تتميما لما جاء في العدد السابق من تقرير الجنرال “موانيي” عن الأوضاع في المغرب سنة 1912م، نورد بقية التقرير:
“نشير للفوائد الكبيرة التي عادت علينا بعد إتمام خط السكة الحديدية الاستراتيجي المغربي في يوليوز 1913 بالاقتصاد في أعداد الجنود المرافقة لقوافل التموين، كما نشير للمواجهات المختلفة التي تمت مع قسم كبير من القبائل المغربية الرافضة الخضوع لسلطتنا، والتي نزحت عن أماكن سكناها المعتادة لانعدام الدفاعات عنها متمسكين بالجهاد المحلي على شكل مجموعات صغيرة، لا تهاجم قواتنا إلا بعد أن يتجمع الثوار حول ثائر مشهور مثل الروكي، أو الهبة، وقليلا ما تكون حركتهم كبيرة العدد، وهو تقليد عربي قديم وإفريقي ناجح، تكون تكاليفه قليلة وكذلك خسائره، بدل كلون من أربعة أفواج كبير العدد، كثير الكلف، صعب التحرك، ناهيك عن الخسائر التي تلحق به في حالة المعارك، وقد أخذ بهذه التجربة الجنرال “ليوطي”، حيث قال في فبراير الأخير بالرباط “بأن البرهان أثبت أن بإمكان كلون مكون من 4000 أو 5000 رجل أن يتنقل حيث شاء بالمغرب”، وعليه فإن الكلون المكون من أربعة إلى ستة أفواج لم ير بالمغرب منذ قرابة سنة، في حين أن المراكز الهامة تتوفر على قوات هامة بالثكنات.
فالجنرال “كورو” الذي غادر فاس للشمال أو الشمال الشرقي للعمل في اشراكة ولحياينة في يوليوز 1912 متزامنا مع الجنرال “دالبيز” الذي غادر مكناس لتأمين طريق المحطات ومهاجما زمور بالجنوب وكروان، وفي منطقة الحدود الشرقية دفع الجنرال “ألكسي” بقواته في ماي 1912 نحو نقطة محطة مسون في الضفة اليسرى لملوية.
ثم بعد ذلك تحول للضفة اليمنى من أجل تأكيد احتلال أسواق ناحية دبدو، وإرغام ساكنتها على الخضوع، وفي أوت من نفس السنة نظم الكولنيل “بين” لحياينة على شاكلة الشاوية حيث قسمها لدوائر وقيادات تحت مراقبة ضباطنا للقياد والأسواق وبقي يتجول وحيدا لغاية وصوله أبواب تازة.
لكن في جنوب مراكش تم التخفيف من جنودنا النظاميين، ولم يبق هناك سوى القوات الشريفة التي سقطت بين يدي الهبة القادم من سوس مع صحراوييه، وفي شتنبر 1912 تم الاستيلاء على مراكش من قبل كلون “مانجان” الذي قاد قواته نحو موكادور ودمنات لحماية ممتلكاتنا بأم الربيع وسفوح الأطلس والشريط البحري، وفي أواخر سنة 1912 تم تخصيص العمل للتقدم خطوة خطوة على كل المحاور من صفرو لتادلا مرورا ببني امطير زعير زمور ثم تادلا الشمالية.
لقد أدت ثورة أنافلوس في دجنبر 1912 جنوب موكادور إيقاف تحرك قوات الجنرال “برولارد” في الناحية، فأعطى الأمر بمهاجمة دار القاضي حيث تتواجد قوات أنافلوس ثم مهاجمة قصبة أنافلوس في يناير 1913.
لم يعط العمل المنجز لتهدئة بني امطير وزمور نتيجة تذكر بحيث بقي تحريض القائد الزياني داخل المنطقة ينتج ثوارا من أجل اصطياد قواتنا وتقويض كل جهودنا، ونفس الأمر بالنسبة لسوس حيث واصل الهبة ثورته في أبريل، ولمواجهته تكونت في مراكش محلة توجهت صوب تارودانت لاصطياده والقضاء على حركته.
تم وضع الكولونيل “هنري” على رأس دائرة بني امطير في قصبة الحاجب والكولونيل “مانجان” في واد زم على تخوم تادلا زمور حيث قام بمجموعة من العمليات التي طاردت الزياني في عقر داره، ومددت حدود احتلالنا لأزرو عند بني امكيلد وقصبة تادلا.
الكولونيل “مانجان” توجه بدوره عبر الضفة اليسرى لنهر أم الربيع ليدخل في خاصرة الأطلس للوصول للقصيبة حيث تجمع ثوار موحا واسعيد على ملوية.
الجنرال “أليكس” واصل العمليات نحو الغرب واحتل قصبة امسون.
وأخيرا في يونيو أقيم مركز في قصبة أكادير بمدخل سوس حيث التحريض محكوم عليه سلفا.
بعد مغادرة المحلة الشريفة تعطلت العمليات في كل مكان.
في أواخر يونيو أبانت النظرة الأولى بأن حدود الأماكن الخاضعة قد تراجعت بعض الشيء إذا ما اعتبرنا أنه في سنة 1912 كانت ناحية مراكش خاضعة بأتمها للمخزن، وكان التحريض على التظاهر موجود عند بعض عائلات القياد الذين ينازعون كبار المسؤولين لأن رؤيتهم محدودة قصيرة وتتأثر بكل الجهود فإذا ما أريد تمديد المنطقة الخاضعة وجب استخدام قوة مهمة تسمح بضمان تواصل التهدئة في النواحي المحتلة وصارت حقيقة واقعة بعد إنشاء إدارة أهلية للمراقبة عن قرب في الغرب والشاوية ودكالة وحول مراكش بعدما تم نزع أسلحة الأهالي وأصبح الأوربيون يتجولون دون حراسة في كل مكان.
الثوار بعد إخفاقهم لم يعودوا لما كانوا يقومون به من هجمات ضدنا، بل أوقفوها تماما، وصار الأعداء بذلك أقل خطرا، مما جعل القوات تلتزم بالتمركز في قطاعاتها، الأمر الذي يسر لنا تنظيم الأمن، والتوقف عن القيام بعمليات التوسعة على الحدود المعادية.
وقد صرح المقيم العام قائلا: (بأني لا أريد سماع طلقة واحدة في المغرب في هذه الأثناء).
صباح 3 شتنبر 1912؛ رأينا تتويجا لجهودنا في جعل القبائل الخاضعة تلتزم بالتهدئة لا لأنها قليلة السكان ولكن لأنها أحست بالأمن” armatte؛ “La situation millitaire au maroc”؛ (Questions diplomatiques et coloniales 1913).
انطباعات شاهد عيان بالمغرب (1912)
ملخص المناقشات التي دارت بالجمعية الفرنسية لمناقشة معاهدة الحماية بالمغرب والغزو الذي تم لعاصمته في 1911، من طرف عضوين بالجمعية كانا بالمغرب في هاته الفترة، كما جاء في التقرير المنشور في مجلة: (إفريقيا الفرنسية 1912؛ ص:306)، حول تقديم شهادتهما للجمعية:
“أود أن أقدم لكم خطيبين مفوهين للحديث عن الطريقة التي تم بها في العام الماضي غزو فاس، والظروف التي تم تسجيلها عن ثورة تلك المدينة وما تبعها من انتقاد لزملائكم، اعتمادا على انطباعات شاهد عيان، وثق تلك الحوادث وهو لاشود لأنه كان قريبا من عريف قناصة إفريقيا يتماثل للشفاء، والخطيب الثاني هو دومسنيل.
قال الأول: لقد قامت قوات الكولنيل “برولارد” بتخريب كل ما وجدته في طريقها وأحرقته، أثناء تنقلها من الرباط نحو فاس، وكانت مكونة من 15.000 رجل وجَمَّال و900 رأس من البقر لم يصل منها لسيدي كدار سوى 90 والباقي إما أكله الجنود أو نهبه المغاربة أو نفق بالأمراض، كما أن الطريق كانت وعرة وملتوية، وقد افتقد الجنود للكثير من الضروريات كان أولها الحطب لطبخ الطعام بحيث كان الجنود يأكلون الخبز وهو ما يزال عجينا واللحم نيئا لعدم وجود الحطب للطهو والطبخ أو تشبعه بالماء.
هكذا كانت حال القوات الذاهبة لفاس سواء التي بقيادة “موانيي” أو “كورو” أو “برولارد”.
يقول الشاهد البركادي القناص: لم يفهم الكولنيل “كورو” وحراس القافلة لماذا الكل محروق ومخرب في طريقهم، لقد اعتبر “موانيي” وجنوده أن ذلك العمل هو الطريق المثلى لإخضاع المنطقة التي سيمر منها بين الرباط وفاس، فلم يترك بها أثرا للحياة الكل محروق ومدمرil ne nous souvient pas d avoir vu non pas seulement un douar mais un champs bruule ou ravage.
أما الثاني دوميسنيل فقال: “قبل ثورة فاس بأسابيع تم تسجيل تناقص ذخيرة السلاح المخبأة في قصر السلطان الخاصة بالقوات الشريفة، ذلك أنه كان في كل ليلة تهرب كميات هامة من القرطاس لغاية إيقاف خمسة أشخاص أو ستة من المهربين من ذوي المكانة في الملاح، بيد أن الحاخام الأكبر “فينت” احتج على توقيفهم وطلب من المسؤولين العسكريين الإفراج عليهم، ولما لم يفعلوا بحث عن السيد “دوميسنيل” وقدم له كتابا جاء فيه: (إذا لم يتوقف الاحتجاز سأرفع احتجاج لجمعية حقوق الإنسان).
في هذه الأثناء تم إخبار السلطات المدنية والعسكرية بالحادث، فنصحت الضباط بالقيام بالبحث في الموضوع بكامل الحيطة والحذر قائلة: (أخلوا سبيلهم وسنقوم باستجوابهم)، لكن قادة العسكر الشريف لم ينفذوا الأمر بالسراح بل حاكموهم بقانون تهريب السلاح الصادر عن مؤتمر الجزيرة الخضراء.
فذهب الحاخام للضابط المكلف بالقضية ونصحه بالتالي، (إطلق إخواننا في الدين وإلا ستنتظر التحقيق معك).
يجب الاهتمام بقضيتين بالنسبة لتافوديت التي تم احتلالها وهما:
انتهاز فرصة الغزو للتمركز، والتدقيق في طريقة إدارة المناطق المحتلة.
لذلك علينا “ألا نذهب لمضايقة البرابرة”، وأن نقوم بتحصين طريق المحطات بواسطة مراكز حراسة كثيفة ومتعددة، بحيث تغلق على المتمردين طريق عودتهم بعد قيامهم بعمليات الاعتداء على قواتنا وإيقاف إهانتها وسبها ونهبها.
لقد رأيت شخصيا في نهاية أبريل 1912 قافلة صغيرة أرسلت من قبل الإدارة لفاس تنهب بين عين عرمة وسوق الأربعاء، وعلى بعد 1500 متر رأيت قافلة نظامية محروسة تقاطعت مع مأوى محطة للنهاب قام أفراد منها ليلا زحفا على مركز وسرقة ما فيه من أسلحة وذخيرة كانت مخبأة في خيمة عسكرية محروسة.
لذلك يجب القول بتجاوز هذا الخلل للقضاء على مثل هذه التجاوزات، وذلك بتكثير المراكز الصغيرة للحراسة والمراقبة لأرض الجيران لتفادي هجمات جيش النهاب المكون من جماعات صغيرة قادرة على القيام بعمليات قذرة فجأة في البلاد، وقطع الطريق عنهم لن يتم إلا بالتضييق عليهم في الرجوع والتحرك بواسطة مراكز متعددة فعالة.
إن الحل يكمن في إقامة خط للسكة الحديدية لاقتصاد الوقت والنفقات، وزيادة سرعة تبادل البضائع ونقل الجنود لأماكن الحاجة.
(إفريقيا الفرنسية andre coliez).