سلسلة بيان حقيقة حال أبي عصواد (أحمد عصيد) نصيحة للمسلمين ذ.طارق الحمودي

بعد أن أكمل أحمد عصيد أسئلته خلص إلى قوله:
(لا نرى من حلّ لها إلا أن تتوفر لهم الشجاعة التي توفرت لغيرهم في النقد الذاتي الذي ينبغي أن يمرّ عبر اعترافين اثنين لا مناص منهما:
1) اعتراف المسلمين بأنهم متخلفون، وأن غيرهم من الأقوام المتقدمة تعيش حياة أفضل على شتى الأصعدة.
2) الاعتراف بأن المشكل ليس في المسلمين فقط بل يكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه، وأن عليهم إعادة القراءة والتمحيص والتفسير والتأويل من أجل التخلص من النصوص.
يريد أحمد عصيد من هذا اللف والدوران أن يقول: إن الحل يكمن في اعتراف المسلمين بأنهم متخلفون عن الحياة الغربية الأفضل بسبب الدين الإسلامي ونصوصه..!!
والصحيح: أن المسلمين متخلفون بسبب عدم تطبيق الدين الإسلامي، والحياة التي يعيشها الغرب اليوم تعتبر حياة متخلفة إذا ما قورنت بالحياة التي تنتج من تطبيق الإسلام، فبالنظر إلى الإمكانيات المادية المتوفرة الآن فالغرب في غاية التخلف التكنولوجي، وحركته فيها بطيئة، ونظرة خاطفة إلى سرعة حركة التقنية في عهود الإسلام الذهبي في القرون الوسطى ستجعل الباحث المنصف يضرب كفا بكف تحسرا على ما فوته المسلمون على أنفسهم حينما أغفلوا الجانب الأهم في هذه الحركة الضامن لاستمراريتها وفعاليتها وإيجابيتها وسلامتها من المكدرات، حياة الروح ونقاؤها.
ثم ينصح عصيد المسلمين بأن (عليهم إعادة القراءة والتمحيص والتفسير والتأويل من أجل التخلص من النصوص المتجاوزة)، قد يكون هذا أفضل تلخيص لفلسفة «جاك دريدا» الهدمية أو التفكيكية، وهي فلسفة قائمة على إفساد قواعد (الهيرمانوطيقية/hermeneutique) وضوابط التأويل والفهم الصحيحة وهي بادية في قوله (من أجل التخلص من النصوص) وأنا أتساءل: متى يكون هناك تمحيص وتأويل إذا تخلص من النصوص؟ ما الذي سيعاد قراءته إذن؟!!
إن الطريقة التي يدعو إليها أحمد عصيد في إعادة النظر في النصوص القرآنية طريقة إقصائية بامتياز، طريقة تتجاوز حد الاعتدال وضوابط العرف العلمي والمعرفة والفكر، طريقة تخريبية تعتمد على السابق لا اللاحق للنصوص، طريقة تقوم على تطويع النص للمعتقد ولو بإخراج اللفظ عن سياقه ووضعه… وإسقاط الاعتبارات البيانية والمضمونية للجملة… أي اعتقد ثم استدل.
وقد وصف ابن تيمية طريقتهم هذه باختصار بقوله: (إن مثل هؤلاء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه)، هذه هي الفلسفة الهدمية التي خففوها إلى (التفكيكية) ثم ما لبث متأخروهم أن دعوا إلى غلاف جديد لها وسموه (بتاريخية أو تاريخانية النص القرآني)، مثل قول أسلافهم الذي دعوا إلى القول بمخلوقية النص القرآني!
ويريد بنو علمان اليوم أن يفرضوا علينا القول بتاريخية النص لهدمه كما فرض المعتزلة على أسلافنا القول بخلق القرآن بسياط العقلانية وإرهاب التنوير حذو القذة بالقذة…!
وأنبه هنا بطريقة أوضح إلى سر التماثل بين القولين.. بل والتناسب، ويتلخص ذلك في أن القول بأن القرآن مخلوق يعني أن لغة القرآن لغة بشرية، وبالتالي ترفع عنها القداسة السماوية، ويستباح نصها أمام معاول الفلسفة الهدمية التفكيكية.
وقد أشار إلى ذلك محمد أركون حين قال في (قضايا في نقد العقل الديني؛ ص278/حاوره فيه الأستاذ هاشم صالح) في ما يعنيه عنده القول بخلق القرآن وعلاقته بنظرية تاريخية النص القرآني: (أن نقول بأن القرآن مخلوق، فهذا يعني أنه متجسد في لغة بشرية، هي هنا اللغة العربية، هذه هي النظرية التي نسيها المسلمون على مدار التاريخ) فتأمل مكر أركون!
ودعني لا أفوت الفرصة لأنبه على قدر لا يستهان به من الفراغ المعرفي الذي كان يلازم أمثال محمد أركون ومن سار على طريقه وأنبه إلى أنه لو كان على معرفة بتاريخ الفكر الإسلامي وعلى نوع من الإحاطة الإبستمولوجية لمذاهب الفرق والمجموعات الدينية لعلم أن هذا القول لم يندثر.. بل بقي حيا في تراث الفكر الأشعري.. فالأشاعرة يعتقدون أن اللفظ القرآني ملائكي أو بشري المصدر!!! وهو نفسه القول بخلق القرآن.. في لفظه دون معناه…!
من هنا تظهر خطورة موضوع خلق القرآن، ويكفي في إثبات مصدره الرباني إعجازه البياني.
إن كان أحمد عصيد يريد من التخلص من النصوص أن نأتيه بقرآن غير الذي عندنا أو نبدله بغيره؛ فلا. فربنا جل وعلا يقول في كتابه: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
قال القرطبي: (ائت بقرآن غير هذا أو بدله)، الفرق بين تبديله والإتيان بغيره أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه، وفي قولهم ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم سألوه أن يحول الوعد وعيدا والوعيد وعدا، والحلال حراما والحرام حلالا، قاله ابن جرير الطبري.
الثاني: سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، قاله ابن عيسى.
الثالث: أنهم سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، قاله الزجاج.
قال جمال الدين القاسمي في المحاسن: أي: جئنا بغيره من نمط آخر أو بدله إلى وضع آخر.
وهذه الأوجه الثلاثة حاضرة في مشروع بني علمان الهدمي.
ويبدو أن أحمد عصيد تستهويه هذه المشاغبات، فهو يأخذ من كل فلسفة أقبح ما فيها، ويتبنى أفسد فاسدها ليقيم عليه عشيشه على شفا جرف هار فانهار به في ظلام التخبط والحيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *