قصدي من سلسلة المقالات هاته عن الغرب، الإثبات بالدليل القاطع، والأمثلة الملموسة، أن فظاعة الغرب حقيقة لا مرية فيها، على الرغم من اختفائها خلف الهالة المتسامية والمقدسة، المصدرة للعالم، عبر الفكر والسياسة والإعلام، ليتلقفها بنو علمان من بني جلدتنا، ويجعلوها أم القضايا، ويدافعوا عنها كأشد ما يدافع المرء عن أفكاره الشخصية!
فمن الحقائق الصادمة التي أقر بها الغرب نفسه، والتي يجمع العالم على فظاعتها، قضية الإساءات الجنسية بحق أطفال، وممن؟
ممن يفترض فيهم أنهم معلمو الفضيلة وحراسها في الغرب، مدعو الرهبانية، والانقطاع عن النساء، هذه الفضائح التي تم طمسها، والسكوت عنها عشرات السنين، وبعد لأي، أقرت الكنيسة الكاثوليكية في ولاية فيكتوريا الأسترالية بوقوع تجاوزات جنسية بحق أكثر من ستمائة طفل على يد أساقفتها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
إلا أن نشطاء في حملة الدفاع عن حقوق الأطفال، أشاروا إلى أن العدد الحقيقي ربما بلغ عشرة آلاف طفل.
ومما جعل الإقرار بهذه الفظاعات يتسم بصبغة الاعتراف الرسمي، هو الاعتذار العلني عنها، الذي قدمه آنذاك أبو الفاتيكان المستقيل “بنديكتوس السادس عشر”، عند التقائه ببعض الضحايا.
والجذير بالذكر، أن من بين أسباب استقالة أبي الفاتيكان هو تستره على هذه الفضائح.
ومع ذلك لم يسحب ما اقترفه بعض الأساقفة، وتستر أبيهم على بقيتهم، ولم تغلق الكنائس، ولم يقدم أحد للمحاكمة، رغم شناعة الفعل، ونصاعة الأدلة!
فإن كان هذا هو حال النصارى مع أبنائهم، الذين اغتصبوا أعراضهم، فإن حال أبنائنا في فلسطين مع بني يهود لا تسر مراصد الطفولة في العالم، إذ يسومونهم سوء العذاب، ويغتصبون طفولتهم التي لم تحرك براءتها في العالم “الحر” ساكنا، على الرغم من أن “مركز أحرار لدراسات الأسرى”، أعلن في إحصائية له مؤخرا؛ أن 95 طفلا فلسطينيا تم اعتقالهم، فقط خلال شهر فبراير الماضي، فيما أظهر تقرير اليونيسيف الأخير أن نحو 700 طفل تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة، يعتقلون في الضفة الغربية، بدعوى رشق جنود بني صهيون بالحجارة.
وقال الباحث المتخصص في شؤون الأسرى، رياض الأشقر، إن اللقيطة الصهيونية تحتجز ما يزيد عن 300 طفل بينهم أكثر من 100 لم يبلغوا سن الرابع عشرة بعد، لافتاً إلى أن الأطفال المعتقلين يتعرضون خلال سجنهم لأقسى الظروف من سوء الطعام ومنع تلقي الزيارات من الأهل، والحرمان من العلاج الطبي.
والغرب المتحضر جدا، لم يسمع بهذا الإجرام اليهودي، لأن جيوش مخابراته لا تتآمر إلا على المسلمين، أما اليهود فهم ليسوا فوق التنديد والمحاسبة فحسب، بل إنهم فوق مجرد المساءلة! والحديث عن حقوق الإنسان على قدم وساق! أما الطفل الفلسطيني، فضلا عن المرأة والرجل، ليسوا من عداد الإنسان عندهم!
وقبل شهور تم دس لحم خنزير بعنف في أفواه تلاميذ مسلمين في بريطانيا، ثم بعد فضيحة العثور على لحم خيول في أطعمة يفترض أنها تحتوي على لحم بقر في جميع أنحاء أوربا، فقد تم العثور، بمواصفات أوربية أيضا، على لحم خنزير في منتجات تحمل علامة “حلال”، في بلد الحريات وحقوق الإنسان وقبول الاختلاف؛ النرويج، وذلك بنسب تتراوح بين 5 و30%، لدى مطاعم متخصصة في بيع الكباب، كما أعلنت السلطات البريطانية على العثور على بقايا لحم الخنزير في نقانق دجاج، مصنفة “حلال”، ومعدة لمطاعم مدرسية في وستمنستر بلندن، خلال حملتها حول البحث عن بقايا لحم الخيل.
فأين الغرب من احترامه المزعوم لثالوثه الذي سنه مقدسا؟!
فأقدس ما في حقوق الإنسان أن يحترم حق الطفل، وأقدس حقوقه، عرضه الذي انتهك من طرف من يعتزلون النساء ضدا على الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها.
ثم لم يتغنى الغرب دائما بالحرية وقبول الاختلاف، وهو قد ضاق ذرعا حتى بأطعمة المسلمين، فدس فيها الحرام، معبرا عن نبذه للاختلاف، واتصافه بحقد دفين تجاه ثقافة المسلمين ودينهم، مما ينبئ أن تلك الأخلاق التي يحلو للبعض أن يصفهم بها من وفاء وصدق ونزاهة “أصبحت” تتلاعب بها رياح الغش والكذب والخداع والحقد.
فإذا كان الرئيس الأمريكي “ترومان” قد اعترف باللقيطة الصهيونية، بعد أحد عشر دقيقة من إعلان كيانها الباطل، في 14 ماي 1948م، فإن الغرب كله خرس لسانه حينما أباد حافظ الإجرام بيد أخيه رفعت في شهر واحد، فبراير 1982، ثلاثين ألف مسلم، ولم يكن يعلم بهذا إلا الإسلاميون المهتمون بأحوال إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها.
وكان للشيخ القطان قدم السبق في التعريف بهذه المجزرة، التي لم يصبح خبرها مشاعا إلا بعد الثورة السورية التي هي الأخرى، وبعد هذه الشهور الطويلة والمريرة، لم تكلف الغرب واجبا أخلاقيا، ولا التزاما إنسانيا، يدفعه للتدخل حقنا للدماء، ليعلم العالم، خصوصا المسلمين، أن الغرب لا يتدخل إلا من أجل مصالحه، أما دماء المسلمين فهي تثير شهيته، لأنه لم يتطور إلا بعدما أجرى أنهارا من الدماء عبر تاريخه الإجرامي، وإلا؛ لم لا ينتفض إلا عندما يشم رائحة الأسلحة الكيماوية، التي يخاف أن تعكر صفو هواء لقيطته الصهيونية؟
فالغرب لا يلتئم حول الأزمة السورية من أجل الشعب السوري، بل من أجل أن يطمئن على السلاح الكيماوي، بدليل اعتبار هذا السلاح خطا أحمر، وأنه هو الوحيد القادر على “تغيير قانون اللعبة” كما صرح بذلك، وبمنتهى الصفاقة، باراك أوباما.
مما يؤكد، مرة أخرى، أن الدماء المتدفقة، لا تدخل في اهتمامات الغرب، من قريب ولا من بعيد، مادامت هذه الدماء مجرد لعبة يتسلى بها الغرب مع بشار، إلى حين قدوم وقت الجد المتمثل في استعماله للسلاح القاتل، ليس حماية لشعبه، بل لكي لا يصل لأيدي يعتبرها الغرب أكبر خطر يهدده.
في سوريا الجريحة انتظروا، ولا زالوا ينتظرون، إلى أن تتراءى لهم المصلحة تتراقص أمام أعينهم، وإلا فهم متفرجون مستمتعون متشفون، ومن يعول عليهم فإما أن يكون فقد عقله أو قلبه أو هما معا.
والأمثلة على لا إنسانية الغرب أكثر من أن تحصى، فهاهم المسلمون في بورما يسامون سوء العذاب، إلا أن الغرب يفضل أن يتدخل في مالي لحماية مصالحه، على أن يلتفت إلى هؤلاء الروهينغيا البؤساء، وقبل ذلك تدخلت فرنسا بسرعة وبالسلاح في ساحل العاج!
وصدق الشاعر إذ يقول:
قالوا لنا الغرب… قلت صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا
لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفا أو يسر حزينا
الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدينا
الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يد أبدى لها السكينا
الغرب يكفر بالسلام وإنما بسلامه الموهوم يستهوينا
الغرب يحمل خنجرا ورصاصة فعلام يحمل قومنا الزيتونا