الذي كان يتحنت فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة! (نقول لياسين: هل هذا الظلام الصادر عن مولاك نتيجة مؤكدة لكونه ينظر بنور الله؟ وهل هذا الظلام الذي امتدحت صاحبه لأجله دعامة من دعائم الدولة الإسلامية التي تسعى إلى إقامتها بالمغرب)؟
قال رضي الله عنه: فيجلس الغوث (؟) خارج الغار، ومكة خلف كتفه الأيمن. والمدينة أمام ركبته اليسرى. وأربعة أقطاب عن يمينه. وهم مالكية على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه! وثلاثة أقطاب عن يساره. واحد من كل مذهب من المذاهب الثلاثة (حنفي. حنبلي. شافعي)! والوكيل أمامه ويسمى قاضي الديوان! وهو في هذا الوقت مالكي أيضا من بني خالد القاطنين بناحية البصرة! واسمه سيدي محمد بن عبد الكريم البصراوي. ومع الوكيل يتكلم الغوث. ولذلك سمي وكيلا. لأنه ينوب في الكلام عن جميع من في الديوان (دون أن نعتبرها الآن فرصة مواتية لشرح ما يعنيه القطب والغوث؟ ووعدنا بتقديم شرحيهما في مناسبة متاحة وعد مؤكد).
قال رضي الله عنه: ويحضره (أي الديوان) بعض الكمل من الأموات (وفيهم غير الكمل؟). ويكونون في الصفوف مع الأحياء! ويتميزون بثلاثة أمور: أحدهما أن زيهم لا يتبدل (في شكله ولونه)، بخلاف زي الحي وهيأته. فمرة يحلق شعره، ومرة يجدد ثوبه وهكذا! وأما الموتى فلا تتبدل حالهم (هذا ما يقوله الدباغ وياسين يصدقه! وماذا عن أتباعه؟). فإذا رأيت في الديوان (الخطاب إلى ياسين من مولاه) رجلا على زي لا يتبدل، فاعلم أنه من الموتى، كأن تراه محلوق الشعر. ولا ينبت له شعر! فاعلم أنه على تلك الحالة مات (معلومات لا يزنها إلا الجواهر!). وإن رأيت الشعر على رأسه على حالة لا يزيد ولا ينقص ولا يحلق، فاعلم أيضا أنه ميت وأنه مات على تلك الحالة!
ثانيها أنه لا تقع معهم (أي مع الموتى المقدسين) مشاورة في أمور الأحياء، إنهم لا تصرف لهم فيها، وقد انتقلوا إلى عالم آخر في غاية المباينة لعالم الأحياء! وإنما تقع معهم المشاورة في أمور عالم الأموات! (إنما كيف نفسر إقبال آلاف مؤلفة من المخدوعين على أضرحتهم مستغثين متوسلين إن كانوا لا يتصرفون في أمور تخص الأحياء دون الأموات؟).
ثالثها أن ذات الميت لا ظل لها (من أين قلت هذا؟). فإذا وقف الميت بينك وبين الشمس (الخطاب موجه إلى ياسين وإلى شيخ البودشيشيين الحالي على اعتبار أنهما معنيان بأمر ديوان الأولياء أنى ينعقد؟). فإنك لا ترى له ظلا. وسره (أي شرحه الذي لم يعرفه غير الأولياء) هو أنه يحضر بذات روحه (هناك إذن ذاتان!)، لا بذاته الفانية الترابية! (فلتشرح لنا يا شيخ الجماعة ومرشدها ما نجهله!). وذات الروح خفيفة لا ثقيلة، وشفافة لا كثيفة”!
وهدفنا من تقديم بعض من نص يدور حول الديوان الذي يعقده الصالحون الأحياء منهم والأموات مبدئيا بغار “حراء”، وفي أماكن غيره كـ”أسا الزاك” المغربية! وفي ضريح إدريس الثاني بفاس! هو التنبيه إلى أن المقدسين المزورين، يغادرون أضرحتهم للحضور في لقاءات تعقد مرة هنا ومرة تعقد هناك! والتي هي في جميع الأحوال أفيد لكل المزورين المؤتمرين لتحقيق التواصل والتعاون بينهم وبين زملائهم الذين يسعهم كلهم غار “حراء”! خاصة عندما يحضر النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون في بعض الأحيان كما أكد ذلك الظلامي الدباغ! يكفي أنهم يجتمعون للتداول في أمور العالم برمته! تماما كما يتم الاجتماع داخل مجلس الأمن! أو داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة! بحيث يكون مولى رأس جماعة العدل والإحسان قد أمدنا بمعلومات عرفانية لم نكن لوحدنا قادرين على تحصيلها!
ونذكر هنا حتى لا ننسى بأن المؤتمرين يمثلون كل جهات المعمورة، إذ الثقافة الصوفية عامة، والثقافة القبورية خاصة، تتحدث عن “الأبدال” و”الأوتاد” و”النجباء”! فإن كان الأبدال هم الذين يوجدون في مكانين، بحيث يسافر أحدهم بجسده الحقيقي ويترك مكانه مجرد صورته، لإيهام من يعرفونه بأنه لا يزال بين ظهرانيهم مقيما يعي، ويتحدث، ويتنفس، ويأكل، ويشرب! فإن “الأوتاد هم الرجال الأربعة الذين على منازل الجهات الأربع من العالم. أي الشرق والغرب والشمال والجنوب. بهم يحفظ الله تعالى كل الجهات لكونهم محال نظر الله”! يعني “أنهم ممسكون بالوجود من جهاته الأربع! ولو زالوا لزال الوجود”! في حين أن النجباء “هم الأربعون القائمون بإصلاح أمور الناس وحمل أثقالهم المتصرفون في حقوق الخلق ولا غير”! كان “الأبدال” و”الأوتاد” و”النجباء” من الأحياء أو من الهالكين. فحضورهم في ديوان الصالحين ضروري، متى صح عندنا أن كل وتد مسؤول عن إدارة شؤون جهة من جهات المعمور! وبما أن الموتى من الصالحين مدعوون إلى الحضور في الديوان أو في أي ملتقى آخر يعقد بمناسبة ما، فلا بد أن يغيبوا عن أضرحتهم لفترة قد تطول وقد تقصر، فيحتاجون حينها إلى من يستقبلون زوارهم بالنيابة! وقد يصاب أحدهم بمرض ما وهو ذاهب أو عائد من الديوان! إلى حد أن هناك احتمال تعرضه لموت مفاجئ! فيكون على رفاقه في السفر حمله إلى أهله إن كانت تلك ميتته الأولى! أما إن مات ميتة ثانية، فلنسأل القبوريين عن كيفية التصرف في جثته!
ولدينا تساؤلات أخرى تتصل بالمزور وشخصه أو هويته الحقيقية! فإن كان فقه القبورية عاجزا عن حل مشكل الزيارة التي لا بد أن يتم ضبطها بمواعيد استنادا إلى ما قدمناه من توضيحات، فإن المزور قد لا ينتمي أبدا إلى عالم الصلاح، وإنما إلى عالم المتظاهرين به! فقد أخبرنا الحسن اليوسي في محاضراته بقصص لرجال تظاهروا بالفقر، ثم اتضح فيما بعد كيف أنهم مجرد محتالين أفاكين! فما كان منه غير تحذيرنا من أمثالهم حتى لا تتحول قبورهم إلى أضرحة، يقدس المخدوعون أصحابها وهم في الحقيقة كذابون فسقة فجرة!
قال: “وقد صعدت في أعوام الستين والألف (1060هـ/1649م) إلى جبل هسكورة. فإذا برجل نزل عليهم من ناحية الغرب، واشتهر بالفقر (= بالصلاح). وبنى خباء له. وأقبل الناس عليه بالهدايا والضيافات. وكان من أهل البلد فتى يختلف إليه ويبيت عنده، فاستراب في أمره بعض الطلبة. فتلطف مساء ليلة حتى ولج الخباء، فكمن في زاوية منه، فلما عسعس الليل، قام المرابط (= المقدس) إلى الفتى فاشتغل معه بالفاحشة. نسأل الله العافية! ثم علم أن قد علموا به فهرب. وبلغ الخبر إلى إخوة الفتى فتبعوه. ولم أدر ما كان من أمره، ومثله كثير”!
فكان أن ترك لنا صاحب “المحاضرات” وصية ذهبية ثمينة، بعد أن قدم إلينا ما قدم من قصص المتظاهرين بالصلاح فقال: “فكم تظاهر بالخير من لا خير فيه! من مجنون أو معتوه أو مسوس أو ملبس! فيقع به الاغترار للجهلة الأغمار” الذين لا نريد أن نرى أعدادهم اليوم في ازدياد مستمر! خاصة وأن القيمين على تدبير الشأن الديني يمدون الثقافة القبورية بالدعم اللازم كي تتقوى وتؤتي أكلها في المجال السياسي قبل غيره في مجالات أخرى!!!
وفي الثقافة القبورية كذلك، ما ذكره غير واحد من فقهاءها حيث يقولون: “إن الولي إذا مات، انقطع تصرفه في الكون! وما يعطيه عز وجل لزائريه، إنما هو على يد بعض أهل التصرف من الأحياء”!
وننتهي هنا إلى الإشكال الرباعي بخصوص زيارة الأضرحة في الجملة. والذي نختصره في الآتي: عدم التأكد من وجود المزور في مرقده!!! وعدم التأكد من كونه ضمن زمرة المتظاهرين بالصلاح! وعدم الاطلاع على زندقته وفسقه من خلال ما كتبه وما نسب إليه من قناعات ظلامية، وما كان يقوم به من ممارسات تعبدية ضلالية! وعدم معرفة ما إذا كان يتصرف قيد حياته في الكون؟ لكنه لا يملك حق التصرف فيه وقد أضحى من المتوفين! يعني أن نية الزائر تتجه إلى المزور المقدس الذي يتخيله بلحمه وعظمه وشحمه! لكن الذي يلبي طلباته هو ولي حي آخر ينوب عنه! إنما كيف تكون هذه النيابة، والولي الحي مشغول بتوجيه مريديه كحمزة البودشيشي وعبد السلام ياسين الحاحي؟؟؟
ومن ضمن الثقافة القبورية التي لا بد -في نظرنا- من إدخالها ضمن برامج تدريس التربية الإسلامية، من الابتدائي إلى الجامعة! ما ورد في “الفتح المبين: لسيدي عبد الله الخياط الهروشي الذي قدم لنا هذه التحفة: “قال شيخنا العياشي حفظه الله: رأيت منصوصا (عليه) أن الزائر إذا رجع من زيارته (أي زائر) ونفض نعله مما يعلق به من الغبار، فإن لله ملائكة موكلين بذلك الغبار! يلتقطونه! ويرفعونه إلى بلاد النصارى! حتى لا يكلفون الأسارى ما لا يطيقون ولا يقتلونهم! فقلت له: إذن ينبغي للزائر أن ينفض نعله كلما زار بقصد منفعة إخوانه المسلمين! فقال لي: ما أحسنه!!”!
وبما أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عندنا بمعية المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الجهوية، جادة في الدفاع عن الإسلام الطرقي والقبوري، فإن عليها أن لا تدخر جهدا لإخبار زوار الأضرحة -كي تتم فروض الزيارة- بنفض نعالهم حتى يستفيد من غبار نفضها أسرانا كمغاربة وكمسلمين في غواتمالا وفي كافة سجون وزنازن الاستكبار الدولي! إذ سوف يكف الأعداء عن تحميلهم ما لا يطيقون. وقبل كل شيء عن تعريضهم للقتل رميا بالرصاص! أو شنقا بالحبال! أوإلقاء في البحار!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *