توقير (سمعة) الشيخ من “راسو” ذ.أحمد اللويزة

بعد الضجة التي أحدثها مسلسل كارتوني يصور المغرب بلدا للدعارة والسحر والرشا، ثارت ثائرة المغاربة وظهرت غيرة غير معهودة على صفحات الجرائد وافتتاحيات الصحف ومواقع الانترنت، وأرغد من أرغد وأزبد من أزبد، وصدرت البلاغات المنددة بـ”أبو قتادة وأبو نبيل”، مما اضطرهما إلى تقديم اعتذار من المؤكد أنه لن يزيل من الأذهان الصورة النمطية التي صارت لصيقة بالمغاربة ذكرانا وإناثا، لأنه إذا كانت المغربيات كما يتصَوَّروهن عاهرات فمن يكن آباؤهم وإخوانهم وأزواجهم… إذن؟؟ الجواب واضح. المهم أن الأمدَّة جفت في المحابر والأقلام عادت إلى المحاجر وسكتت الحناجر عن التنديد المباح ولا زال العرض مستباحا.
يقال أن شيخا كلما مر على الصبيان تسابقوا على تقبيل يده وانصرفوا في أدب، أعجب الشيخ بهذا الاحترام، فقرر يوما أن يمازحهم فانهالوا عليه بالحجارة وعاملوه بقلة أدب، عند ذلك فطن الشيخ وقال قولته التي سارت مثلا ” توقير الشيخ من راسو”؛ فالزلزال الذي ضرب السمعة المغربية على الصعيد الخارجي والذي يتكرر مرة بعد أخرى وبدرجات متفاوتة على سلم الفضيحة ليس ظلما في حق هذا الشعب الذي تُقصَف سمعته كل يوم بمدافع من التشويه والتبخيس مَحَلية الصنع.
إن النظرة السلبية التي حصرت الشعب المغربي والمرأة بالخصوص في السحر والدعارة كرسها الواقع وتغافلت عنها السياسة وساهم فيها الإعلام بكل أشكاله، فالمسؤولية الأولى والأخيرة نتحملها جميعا؛ إذ هذه الصورة المقيتة نحن الذين نحتناها وبدقة حتى لم تعد تخطئها العين المبهورة ببريقها فتسابقت نحو الظفر بلذتها عبر السياحة واستغلالها في الفن والتمثيل…صورة رسمها مخرجون وممثلون يوصفون بالجريئين من خلال أفلام يقحمون فيها اللقطات الإباحية بدعوى تشخيص الواقع المغربي، ثم يطيرون إلى المهرجانات المحلية والدولية ليعرضوا فيها الواقع المغربي عبر الفن العفن، ثم لا نريد من هذا العالم أن ينظر إلينا تلك النظرة الشوهاء، ناهيك عن وقائع تكرس هذه النظرة الدونية التي تؤرق كل غيور ولكن لا يجد لها حيلة إلا أن يختفي خلف جنسية أخرى. وسأعرض ما بدا لي مما ساهم في جعل المغرب بلد اللذة العابرة للقارات، والمستقبلة بالأحضان، لمن رامها من كل الأوطان.
إن الدعارة والزنا أمر واقع ماله من دافع؛ كان موضوع كتابات صحفية وبيانات نارية واستنكارات قوية، ومنذ ما بات يعرف حينها (سديات بنات أكادير والبطل السرفاتي)، فلم يحرك الناقوس المدوي (الفضيحة) نفسا أبية ولا قلبا غيورا ولا صرامة في تغيير الواقع الذي وصل إلى حد المهزلة التي لا ترى فينا إلا بلد الفاحشة التي عمل على نشرها أكثر من طرف، كل من موقعه، فصحافتنا الوطنية تسعى للربح على حساب الشرف، فتقدم مادتها الدسمة عن هذا الواقع وتبرره، وتستجوب الشواذ المغاربة وتشيد بنضالهم، وتحاور ممثلة الجنس الفرنسية مغربية الأصل وتشيد بريادتها في الميدان، وتملأ صفحاتها بأخبار تترى عن تفكيك شبكات للدعارة الراقية والرخيصة، بعضها يتزعمها تلميذات وطالبات وعاملات المصانع، ونشر صور العرايا وقصص من وحي الخيال تصور المجتمع على أنه منحل، أهم أنشطته هي الزنا والخيانة وزنا المحارم… حتى صار أمرا واقعا بعد أن حصل تطبيع مع الرذيلة تولته جريدة (الأحداث).
ألم تدع “حميش” وبدون حشمة إلى توزيع العوازل على تلاميذ المدارس؟
ألم يأتي (رونالدو) إلى فاس فأتوه ببغيٍّ جاهزة حتى لا يقلق سيادته بعد أن منعوه من إدخال أخريات جاء بهن من الملهى (ما أوفر العرض)؟
أليست المهرجانات التي يجلبون لها الشواذ ودعاة الإباحية من وسائل إفساد الأعراض؟
ولما استنكرها رئيس لمجلس علمي رسمي كان جزاؤه العزل لأنه قال لا تفسدوا أعراضنا.
ماذا تفعل فينا أفلام الحب والغرام والخيانة والتي تبث على مدار الساعة حتى لا تفوت أحدا من المهووسين بها؟
أبعد هذا وغيره نلوم صحفا وقنوات دولية لا ترى إلا الدعارة بالمغرب مادة (لربورطاجاتها)، ودولا تسن سفارتها قوانين خاصة بنساء المغرب للسفر إليها، وأخرى تطردهم من بلدانها بالجملة والتقسيط، ولسنا نقلق حين تصنفنا التقارير الدولية في مقدمة الدول التي تعرف الاتجار بالبشر. لماذا لا نظهر الغيرة إلا بعد أن يظهر شريط هنا أو مسلسل كارتوني هناك يظهر جزء من الواقع ولا نغار حين يؤذى العرض من أهله وذويه. فما هذه الموازين المقلوبة إلا دليل على أن شيئا غير طبيعي يكتنفنا فكرا وسلوكا ومواقف.
فالعيب فينا قبل أن يكون في غيرانا، وليس لنا الجرأة حتى لنعترف، فالاعتراف بداية التصحيح ولكن… ربما لم يحن الوقت أو ليس هناك من يبادر؟ ربما لأن المبادرة ستحرم المغرب من صفة أكثر البلدان العربية والإسلامية انفتاحا وهي لعمري سبة لها دوي لكن ليس يسمعها الصم البكم بدوي الدنانير والدراهم.
لم يفتأ الصادقون الذين لا زالت تسري في عروقهم دماء الشهامة والغيرة ينبهون على الوضع الكارثي للعرض المغربي في الداخل والخارج، يصرخون وينادون بوضع حد لهذا؛ فلم يعبء بهم أحد حتى صارت الدعارة وصمة عار على جبين كل مغربي، لا خلاص منها إلا بتحمل المسؤولية كاملة، بدء من البرامج التعليمية والثقافية والاجتماعية والإرادة السياسية التي لا تجعل العرض المغربي رهين حسابات قبيحة، تتخذه أحد رهاناتها تقامر به في ساحة المناصب.
إنه لمنتهى العيب والعار أن لا يخلو حي من البغايا، وكأنهم شرط من أجل البقاء، وأن تتفشى في شوارعنا مظاهر العري المتطرف حتى ما تقدر تميز بين المحصنة العفيفة والسافلة السخيفة،
ثم أليس من العبث أن نلوم غيرنا إذا ما تفكه بأعراض بناتنا، وبلادنا تقدم فيها الملاهي الليلية أعراض فتياتنا كأهم منتوج تحيي به لياليها؟
أليس قمين بنا والحالة هذه أن يلوك سمعتنا الآخرون؟
ثم السؤال المحير: لم هذا الصمت الرهيب من وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى والرابطة والمجالس العلمية وخطبائها ووعاظها؟ أين هم من هذا “الشوهة” التي لم تبق في وجوهنا مزعة لحم؟. أينتظرون أن تقوم بمهمتهم صحافة السخافة التي لا تزيد جرح الشرف المغربي إلا إثخانا، وعزه إلا تحقيرا وامتهانا، لا تسكتوا حتى تعود للعرض عافيته، وللكرامة شأنها، ونرجع مرفوعي الرؤوس بعد أن طأطأناها رغما عنا، لا تسكتوا فالمغرب الذي كان قبلة لطلاب العلم صار قبلة لطلاب الشهوة، ومن وجهة لملاقاة العلماء إلى ملاقاة البغايا، ومن معين للمعرفة إلى خزان للمتعة، لقد انتهت مع هذا الواقع حكاية المغرب بلد الأولياء.وإلى حين سبة أخرى لا تنسوا أن “توقير الشيخ من راسو”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *