أليس هذا الاعتقاد يفسر بكل وضوح تسخير أمريكا للأمم المتحدة بكل المنظمات التابعة لها خصوصا الوكالة الدولية للطاقة النووية للحيلولة دون امتلاك الدول الإسلامية للأسلحة النووية؟ ويفسر كذلك تدمير الكيان الصهيوني في بداية الثمانينيات للمفاعل النووي العراقي، كما يفسر حقيقة الحرب على العراق.
تناولت وكالات الأخبار في العالم أن الكيان الصهيوني بدأ في الاستعدادات لإقامة ما أسماه “ملجأ يوم الحساب”، والذي يفترض أن يحمي قادة الدولة من أية هجمات يمكن أن تتعرض لها، بما فيها الأسلحة النووية.
ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن أعضاء في الكنيست، ورئيس الوزراء “إيهود أولمرت”، الذي سبق أن زار موقع البناء في جبال القدس، قولهم: “إن ما يحدث يبدو كنهاية العالم”، وقالوا:
“إن مثل هذه الأمور لا تُرى إلا في الأفلام والتلفزيون”.
وأعرب المسئولون الصهاينة، بعد تجولهم في المكان، عن إحساسهم بالرهبة، حيث إن هذا المكان هو الذي ستدار من داخله “دولة مشتعلة”، على حد وصفهم.
أوصاف “ملجأ يوم الحساب”
ذكرت الصحيفة نفسها أن الملجأ، الذي يشبه “خندقاً هائلاً”، سيضم كل من قيادة الجيش، ومكاتب قادة الدولة ومنتخبيها، ومكانًا لكبار القيادات العسكرية، كما يفترض أنه “سيفرّ إليه” رئيس الوزراء ومنتخبي الشعب مع قدوم “يوم الحساب”، في إشارة إلى استخدام الأسلحة النووية، كي يديروا الدولة بعد وقوع القنبلة الذرية.
وأوضحت الصحيفة أنه سيتم الدخول إلى هذا الملجأ عبر نفق حفر في الجبل ويستمر التنقل فيه عشر دقائق. ويسمح عرض النفق البالغ 10 أمتار بعبور شاحنتين في أعماق الأرض، وفي جوانب النفق تظهر فتحات لغرف الآليات وأجهزة التكييف الهوائي والكهرباء.
وبعد عبور مسافة كيلومترين في العمق، تصل إلى قاعات عديدة يبلغ ارتفاعها عشرات الأمتار، وفي هذا المكان، ستُبنى غرف لمئات الأشخاص، كما ستُبنى غرفة قيادة عسكرية-سياسية، وهناك مصاعد كهربائية للهرب من موقع إلى آخر، فيما يتصل الملجأ، عبر نفق تحت الأرض، بديوان رئيس الوزراء الجديد الذي سيُبنى في مقر الحكومة.
وتعود فكرة بناء الملجأ إلى الحكومة التي كان يترأسها إيهود باراك، والذي يرأس المشروع حاليًا، بصفته وزيرًا للدفاع، على أن ينتهي بناؤه عام 2011.
ما يستفاد من خبر “ملجأ يوم الحساب”
إن أهم ما يستفاد من هذا الخبر يكمن في تأكيد حقيقة كون الكيان الصهيوني في صراعه مع المسلمين ينطلق دوما من منطلقات دينية ومسلمات عقدية بينما يحرص وكلاؤه في العالم على تشجيع العلمانيين في كل البلاد الإسلامية، نظرا لقبول الفكر العلماني بالتخلي عن القدس مقابل تحقيق سلام مع الكيان الصهيوني إعمالا لمنطق الأمر الواقع مادام لا قدرة للفلسطينيين على مواجهة القوة المدمرة للصهاينة، وكذلك لكون العلمانية لا تعترف بقدسية شيء على وجه الأرض.
وهذا ما يفسر حرص الكيان الصهيوني على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية الممثل الوحيد للفلسطينيين، حتى يقاتلوا بالوكالة عنها المقاومة الإسلامية، وهذا واضح من مواقف دحلان وعباس خلال الأشهر الأخيرة.
كما يستفاد من خبر بناء “ملجأ يوم الحساب”، أن قادة الكيان الصهيوني يؤمنون بالمعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان والمسماة في أدبيات العقيدة الصهيونية التلمودية وكذا العقيدة المسيحية-الصهيونية “هرمجيدون” وهي كلمة عبرية تعني: تل مجيدون – ويوجد بجنوب لبنان (شمال فلسطين) تلة كبيرة اسمها.. تل المجيدية!!
“بوش” أيضا من المؤمنين بالمعركة الفاصلة
في تحقيق موسع نشرته مجلة “لونوفيل اوبسرفاتور” الفرنسية عن ملة دينية مسيحية تتكاثر بسرعة مذهلة في العالم، ومن أتباعها الرئيس الأميركي بوش، ورد خبر طريف، يقول الخبر: إن الرئيس “بوش” اتصل بالرئيس الفرنسي السابق “شيراك” قبل أيام قليلة من غزو العراق ليحثه على تغيير موقفه.
أدلى بوش في هذا الاتصال بحجج كثيرة حول عدالة الغزو أو الحرب، لينتهي إلى القول إن هذه الحرب إنما هي تنفيذ لإرادة الله، وليست شيئاً أقل من ذلك، أو غير ذلك. وتابع بوش -وسط ذهول الرئيس الفرنسي لما يسمع وعجزه عن فهمه وتفسيره- يقول أي “بوش”: “اسمع يا صديقي الرئيس: لقد أخذتُ على عاتقي تخليص العالم من الدول المارقة والشريرة وسأعمل على خوض معركة “هرمجيدون” بكل ما أوتيت من قوة، من أجل القضاء على “غوغ” و”ماغوغ”…
ولم يفهم شيراك، كما تقول “لنوفيل أبوسرفاتور”، ما الذي قصده “بوش” بمعركة “هرمجيدون” وبما سماه “غوغ” و”ماغوغ”!! فما إن أقفل الهاتف حتى استدعى مستشاريه في القصر وروى لهم ما قاله له “بوش” حول أن العناية الإلهية تدعوه لغزو العراق. ولكن ما طلبه شيراك من هؤلاء المستشارين، وعلى وجه التحديد، هو إفادته بسرعة عما عناه الرئيس الأميركي بالعبارات الثلاث التي أشكل فهمها عليه وهي “هرمجيدون” و”غوغ” و”ماغوغ”.. ويبدو أن المسألة استلزمت وقتاً للحل، ذلك أن الطائفة الكاثوليكية التي يدين بها أكثر الفرنسيين لا تركز على مثل هذه العبارات الواردة في التوراة. لذلك اتصل مستشارو شيراك بزعماء الفرع الفرنسي للفرقة الإنجيلية التي ينتمي إليها “بوش” ليسألوهم عن فحوى هذه العبارات..
عندها توضح كل شيء: فبوش يعتقد أن المعركة الكونية الحاسمة بين قوى الخير وقوى الشر ستجري قريباً في العالم في مكان يسمى في التوراة “هرمجيدون”، ويعتقد أن “غوغ” و”ماغوغ” هما “يأجوج” و”مأجوج” الواردان في سفر “حزقيال”، الشريران اللذان يأتيان من بابل إلى إسرائيل في محاولة لسحقها.
ولما كان بوش مع إسرائيل بالطبع على أساس أن وجودها ضروري للمجيء الثاني للمسيح، فإنه يسارع إلى المنطقة للقضاء على “يأجوج” و”مأجوج” مستبقاً ضربتهما المتوقعة لشعب الله المختار!
عند ذلك أدرك “شيراك” مدى خضوع بوش لتعاليم الفرقة الإنجيلية التي ينتمي إليها، واقتناعه بأن سياسته إنما هي تنفيذ أمين لإرادة “القدير” العليا..
العلمانيون وحداثة أمريكا وإسرائيل
بكل صفاقة وجه وقلة حياء يصرخ فينا العلمانيون بين الفينة والأخرى داعين المسلمين إلى اقتباس الحداثة الغربية منوهين بـ”ديموقراطية” وحداثة الكيان الصهيوني، فما قولهم في الإيمان الراسخ لقادة أمريكا وإسرائيل بما جاء في “تلمودهم” المليء بكراهية الآخر بل الدعوة إلى إبادته؟ وكيف يردون على التزام أولئك القادة بما ورد في كتبهم المقدسة لديهم، خصوصا ما تعلق بالحرب النووية “هرمجيدون”؟
أليس هذا الاعتقاد يفسر بكل وضوح تسخير أمريكا للأمم المتحدة بكل المنظمات التابعة لها خصوصا الوكالة الدولية للطاقة النووية للحيلولة دون امتلاك الدول الإسلامية للأسلحة النووية؟ ويفسر كذلك تدمير الكيان الصهيوني في بداية الثمانينيات للمفاعل النووي العراقي، كما يفسر حقيقة الحرب على العراق.
بعد هذا كله يقوم فينا العلمانيون خطباء يحثوننا على الانفتاح على الآخر وقبوله وحبه مهما قتل الغربي الديمقراطي! رجالنا وسبى نساءنا ويتم أبناءنا، وذلك حتى يُميتوا في المسلمين روح المقاومة والممانعة، ويغرسوا حب الغرب في الأجيال الصاعدة من خلال الترويج للفلسفات الغربية المؤسسة لديمقراطية لا وجود لها إلا في مخيلات بني علمان، ديمقراطية صنعها الغرب لنفسه وأبنائه، فإن كانت فرنسا مبدعة الديمقراطية وبلاد الثورة التي رفعت شعار “الحرية-المساواة-الإخاء” فلماذا استعمرت بل استخربت الجزائر لقرن وثلاثين سنة وخربت المغرب لأكثر من خمسة عقود، فأين الحرية والمساواة والإخاء في إبادة المسلمين في الحملة النابوليونية على مصر مباشرة بعد عقد من الزمن على الثورة الفرنسية، ألم يكن عدد القتلى والخراب في الحربين العالميتين ناهيك عن الحروب الأخرى التي أشعلتها الدول العلمانية الديمقراطية في العالم أكبر أضعافا مضاعفة من عدد القتلى والخراب الذي خلفته الحروب الدينية عبر العصور؟ فلماذا لا يخسأ العلمانيون في بلادنا وكل البلدان الإسلامية؟
إن ديمقراطية الغرب لا تقوم على أساس العدل والمساواة وإنما تقوم على استغلال شعوب العالم خصوصا الإسلامي حتى تقيم السلام والديمقراطية داخل حدودها ولأبنائها فقط، فمتى يعي العلمانيون أن الديمقراطية بمفهومها الغربي لا تصلح إلا للغرب فقط؟ ولن يصلحنا نحن إلا الإسلام والإسلام فقط.