د.الحسين الموس ردا على دعاة إسقاط الفصل 490: في مدونة الأسرة الزواج هو أساس الأسرة ومقصده العفاف وهذا يتنافى مع إباحة العلاقات الجنسية المحرمة حاوره: عبد الصمد إيشن

1ــ طفى على السطح في الآونة الأخيرة نقاش الحريات الفردية، كيف تقارب الشريعة الإسلامية هذا الموضوع الشائك؟
جعلت الشريعة عدة قيود على الحريات تبتدئ من القيود الذاتية مرورا بالقيود المجتمعية، ثم وصولا إلى القيود التشريعية. ولعل الغاية من كل ذلك والمقصد هو صلاح الإنسان، وحفظ المجتمع آمنا مطمئنا لا يعتدى فيه على حقوق الغير..
قاربت الشريعة الإسلامية الغراء موضوع الحريات الفردية من زاويتين اثنتين متكاملتين غير متعارضتين. فأما الأولى فهي أنها أعلت من شأن الحرية الفردية، وجعلتها مقصدا من مقاصد الشريعة، وهو أساس المحاسبة الفردية، لأنه دون حرية لا يمكن المحاسبة. ولذلك تواردت النصوص القرآنية على تأكيد حرية الإنسان في اختيار الهداية أو الضلال، الإيمان أو الكفر، الاستقامة أو الانحراف…
أما في الجهة المقابلة فإن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، ويحب لهم الصلاح والاستقامة ولذلك أنزل لهم الشرائع وأرسل لهم الرسل. وهكذا جعلت الشريعة عدة قيود على الحريات تبتدئ من القيود الذاتية مرورا بالقيود المجتمعية، ثم وصولا إلى القيود التشريعية. ولعل الغاية من كل ذلك والمقصد هو صلاح الإنسان، وحفظ المجتمع آمنا مطمئنا لا يعتدى فيه على حقوق الغير. وهكذا يمكن أن نقول بأن القيود على الحريات الفردية تتنوع إلى:
– القيود الذاتية التي يغذيها الايمان بالله والرغبة في رضاه، حيث يجتهد المسلم في مقاومة هواه وشهواته المحرمة حبا في الله ورغبة فيما عنده.
– قيود التنشئة الاجتماعية والتي تبتدئ من الطفولة حيث يربى الفرد على الاستقامة والحياء، ثم على احترام حقوق الغير وعدم الإضرار بها عند مزاولة الحقوق والحريات..
– قيود العقود والمواثيق: حيث أن الفرد مطوق بعقود ومواثيق بعضها أسري، وآخر مجتمعي من خلال الانتساب لمؤسسات معينة، ثم قيود المواطنة والعقد الاجتماعي الذي بمقتضاه يسعد الجميع.
– قيود القوانين والتشريعات: وأخيرا تأتي التشريعات والقوانين لتهيمن على ما سبق، وتقوم الانحرافات التي تضر بالمجتمع، ولم تفلح معها الضوابط السابقة…

2ــ غالبا ما يتهم أبناء الحركة الاسلامية بأنهم ضد الحريات الفردية وأنهم أصحاب دعوى “حجر على الناس” هل بالفعل لدى الحركة الإسلامية هذا الموقف أم لها كتابات نظرية وتجديد نظري كبير ساهم في امتلاك وجهة نظر صلبة حول الموضوع؟
إن الحركة الاسلامية ابن بيئتها، وبالتالي فطبيعي أن تنشأ محافظة ومنسجمة مع التراث الفقهي الموروث، لكن شيئا فشيئا انفتحت على كتابات تجديدية تنهل من أصول الدين. وهكذا جددت الحركة الكثير من أدبياتها، بل يمكن القول أنها فاقت بعض التيارات الأخرى المحسوبة على الحداثة، وللتمثيل فقط أقول:
– بدأت الحركة رجولية غير مستوعبة للمرأة ثم بالتدريج أشركت المرأة في العمل وبدأت في الغالب مستقلة في هيئاتها، ثل لم تلبث أن أدمجت في العمل العام، وتقلدت فيه مهام ومسؤوليات متعددة، مع الحفاظ على الآداب والضوابط الشرعية.
– شرعت الحركة الإسلامية في مراجعة بعض مقولاتها فيما له علاقة بالحريات الفردية وبحقوق الإنسان عموما، ولبعض أعضائها كتابات في الموضوع. ثم هي لا تمارس الوصياة ولا الحجر على الناس، وإنما تدعو إلى ارتقاء إلى قيم الدين بالحسنى…
3ــ في كتابكم الأخير “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا”، تناقشون تقييد الحريات الفردية داخل المجتمع، هل تقصدون تنظيم المجتمع أم تقييده بالفعل؟
الكتاب سعى إلى التأصيل للحريات الفردية من زاوية كونها مقصدا من مقاصد الشريعة يتكامل مع مقاصد أخرى. وعندما نتكلم عن التقييد فإنه طارئ ويروم حفظ مصالح الغير عند التزاحم، ويسعى لمنع الإضرار بالحريات. وقد مثلت لذلك بمسائل مما له علاقة بتنظيم الأسرة وحفظ الحياة وغيره من الأمور. وإن التنظيم والضبط مبدأ اجتماعي تعمل به كل الفلسفات والثقافات، ومن نظر إلى الغرب يلحظ بسهولة تقييد دوله لكثير من الحريات الفردية ضمانا لمصلحة المجتمع…
4ــ دعاة الغاء الفصل 490 من القانون الجنائي، يضربون الأسرة كمؤسسة للتنئشة اجتماعية في العمق، ما هي المخاطر الأخرى التي يمكن أن تحملها هذه الدعاوى للمجتمع المغربي؟
قبل الحديث عن الجانب القانوني في الموضوع وجب التأكيد أن وازع القرآن هو الأصل، وهو الذي تعول عليه الشريعة في منع التطاول على المحرمات أو الوقوع في الخبائث، وحديث عائشة رضي الله عنها يؤكد هذا المعنى حيث أكدت أنه: “…وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ: {بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}”.
لكن مع ذلك فوازع السلطان، أو الزجر التشريعي له دوره في حفظ مؤسسة الأسرة والمجتمع أيضا. ومن ثم فالفصل 490 وما قبله وما بعده يتناغمان مع الدستور المغربي، ومع مكانة الأسرة في الشريعة الإسلامية وفي مدونة الأسرة. فالقول في المدونة بأن الزواج هو أساس الأسرة ومقصده العفاف يتنافى مع إباحة العلاقات الجنسية المحرمة شرعا.
لكن مع ذلك فالفصل 490 لا يستهدف خصوصيات الناس، فمن أغلق عليه مسكنه فلا أحد يحق له لا شرعا ولا قانونا أن يتجسس عليه لمعرفة ما يجري بداخله إلا وفق مسطرة قانونية واضحة. وقد نص الفصل 493 من القانون الجنائي على أن: “الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس، أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي”. وهذه المقتضيات قريبة مما دعت إليه الشريعة من وجود شهود أربعة عاينوا الحادثة بشلك مباشر وغير ملفق، وهو ما يؤكد أن المقصد هو الزجر.
ومع ذلك فمراجعة القوانين بما يمنع من أخذ الناس بالتهمة أو غيرها أمر مطلوب شرعا إن تم وفق الآليات والضوابط المطلوبة. مع التأكيد أن مشكل المغاربة ليس مع النصوص القانونية وإنما مع الاستعمال السيء والمتعسف، أو الانتقائية في تنزيلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *