يظهر موقف أوباما من قضايا المنطقة العربية من خلال تصريحاته التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة منذ ما يقرب من سنة، عندما بدأ نجمه يصعد في سماء الحزب الديمقراطي بعد أن كان ذكره خامدا، ولكن ينبغي الأخذ في الاعتبار أن بعض مواقف وتصريحات المرشح الأمريكي للرئاسة -أي مرشح- تختلف عن مواقفه بعد فوزه، حيث يتعرض طوال حملته لضغوطات اللوبي المختلفة فهو يبني مواقفه بناء على ما يريده اللوبي الأكثر تأثيرا على حملته، لذلك عندما ينجح المرشح فإن مواقفه لا تتأثر باللوبي وحده ولكن حينئذ تضاف إليها مصالح الولايات المتحدة كما يرتئيها فريق إدارته واتجاهات الكونجرس وبعض الاعتبارات الأيديولوجية التي تتحكم في كل من الحزبين، سواء كان اتجاهات محافظة، أو محافظة جديدة في الحزب الجمهوري، أو اتجاهات ليبرالية كما في الحزب الديمقراطي، وهذا المزيج من اللوبي والمصالح القومية والأيديولوجيات هي التي تتحكم في المخرجات وصناعة القرار السياسي الأمريكي.
سوريا و لبنان
في فبراير الماضي قال باراك أوباما المرشح الديمقراطي إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية والسيناتور عن ولاية ايلينوي: “إن لبنان يتجه نحو حافة الانهيار، ويجب ألا أن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء ذلك بينما نشاهد بلدا ديمقراطيا ناشئاً هو لبنان يتجه نحو هذه الحافة”.
ورأى أوباما في بيان وجهه إلى مجلس الشيوخ الأميركي أن على الولايات المتحدة أن تطوي سياسة إدارة الرئيس جورج بوش الفاشلة إزاء لبنان وأن تستعيض عن الكلام والعبارات الجوفاء بانخراط دبلوماسي دائم وفعال، وأن نعمل مع حلفائنا الأوروبيين والعرب في سبيل بناء وتعزيز إجماع لبناني جديد حول لبنان مستقر وديمقراطي.
كما دعا أوباما إلى دعم تطبيق وتنفيذ كل القرارات التي أقرتها الأمم المتحدة بما في ذلك المحكمة الدولية التي تم إنشاؤها من أجل محاكمة المتهمين بالضلوع في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وأضاف يجب أن نوضح تماماً إن مسألة نزع أسلحة كل الميليشيات لا بد وأن تكون جزءاً أساسيا في أي ميثاق وطني لبناني.
كما دعا أوباما إلى تعزيز قرارات مجلس الأمن التي تعزز سيادة لبنان، ولاسيما القرار رقم 1701 الذي يحظر توريد الأسلحة إلى حزب الله وهو القرار الذي يتم انتهاكه في إيران وسورية.
وأضاف أننا وفي ظل اقتراب موعد الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال الحريري فإن أفكارنا تقف إلى جانب أبناء الشعب اللبناني، بينما هم يصارعون ضد قوى متطرفة وضد تدخلات خارجية متواصلة في شؤونهم الوطنية من جانب سورية وإيران.
وقال أوباما في بيانه إن ما حصل في الواقع هو أن الرئيس بوش تجاهل تلك الدولة لبنان بشكل كبير خلال فترة ولايته الأولى… ولم تستفق إدارة بوش من سباتها إزاء لبنان إلا بعد أن حصل حادث الاغتيال الوحشي للحريري عام 2005. لكن ما حصل بعد ذلك وعلى غرار ما يحصل مع أجزاء أخرى كثيرة من العالم إن الإدارة الأميركية راحت تروج لثورة الأرز باعتبارها نجاحاً خاصاً بها بينما كان ينبغي أن ينسب الفضل الحقيقي في تلك الثورة إلى شعب لبنان. وكالعادة لم تكن هناك متابعة لاحقة من جانب الإدارة الأميركية من أجل دعم وتثبيت المكاسب الديمقراطية التي تم تحقيقها آنذاك، وكانت نتيجة ذلك هي فقدان القوة الدافعة.
أي أن سياسة أوباما تجاه الشام تتلخص في عدة عناصر
– أن هذه المنطقة مهمة بالنسبة للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
– العمل في لبنان ينبغي أن يتم من خلال الأمم المتحدة والتعاون مع العرب والأوربيين.
– التلميح إلى حزب الله وضرورة نزع أسلحته.
– دعم القوى الديمقراطية في لبنان والمقصود بها في الأدبيات السياسية الأمريكية قوى الأكثرية.
العراق: في العشرين من مارس الماضي استغل المرشح الديمقراطي أوباما خطأ صدر من ماكين تبين فيه أنه لا يفهم الفرق بين السني والشيعي، ليشن هجوما لاذعا على السناتور ماكين الذي يؤيد سياسة الرئيس بوش في العراق ووافق على قرار الغزو عام 2003، وقال أوباما: “بالأمس رأينا السناتور ماكين لا يميز بين السنة والشيعة، وبين إيران والقاعدة، وربما يكون هذا هو سبب تصويته لصالح قرار الحرب على العراق البلد الذي لم تكن له علاقة بالقاعدة”، وأضاف أوباما ساخرا: “وربما يكون هذا هو سبب عدم إدراكه إن الحرب على العراق قد ساعدت في تقوية أعداء الولايات المتحدة أكثر من أي شيء آخر خلال عدة عقود”.
وأشار إلى أن هذه الحرب في العراق عززت مواقع القاعدة التي نجحت في تجنيد أعداد أكبر من الأنصار، ووفرت لقادتها ملاذا آمنا في باكستان التي تبعد عن العراق آلاف الأميال، في إشارة إلى تركيز الولايات المتحدة جهودها على الحرب في العراق بدلا من أفغانستان.
أي أن أوباما يرى أن الحرب على العراق قد ساعدت في تقوية أعداء أمريكا وساهمت في إبعاد التركيز بعيدا عن الحرب على الإرهاب التي يعدها أوباما الترتيب الأول في إستراتيجيات الولايات المتحدة.
ولكن الأهم ما المخرج الذي يراه أوباما للخروج من أزمة العراق أو ما اصطلح عليه استراتيجية الخروج؟
يعتمد أوباما في حله على انسحاب تدريجي من العراق في خلال ستة عشر شهر، مبقيا على قوة ضئيلة لحماية البعثة الأمريكية والمساعدة في تدريب القوات العراقية وربما الرد على تهديدات القاعدة، وفي خلال هذه الفترة يتم عمل تعديلات في الخطط العسكرية على الأرض حسبما يراه الجيش الأمريكي: ففي الذكرى الخامسة للحرب قال أوباما في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة للغزو: “سيكون علينا القيام بتعديلات تكتيكية، وبأن نستمع إلى قادتنا العسكريين على الأرض، وبأن نضمن أن مصالحنا بعراق مستقرة تتحقق وستجعل قواتنا هناك أكثر أمناً”.
فلسطين
نشرت صحيفة يديعوت احرنوت “الإسرائيلية” في 29 فبراير على موقعها الإلكتروني مقابلة مع باراك اوباما الساعي إلى ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الأميركية ذكر فيها ما يلي:
“إن زيارتي إلى إسرائيل في عام 2006 خلفت انطباعا دائما لدي، لقد كنت أفهم منذ وقت طويل معضلة إسرائيل الكبيرة وحاجتها إلى الأمن في جوار صعب، وسعيها للسلام مع جيرانها. ولكن ليس هناك بديل عن اللقاء بشعب إسرائيل. إن رؤية أرض ومعايشة التناقض القوي لأرض جميلة مقدسة تواجه التهديد المتواصل للعنف الدامي. لقد أظهر الإسرائيليون شجاعتهم والتزامهم بالديمقراطية في كل يوم كانوا يصعدون فيه على متن حافلة، أو يقبلون أبناءهم لتوديعهم، أو يتجادلون حول السياسة في مقهى محلي. إنني سأحمل معي إلى البيت الأبيض التزاما لا يتزعزع بأمن إسرائيل والصداقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إن الصداقة الأميركية/ الإسرائيلية متجذرة في المصالح المشتركة والقيم المشتركة، والتاريخ المشترك والصداقة العميقة بين شعبينا. وهي مدعومة بإجماع قوي من الحزبين، أعتبر أنني فخور بأن أكون جزء منه، وسأعمل بلا كلل كرئيس من أجل ترسيخ الصداقة بين البلدين وتعزيزها. إنني أعرف كم يتوق الإسرائيليون إلى السلام، وأعرف أن رئيس الوزراء أولمرت قد انتخب بتفويض للسعي لتحقيقه. وأنا أتعهد ببذل كل جهد ممكن لمساعدة إسرائيل على الوصول إلى السلام، ولكنني لن أحاول إملاء شروط ذلك السلام.
إن المبادئ التي ستوجهني هي:
1- أن أمن إسرائيل يجب ضمانه.
2- إن الوضع القائم غير قابل للاستمرار مع مرور الزمن، وأن أفضل ضمانة طويلة الأجل لأمن إسرائيل هي الحل من خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، إذا كان من الممكن تحقيقه.
3- إن إسرائيل يجب أن تبقى دولة يهودية، وأن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون قابلة للحياة.
ولكن النجاح ليس مضمونا ويجب أن يكون لدى إسرائيل ثقة بأن القيادة الفلسطينية ملتزمة بالسلام وقادرة على تنفيذ التزاماتها. ولذلك فأن الطريقة التي يجب أن نتبعها بخصوص المفاوضات هي الجلوس والتحدث، ولكن يجب تعليق الثقة حتى التأكد من أن الجانب الفلسطيني قادر على الوفاء بالالتزامات. وهذا هو موقف اتخذته دوما وسوف يصطحبني إلى البيت الأبيض.
الناس الذين يعرفون الحقائق عني ليسوا قلقين حول التزامي بأمن إسرائيل والعلاقة الأميركية/الإسرائيلية، وأنا أحظى بدعم كبير جدا في أوساط المجتمع اليهودي الذي يعرفني جيدا وهو المجتمع اليهودي في شيكاغو.
أنا أفهم أنني قد لا أكون معروفا بقدر بعض المرشحين الآخرين. ولذلك قد يكون لدى أناس تساؤلات حول مواقفي بشأن العديد من القضايا. وما وجدته هو أنه عندما يتعرف الإسرائيليون واليهود الأميركيون والآخرون على آرائي وسجلي ومقترحاتي فإنهم يكونون مشجعين للغاية، وأنا لدي سجل قوي في دعم إسرائيل في كل منصب توليته، ولا شيء سيتغير في هذا المجال عندما أكون رئيسا” اهـ.
أي أن أوباما لن يستطيع أن يخرج من شرنقة الوضع الإسرائيلي المميز في السياسات الأمريكية، وذلك بسبب: أن إسرائيل هي جزء من الإيمان البروتستانتي الذي يدين به غالبية الشعب الأمريكي، ولعل الأنباء التي تحدث عن تعيين شخصية يهودية أمريكية في منصب كبير مساعدي أوباما إذا فاز بالرئاسة لأكبر دليل على توجهات أوباما بالنسبة لفلسطين.