قال الله تعالى: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ” الجاثية.
ففي إطار مسلسل حقدها على الإسلام وعداءها السافر له ولأهله واستهزاءها بمقدساته وشعائره، تستمر جريدة الأحداث المغربية في نشر مقالات كلها طعن في دين الله وازدراء له.
ومن هذه المقالات مقال نشر في العدد 2790 ليوم 21/09/2006 من هذه الجريدة، بعنوان “الإسلام بين لمسات التجميل ومبضع الجراح” لكاتب علماني حقود يدعى – مالوم أبو رغيف-، يعلق فيه على الخطاب الذي ألقاه البابا رئيس الكنيسة الكاثوليكية، عن الإسلام ورسول السلام عليه من ربي أفضل الصلاة والتسليم.
ففي الوقت الذي تثور فيه ثائرة المسلمين في جميع أنحاء العالم احتجاجا على كلام البابا، يجهر العلمانيون بمساندتهم له، ويصرحون بكل وقاحة بأن هذا الكلام هو الحق الذي لا مرية فيه، والحقيقة التي لا غبار عليها، وهذا بالضبط ما فعله صاحب مقال “لإسلام بين لمسات التجميل ومبضع الجراح”.
– قال هذا الدعيّ:” لم يجد رجال الدين المسلمين ما يردون فيه على البابا، الذي طرح رأيا شخصيا لا يلزم أحد، فهم يعرفون أن ما قاله لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة..”.
وماذا قال البابا؟ إنه قال أن الإسلام دين عنف انتشر بحد السيف والتهديد لا عن طريق الإقناع والفكر والحجة، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بالعنف وبكل ما هو شر.
أفهذا كلام لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة، فهل حقا الإسلام دين عنف لم ينتشر إلا بالقتل والسيف والتهديد والوعيد؟
“كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً”
أين هذا الدعيّ من قوله تعالى: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ”؟ قال الشيخ بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: “هذا بيان لكمال هذا الدين الإسلامي، وأنه لكمال براهنه، واتضاح آياته، وكونه هو دين العقل والعلم، ودين الفطرة والحكمة ودين الصلاح والإصلاح، ودين الحق والرشد، فلكماله وقبول الفطرة له لا يحتاج إلى الإكراه عليه، لأن الإكراه إنما يقع على ما تنفر عنه القلوب ويتنافى مع الحقيقة والحق..”
– قال صاحب المقال عامله الله بعدله: “..فالمعارك الإسلامية تسمى غزوات والحروب الإسلامية تسمى الزحف والفتح المبين، والأسلاب والغنائم تسمى أنفال”
أليس هذا استهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام وما يتعلق بالجهاد؟ من الذي كان يقود أول غزوات المسلمين من بدر إلى تبوك؟ أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن الذي أحلَّ له ولأمته الغنائم ؟ أليس رب الأرض والسموات، كما قال صلى الله عليه وسلم :”وأحلت لي الغنائم”، ومن الذي أنزل سورة بتمامها تسمى بالأنفال وتتصدر بجواب عن تساءل المسلمين عن الأنفال؟ أليس الله جل في علاه “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ”.
– ومما جاء في مقاله قوله: “لا يستطيعون -أي علماء المسلمين- الرد، ليس لأنهم عاجزون عن ذلك، بل لأن ذلك بعض من حقيقتهم، فأمر الله لا رادَّ له ويد الله فوق كل يد، وما مهمة الإنسان في هذه الدنيا إلا عبادته وفق تصورات وإملاءات رجال دينه النائبين عنه في كل صغيرة وكبيرة”.
والله إن باطن الأرض خير من ظاهرها إذا رأينا وسكتنا عمن يستهزئ بالله جل في علاه، ويزدري دينه بكل وقاحة ودون رادع يردعه، كما هو صنيع هذا الكاتب في مقاله.
فما مراده بقوله “أمر الله لا راد له ويد الله فوق كل يد”، أليس هذا لمز من بيده ملكوت السموات والأرض، وقوله “وما مهمة الإنسان في هذه الدنيا إلا عبادته” هذا لاشك استهزاء وسخرية بأعظم الحقوق، حق الله تعالى المتمثل في عبادته سبحانه والخضوع والتذلل له، كما قال جل شأنه “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” وقال صلى الله عليه وسلم: “حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا”، لكن هذا الحق مهدور عند بني علمان، فبدلا من أن يعبدوا الله حق عبادته فإنهم يعبدون أهواءهم وشياطينهم، وبدلا من أن يخضعوا ويتذللوا لرب الأرض والسماء فإنهم يخضعون ويتذللون لرؤسائهم من العلمانيين الغربيين.
وما قصده بـ “رجال الدين النائبين عنه في كل صغيرة وكبيرة” أليس العلماء الذين رفع الله قدرهم وأعلى شأنهم وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على ألوهيته كما في قوله سبحانه: “شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ..”.
– ولتأكيد كلام البابا بأن الإسلام دين عنف، لم يتورع هذا العلماني الحاقد بتفسير ما يجري من الأحداث الدموية في كثير من المناطق بأن مرجعها إلى الإسلام، حيث قال بكل وقاحة: “فهل يتفضل فطاحل المسلمين وعلماؤهم وخبراء تاريخهم أن يفسروا لنا أسباب هذا الإعصار الدموي الإسلامي الذي يلف الناس بدوامته الدموية في كل القارات”
فالمسؤول الأول والأخير عن القتل وسفك الدماء والإرهاب الذي انتشر في بقاع العالم هو الإسلام وليس شيء غير الإسلام، فكلام هذا الحقود وكلام البابا خرجا من مشكاة واحدة، مشكاة الحقد على هذا الدين والعداء السافر له ولشعائره.
وهذا ليس بالغريب على بني علمان الذين يعتقدون ويصرحون ليل نهار أن سبب كل الشرور التي تصيب الإنسان هو هذا الدين الذي يعقِّد على الإنسان حياته فيلزمه بقيود في معاملاته وسلوكه ومجتمعه، فيحرم عليه الربا والرقص والغناء، ويلزم المرأة بحجاب يجعلها كالسجين، كما قال صاحب المقال- عامله الله بما يستحق -عن نظرة الإسلام إلى المرأة: “وهل لا يزال ينظر إليها ككائنة منقوصة العقل، مشكوك بها خائنة بطبعها، وجب حجبها واعتقالها إما بين أربع جدران أوداخل حجاب ونقاب..”
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
– ويستمر هذا الدعي في سفهه تاركا العنان لقلمه يعبر به عن الحقد الدفين الذي يكنه للإسلام وأهله، وللمنهج القويم الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من بعده، فيقول بكل وقاحة: “حملات اللغو والتجميل سوف لن تضع حاجزا يمنع من رؤية الشعوب كيف يعاني الإنسان في الدول الإسلامية، وكيف يقتل على يد عصابات نشر الإسلام الوهابي السلفي..”
فاللهم إن هذا الرجل قد طغى واعتدى فأرنا فيه يوما أسودا، هل المنهج السلفي الذي قال عنه رسول الله صلى الله: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها عضوا عليها بالنواجذ”، والذي قال عنه: “تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”.. هل هذا المنهج هو الذي يقف بعصاباته وراء سفك الدماء وقتل الأبرياء، أم أنه بالعكس من ذالك يحارب العنف والإرهاب من أصله؟
لقد حاول العلمانيون مرارا وتكرارا تشويه الإسلام والمنهج السلفي، واعتبارهما السببين الرئيسيين لما يحدث من إرهاب وسفك للدماء، جاهلين بل متجاهلين الحق الذي لاغبار عليه وهو أن الإسلام المتمثل – ونقولها بكل اعتزاز- في المنهج السلفي نهى عن العنف وعن الإرهاب وشدد في النهي وفي عقوبة من يسلك هذا السبيل، وما الوعيد الشديد في حق الخوارج إلا خير مثال على ذلك.
فكيف يوصف الإسلام بالإرهاب وهو يحاربه ويتوعد فاعله، لكن كما قال تعالى:”فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”
– يختم الحقود مقاله بقوله: “الإسلام لا يحتاج إلى مواد تجميل بل إلى مبضع جراح يستأصل كل ما في داخله من تشويه وقبح ويقطع الغدد السامة التي تغذي الإرهاب والعنف حتى لوكانت مقدسة”
أنظر كيف يعتبر العلمانيون الإسلام دين عنف وإرهاب ويتذللون للغرب لنيل رضاه، وهذه نصوص القرآن والسنة شاهدة على براءة ديننا من هذه الفرية براءة الذئب من دم يوسف.
أما إذا كان البابا وأذنابه من العلمانيين يعتبرون الجهاد في سبيل الله إرهابا كما صرح بذلك البابا ووافقه صاحب المقال المشئوم، فإننا نقول هذا قلب للحقائق وتلبيس من تلبيسات أعداء الإسلام، بل إنما شرع الجهاد لكف الإرهاب، وللدفاع عن ثغور المسلمين ضد الإرهابيين الحقيقيين الصادين عن سبيل الله تعالى، خلافا لما يزعمه البابا أن الإسلام إنما انتشر بالسيف والتقتيل.
وهذه كلمة أختم بها مقالي هذا أردُّ بها على هذه الفرية، فقد ذهب شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم إلى أن الجهاد وقتال الكفار ليس لأجل أن يسلموا، ولكن لحماية الإسلام، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة رضي الله عنه “لاتقتلوا وليدا” وورد في أحاديث أخرى ألا يقتل راهب ولا شيخ فان ولا امرأة، إلا أن يقاتلوا أو يحرضوا على القتال أو يكون لهم رأي في الحرب.
فلو كانت الحكمة من قتال المشركين أن يسلموا لما ورد النهي عن قتال هؤلاء، ومما يدل كذلك على أن الجهاد ليس لإكراه الناس على أن يدخلوا في الإسلام أنه لو كان كذلك لما شرعت الجزية، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر جيشه أن يدعوا المشركين إلى ثلاث خصال: الإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا قوتلوا.