تتمة محاور؛ سُبل تأسيس قواعد للائتلاف ونبذ الاختلاف بين المسلمين، خصوصا فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية والفكرية، من كتاب (أيها الأصدقاء تعالوا.. نختلف)، للدكتور أحمد البراء الأميري..
5- التمييز بين النص وتفسير النص، فالنص مقدس وتفسيره غير مقدس، إذ أن الكثير من النصوص دلالتها في الفهم ظنية، لذا (يجب أن لا نجعل الاختلاف في الفهم سببا لاختلاف القلوب، أو للتعصب لما نراه صوابًا، بل نرى في الاختلاف سعة، ونجعله مصدرا لإخصاب العقول بالآراء المختلفة).
6- ترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية التي حث عليها ديننا الحنيف، وقد أفرد لها الكاتب مقالات مستقلة بين فيها فضائلها وأثرها، كالمحبة، العفو والصفح، التماس الأعذار للآخرين، الذلة على المؤمنين، تجنب الحسد والتباغض، الإيثار، صلة الرحم، والأخوة في الله.
وفي مقال مستقل عنونه بـ(فن معاملة الآخرين) أكد المؤلف أن (إتقان فن التعامل مع الناس واحد من أهم العوامل المؤدية إلى الائتلاف، والمودة والرحمة، والتعاون)، ونقل عشر سبل في فن معاملة الآخرين ذكر معظمها ديل كارنجي في كتابه “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”، فليراجع بالكتاب لأهميته.
7- ولأن أئمة السلف براء من كثير من الحروب الفقهية التي قادها تلامذتهم، فقد عقد الكاتب فصولا للحديث عنهم، فترجم للأئمة الأربعة قائلا: (ومناسبة الحديث عن هؤلاء الأئمة الأجلاء في كتاب يتحدث عن فقه الائتلاف، أنّ عامة المسلمين ينتمون إلى مدارسهم، ولكن أتباع كل مدرسة أو مذهب، إن عرفوا، فلا يعرفون إلا فضل إمامهم ومناقبه، ويجهلون فضائل الأئمة الثلاثة الباقين، ولذلك يغمطونهم حقهم)، فمعرفة مناقبهم سبيل لتوقيرهم رضوان الله عليهم.
وقد عقد الكاتب فصلين لكتابي شيخ الإسلام ابن تيمية الأول عن (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) والثاني (رسالة الألفة بين المسلمين)، حيث أشار ابن تيمية في الكتاب الأول إلى سبب الاختلاف في بعض أقوال هؤلاء الأئمة ورفع الملام عنهم في أخطائهم أو اجتهاداتهم أو مخالفاتهم مؤكدا صدق اتباعهم للنهج النبوي قائلا: (يجب أن نعلم أنه ليس أحد من الأئمة -المقبولين عند الأمة قبولا عاما- يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباعه)، وقد رصد شيخ الإسلام عشرة أسباب اختار المؤلف بعضًا منها.
أما الرسالة الثانية فساقها الكاتب للتأكيد على أن خلاف الأمة في صفات العبادات لا يقتضي الشقاق والنزاع، ولا ينبغي أن يورث الريبة في أحكام الشريعة.
8- من سبل الائتلاف كذلك فقه أدب الجدل، حيث أشار الكاتب في المقالة السادسة عشر إلى بعض أدبيات الجدل، واعتمد في كثير منها على كتاب الخطيب البغدادي الموسوم بـ”الفقيه والمتفقه”، كالإخلاص في بلوغ الحق وإيضاحه دون مغالبة للطرف الآخر، وتجنب الكلام مع المتعصبين غير المنصفين، وعدم الإكثار من الكلام…
9- عدم الالتفات إلى ما نقل من طعون وإساءات للعلماء، لأن الغالب على طبع الناس أنه لم يسلم من أذى لسانهم أحد مهما شرف قدره، قال الإمام الذهبي: (ولو أنّا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورًا له قُمْنا عليه وبدَّعْناه، وهجرناه لما سلم معنا أحد من الأئمة).
10- اعتماد منهج دعوي سليم سيرًا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، وقد اعتمد الدكتور في هذا الباب على كتاب (دعوة إلى السنة في تطبيق السنة) للدكتور عبد الله بن ضيف الله الرحيلي. كما نبّه في المقالة التاسعة والثلاثين المعنونة بـ(متى نخوّف الناس؟) إلى ملمح من ملامح هذا النهج وهو عدم المبالغة في استعمال أسلوب الترهيب واعتماد النهج الوسطي.
11- الالتزام بضوابط الاجتهاد وآدابه فهذا سيساعد على إغلاق أبواب كثيرة للخلاف بين المسلمين، ولهذا نبّه المؤلف في عدة مقالات إلى بعض القواعد الفقهية والضوابط الشرعية مثل (المشقة تجلب التيسير) و(الاجتهاد لا ينقض بمثله) و(الرخصة والعزيمة).
12- التهيّب من الفتيا: فلا يقتحم ساحة الإفتاء إلا أهلها، ولو شاعت هذه الفضيلة اليوم (لضيّقت من شقة الخلاف بين المتخالفين، ولكانت داعية إلى الائتلاف ووحدة القلوب والصفوف التي نحن في أمسّ الحاجة إليها، لأنها أدب نفسي عالٍ، ندر هذه الأيام، وإشاعة الآداب النفسية خطوة كبرى في درب الائتلاف والتحابب).
13- توقير العلماء والتأدب معهم، والأخذ عنهم وعدم الاكتفاء بالقراءة من الكتب، كما قال الإمام الشافعي: (من تفقّه من بطون الكتب ضيّع الأحكام)، وقال بعض السلف: (مِن أعظم البلية تشيّخ الصحيفة).
وقبل أن يتحدث الكاتب عن مظاهر الأدب معهم، أشار في مقالة مستقلة إلى (سمات العلماء)، فتحدث عن بعض صفات العالم الحقّ، كإشارة إلى أن أحد عوامل عدم الائتلاف شيوع أدعياء العلم خصوصا في زمن الفضائيات ومواقع التواصل، فأضحى كل مدّعٍ يُفتي بما يراه دون بيّنة أو حجة واضحة، ولهذا وجب التثبت من أحوالهم وأن نضع نصب أعيننا المقولة المشهورة (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم).
ومن الآداب التي ساقها الكاتب ضرورة احترام العلماء والاعتراف بفضلهم وعدم تقديسهم أو تقديس آرائهم لأنهم في الأصل بشر، واجتهاداتهم قد تكون صائبة أو خاطئة. كما ذكّر ببعض هذه الآداب في سيرة السلف الصالح، لأن التأسي بها وذيوعها سيحقق التآلف المرغوب بين الناس. وزاد المقام توضيحا في مقالة مستقلة بعنوان (أدب العلماء).
14- تجنب الغلو في التكفير: وقد أكد الكاتب في هذه المقالة أن التكفير ليس ظاهرة جديدة بل قديمة، وقع في حبائلها أئمة كبار، وسالت بسببها دماء كثيرة قديما وحديثًا، لذا وجب الحذر من الغلو فيها، قال أبو حامد الغزالي: (والذي ينبغي أن يميل المحصّل إليه: الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإنّ استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول: لا إله إلا الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك مِحْجمة من دم مسلم).
وبعدُ أخي القارئ،
كانت هذه إطلالة سريعة على هذا الكتاب النفيس للدكتور أحمد البراء الأميري، ارتأيت تلخيص قواعده حسب ما بدا لي من لحمة جامعة بين بعضها البعض تبعا للسياق الذي ذكرته، والذي قد يكون صائبا وقد يكون غير ذلك، لكن هدفي أن يخرج القارئ بفكرة واضحة عن الكتاب، وإن شاء الاستزادة فله أن يطلع على كل المقالات فسيجد بها فوائد جمة قصُر المقام عن ذكرها هنا تجنبا للإطالة المملة.