إثارة دافعية التعلم في التربية النبوية 2/2 محمد ايت العربي. م/ م تمزموط نيابة زكورة

الإفصاح عن الهدف من التعلم
من الأساليب البيداغوجية التي اهتمت بها السنة النبوية منذ أزيد من أربعة عشر قرنا من أجل إثارة انتباه المخاطبين إلى موضوع التعلم، التصريح بالهدف المنتظر من وراء الفعل التربوي، مما يضمن للمربين أمور كثيرة منها:
 ضمان انتباه المتعلم(ة) بحثا عن هذا الهدف سواء كان معرفيا، مهاريا أو وجدانيا.
 ضمان عامل مساعد على نجاعة التقويم، فهو يساعد المتعلم أيضا على الوقوف على مدى تمكنه من الهدف التعلمي المسطر سابقا، بحيث يستطيع المقارنة بين ما تمكنت منه وما كان منتظرا منه. (التقويم الذاتي).
 إقناع المتعلم بالقيمة الوظيفية للتعلمات قبل الشروع والانخراط فيها، أو ما يسمى في التصورات التربوية الحديثة “الميتامفعرفية Métacognition”.
من تأمل نصوص السنة النبوية سيجد ما يؤكد بوضوح أسبقية التربية النبوية إلى أسلوب الإفصاح عن الهدف التعلمي في مستهل الفعل التربوي. وهذا مما يجعل المتعلم مستعدا للتفاعل إيجابيا مع موضوع التعلم. ونذكر من ذلك على سبيل المثال:
o في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (…أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
o عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط) .
في هذا النص النبوي مَعْلمان من المعالم التي اهتمت بها البيداغوجيات والتصورات التربوية الحديثة، كلاهما يعززان مبدأ التحفيز نحو التعلم وإثارة الانتباه. هما طرح السؤال والتصريح بالهدف المقصود من العملية التربوية، فالتصريح يعمق -كما سلف- تعزيز قناعة المتعلم بوظيفية المكتسبات. وهذا كان من المبادئ التربوية التي قامت عليها التربية الإسلامية عموما، بل ذمت كثيرا من التعلمات التي لا تغير سلوك صاحبها نحو الأحسن ونحو الترقي نحو الصلاح. يكفي في ذلك الحديث النبوي الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستعيذ فيه من علم لا ينفع .
ونصوص الشريعة لا تُرَغب في العلم الذي هو عبارة عن معلومات متراكمة لا تنفع صاحبها في تغيير سلوكه ولا مجتمعه. كما أن علماء الشريعة التأكيد على هذا المبدأ، من ذلك ما نقله الخطيب البغدادي مثلا: (قال بعض الحكماء: العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يُطلَب علم) .
ثالثا: الإجمال ثم البيان
اهتمت السنة النبوية أيضا في التربية على القيم بأسلوب آخر لإثارة الدافعية نحو التعلم وجلب اهتمام المخاطب بموضوع التعلم، إنه “الإجمال قبل البيان”؛ وهو أن يُستهَل الخطاب التربوي بذكر شيء مبهم قصد جلب الانتباه وانتظار التفصيل والبيان. فكثيرا ما نجد أحاديث مفتتحة بذكر العدد مع إبهام المعدود لتتعلق به أذهان المخاطبين، حتى إذا تهيِؤوا للتعلم بين لهم الرسول عليه الصلاة والسلام الأمر المبهم. والأمثلة على ذلك كثيرة نختار منها ما يلي:
o عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ) .
o عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بني الإسلام على خمس؛ شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان) .
o ومن أصرح الأحاديث على هذا الأسلوب التربوي الناجح حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال( كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي: يا غلام إني أعلمك كلمات) فلما تعلق قلبه بالموضوع وأصبح متهيئا للتعلم؛ قال له مبينا: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…) .
رابعا: خلق التنافسية الإيجابية بين المتعلمين
من تقنيات التنشيط التي يمكن استعمالها من أجل إثارة الحافزية نحو موضوع التعلم والتربية إثارة التنافسية الإيجابية والتباري بين المتعلمات والمتعلمين، ومن أنجع الطرق في تطبيق ذلك اللجوء إلى طرح إشكال تربوي وفسح المجال للمخاطَبين حتى يعبر كل منهم برأيه في الموضوع. هذا ما يحيل إلى ما يسمى في الأدبيات التربية “تقنية العصف الذهني”. لكن (يشترط في موضوع النقاش أن يكون لدى المتعلمين ما يقولونه بشأنه) .
وقد تجلى استعمال هذا الأسلوب في التربية النبوية ؛ حيث كان عليه الصلاة والسلام يلجأ إلى ذلك في مناسبات تربوية مختلفة. ونذكر منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله فاستحييت. فقالوا يا رسول الله أخبرنا بها، فقال: هي النخلة. قال عبد الله بن عمر فحدثت أبي بما وقع في نفسي. فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا) .
فقد طرح النبي عليه السلام في هذا الحديث سؤالا وطلب من الصحابة (المتعلمين) الجواب عليه، ثم منحهم الفرصة ليعبر كل منهم عن رأيه ويفصح عن فهمه وتأويله. فبالإضافة إلى أنه حملهم على الانخراط في موضوع التعلم الذاتي، فقد أثار انتباههم وحافزيتهم حول موضوع التعلم؛ فإن قول المتعلمين لمدرسهم أو مربيهم بعد طول تفكير ومحاولة (أخبرنا بها) يدل دلالة واضحة على اتقاد الاهتمام بالموضوع مع الاستعداد لاكتساب تلك المعارف والقيم.
نذكر كذلك -بخصوص تقنية العصف الذهني- حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (…فنظرتُ فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك)، وتركهم يتناقشون حول الموضوع ويقول كل منهم باجتهاده. (فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) .
من خلال ما سبق يتبين أن التربية في عصرنا المعاصر تحتاج، إضافة إلى الاستفادة من النظريات الحديثة، إلى الالتفات أيضا إلى التربية النبوية التي تزخر بكثير من المعالم البيداغوجية التي تصلح فعلا ليس فقط لبناء المواطن الصالح، بل لتخريج الإنسان الصالح. ونحن بهذا الكلام لا نقصد تبخيس ما جاءت به البيداغوجيات الحديثة من المبادئ النافعة، ولكن ندعو مع الداعين إلى الأصالة في التربية، للأصالة الوطنية وكذا الأصالة العقدية والدينية. ولعل التفصيل يأتي في مناسبة أخرى بحول الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *