نقد موقف ابن رشد في موضوع وجود الله و صفاته و خلقه للعالم
ثانيا: نقد موقف ابن رشد من صفات الله تعالى:
اتخذ ابن رشد مواقف من مسألة صفات الله تعالى عند المسلمين، وما يتعلق بها في إلهيات الفلسفة الأرسطية؛ فكانت له فيها اجتهادات و اختيارات تبناها انطلاقا من خلفيته المذهبية الأرسطية المشائية، نذكر بعضها وننتقده فيها من خلال مواقفه الآتية:
أولها يتعلق بموقفه من الصفات عامة، فقال: (وأما الأوصاف التي صرّح الكتاب العزيز بوصف الصانع الموجد للعالم بها، فهي أوصاف الكمال الموجودة في الإنسان للإنسان، وهي سبعة: العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام).
وتعقيبا عليه أقول: ليس صحيحا أن القرآن الكريم صرّح بسبع صفات فقط في وصفه لله تعالى. فإنه قد وصف الله تعالى بصفات كثيرة جدا، منها: الحكيم، والعزيز، والوهاب، والرزاق، والخالق، والبارئ، والبديع، والجبار، والمتكبر، والغفور، والرحمن، والرحيم،… فأسماؤه تعالى وصفاته كثيرة جدا، وكلها حسنى لقوله تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) سورة الأعراف 180، فهذه الآية شاهدة على أن أسماء الله تعالى هي صفات أيضا، وإلا ما وصفها الله تعالى بأنها حسنى، وما أمرنا بأن ندعوه بها، وما ذمّ الذين يُلحدون فيها من جهة. وتنطبق على ابن رشد في تحذير الذين يُلحدون في أسمائه تعالى، لأنه -أي ابن رشد- من هؤلاء في تلاعبه بأسماء الله وصفاته وتحريفه لها من جهة ثانية.
وثانيا إن حصره للصفات الإلهية بسبع صفات، لا دليل له عليه من الشرع ولا من العقل، وهو هنا مُتبع للأشاعرة الذين أثبتوا سبع صفات وأوّلوا باقيها. لأن الشرع وصف الله تعالى بصفات كثيرة ذكرنا بعضها آنفا، ومنها: الاستواء، والنزول، والحكمة، والرحمة، والمغفرة، والتوبة. وأما عقلا فلا يُوجد فيه دليل صحيح يحصر صفات الله تعالى بسبع صفات فقط، لأن العقل – بتدبره في نفسه وفي العالم- كما أنه يصف خالق هذه المخلوقات، بأنه حي، وسميع، وقدير، ومتكلم، فإنه يصفه أيضا بأنه حكيم، ورزاق، وعظيم، وجبار، وغفور، رحمان، لأن مظاهر هذه الصفات كلها متجلية في مخلوقات هذا العالم.
ولا يصح أيضا زعمه بأن القرآن وصف الله تعالى بصفات هي أوصاف الكمال الموجودة في الإنسان للإنسان. فهذا الحصر لا يصح، مع أنه مجرد تشابه في الاسم فقط، لأن الله تعالى (ليس كمثله شيء و هو السميع البصير) سورة النحل: 74. فهو سبحانه وصف نفسه أيضا بصفات كمال لم يُوصف بها الإنسان، منها: الخالق، والله، والبارئ، والأول، والآخر، والصمد، والحي الذي لا يموت والمتقدم والمتأخر، وبأنه (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ) سورة الإخلاص: 3-4.
وزعم أيضا أن تلك الصفات السبع هي (القدر مما يُوصف به الله سبحانه ويُسمى به. هو القدر الذي قصد الشرع أن يعلمه الجمهور لا غير). وهو هنا قد كرر افتراءه على الشرع فيما يتعلق بالصفات السبع، وأغفل نصوص الأسماء والصفات الكثيرة الموجودة في الكتاب والسنة. وافترى عليه أيضا عندما زعم أن تلك الصفات موجهة للجمهور، بمعنى أنها لا تعني الفلاسفة أهل البرهان على حد زعمه، وإنما تعني جمهور الناس من المتكلمين والفقهاء، والعوام. وزعمه هذا باطل ليس له فيه دليل صحيح من الشرع ولا من العقل، لأن دين الإسلام جاء لكل الناس دون استثناء، سواء فيما يتعلق بالعقائد والمعاملات، أو الأخلاق والعبادات. لكن الرجل يريد أن يصل إلى القول بأن تلك الصفات لا تعني الفلاسفة، فهم أهل البرهان يُؤوّلونها على طريقتهم التحريفية. مما يعني أنه هنا كان واصفا مقررا لما ذكره لا معتقدا له.