لقد تابعنا جميعا ما تناقلته بعض المنابر الإعلامية عن النائب البرلماني لحزب الجرار في حق السلفيين وشيخهم محمد بن عبد الرحمن مغراوي، حيث اتهمهم بالإرهاب وبأنهم يشكلون حزبا سريا مضللا يقود حملة لتطويق قطاع السياحة بالمغرب.
وأمام استغراب الجميع لم يصدر عن حزبه أي رد فعل على تصريحاته النارية إما تأكيدا أو نفيا، مع العلم بأن مثل هذه الخرجات غير المحسوبة العواقب لا تخدم مستقبل الحزب على المدى القريب، وذلك لكونه يفتح جبهة مجانية ضد تيار تتبعه قطاعات كبيرة من المجتمع المغربي لم تدخل إلى غاية الآن لعبة الصناديق بكل ثقلها.
ولا يخفى أن في كلامه الخطير هذا اتهاما لأجهزة الدولة بالتقصير في حفظ الأمن الداخلي للبلاد، لكونه اكتشف بعبقريته الفذة هذا الحزب (السري الإرهابي المضلل)! في حين لم تستطع الدولة بكل إمكانياتها المادية والبشرية ضبطه، مفارقة عجيبة!! من عقول غريبة!!
وهذا الكلام فيه تجن كبير على الدولة والمجتمع ومؤسساتهما، فالدولة مرخصة للعمل الجمعوي باعتباره نافذة تترجم اهتمامات شرائح عريضة من المواطنين، وأصبحت الجمعيات قاطرة للتنمية وشريكا فعالا للدولة في التخطيط والتنفيذ.
بل إن القطاع الجمعوي الآن أصبح يؤطر المواطنين بشكل تجاوز في فعاليته الكثير من الأحزاب التي لم يبق لها سوى الشدو خارج السرب. والكثير منها أيضا مازال يخاطب الناس بلغة لا يفقهونها، فالدولة حسب كلام النائب المحترم!! راعية للإرهاب حاضنة له.
والدستور الذي كرس حق التعبير في نظر سيادته؛ دستور يكرس الإرهاب.
إن هذه اللغة التي يتكلم بها سيادة النائب المحترم لغة لا تؤمن إلا بالإقصاء والأحكام الجاهزة والتصنيف المسبق والأنانية السياسية.. فنحن الأحق بتسيير أمور الدولة ودواليبها!!
الأقدر على التخطيط والتنظير والبرمجة!!
الأنظف سيرة!!
الأوفق في مخاطبة المواطنين!! على لغة القائل: )أنا وحدي نضوي البلاد(.
لغة تهدد السلم الاجتماعي وأمن البلد ومبدأ التعايش .فللمجتمع إذا الحق في مساءلة صاحبها، وأنا لا يشرفني كمواطن مغربي أن يكون مثله نائبا عني داخل مجلس النواب.
فمثل هذا الكلام الصادر عنه إرهاب بامتياز.. إرهاب فكري وأيديولوجي وسياسي..
إرهاب لشريحة كبيرة من المواطنين منعا لها من التعبير عن مواقفها وتطلعاتها. وهي حرة في اختيار ما تراه مناسبا لخطها الفكري، مستجيبا لمقوماتها وقيمها. إنها تمثل العمق الحقيقي للمجتمع، تمثل صمام الأمان ضد الجريمة بكل أنواعها.
وإني أتساءل وحق لي التساؤل:
أين موقف النائب المحترم من الإرهاب الحقيقي الذي يمارس في حق المغاربة كل يوم من تكريس للقبورية وتبذير للمال العام وإفساد للحياة السياسية والإدارية..؟
أين موقفه من التنصير ونشر التشيع؟!
أين موقفه من التطبيع مع الصهاينة؟!
بل أين موقفه من مواقف بعض الجهات المشبوهة من وحدة الوطن وإمارة المؤمنين؟!
كل هذه القضايا الحساسة لم يعرها اهتماما، ولم يجد أمامه سوى السلفيين ليلصق بهم فشله الذريع في التفكير والتنظير والبرمجة والتطبيق…
ألا بعدا لعقول لا يتعدى نظرها أقدام أصحابها.
ومن عجائب الأمور أنه علق فشله وفشل أمثاله في تقديم برامج حقيقية لتطوير قطاع السياحة بالمغرب بما يستجيب لتطلعات منتسبي القطاع وللأسف الشديد -بالسلفيين-.
فإنه بعد تفكير عميق، وبحث دقيق، وصبر لأغوار المشاكل التي يعاني منها القطاع وجد السبب الذي لم تقف عليه الدولة بوزاراتها ومديرياتها ومندوبياتها والمنظمات المؤطرة للقطاع.. إنهم السلفيون الذين أوقفوا عجلة السياحة بخططهم التي فاقت في إحكامها ما يضعه المختصون، وهذا اكتشاف غير مسبوق؟؟؟
فيا لعقول تركت ما كلفت به واكتفت بالسباحة فيما لا ينفع.
فأين دوره في طرح مبادرات وأفكار ومشاريع قوانين للرفع من المستوى المعيشي للسكان، أم أن وظيفته تنحصر في كيل التهم الجزافية دون إحساس بالمسؤولية أو وخز للضمير.
وهذا الموقف منه موقف غير محسوب العواقب يؤشر على مراهقة سياسية واستخفاف بعقول المغاربة، أم هو تصريف لمشاكل الجرار الداخلية في غير مجراها الطبيعي.
وإلا لماذا هذا الاعتداء السافر على شخصية عامة خدمت البلاد والعباد أكثر مما يتشدق به كثير ممن يتدثر بدثار السياسة والحزبية؟!
أم الحال كما يقول المثل المغربي: (طاحت الصومعة علقو الحجام(.
فما علاقة الحجام بالصومعة؟!
فإذا عرف حزب الجرار انكماشا أو تراجعا على الخريطة السياسية خصوصا بعد الانتخابات الأخيرة، فهذا راجع بالضرورة إلى طبيعة خطابه السياسي الذي لم تكن الغالبية الساحقة من المغاربة تؤمن به أو ترى فيه أي بصيص أمل.
ويرجع أيضا إلى الشخصيات التي تحمل هذا الخطاب لكون الكثير منها عليها استفهامات عريضة.
إن كل خطاب لا يتقاطع مع مقومات المجتمع وقيمه مآله الفشل ولو بعد حين. وإن الساحة العامة بالبلد في الواقع المعيش مسموح فيها لجميع الطروحات الفكرية والسياسية أن تعرض نفسها على الرأي العام ما دامت لا تخالف ثوابت الأمة، والكلمة الأخيرة له إما قبولها أو رفضها.
مع العلم أنه لا يقبل إلا ما يتماشى مع دينه وقيمه. وإن استيراد البرامج والسياسات والرؤى الجاهزة من خارج المنظومة القيمية للمجتمع المغربي يستحيل أن يؤتي أكلها مهما مكن له بقوة السلطة أو النفوذ.
وأخيرا إن النيابة عن الأمة مهمة عظيمة ثقيلة المغرم تقتضي من صاحبها إذا ما حاز ثقة الأمة أن يكون نائبا عن الأمة كلها؛ وليس ممثلا لفئة معينة تشاطره الفكر والرأي السياسي نيابة على صاحبه أن يعلم بأنه خادم للشعب فعليه أن يخدمه بما يحقق مصالحه ووحدته وتماسكه، لا بما يعود على ذلك كله بالبطلان.