تفسير آية من كتاب الله حول بضع أمة، يستدعي الشجب والتنديد، بل الشتم والتهديد، والسب والوعيد، مفسرها لا يعدو كونه ناقلا عن المفسرين قاطبة مالكيتهم قبل غيرهم، فهو في نقله إما مخطئ أو مصيب.
بيد أن هذه الهجمات الشرسة التي شنتها جحافل قبيلة بني علمان على الطعن على الثوابت والقطعيات، وأحكام الشرع المسلمات، وإيجاب مراجعة الإسلام ونقد نصوصه التي أحكمها الخالق على ضوء مناهج المخلوق، من علوم إنسانية واكتشافات حديثة، فهذا لا يرقى إلى الإنكار لا باليد ولا باللسان، اللهم ما كان إنكارا بالجنان وهو أضعف الإيمان، فهذا ما يستطيعه الدهماء والعوام، ولا تبرأ من تحقيقه الذمم. أما أنتم أيها العلماء فقد تبوأتم مقاعد من الأمة تلزمكم بالدفاع عما استرعاكم ربكم إياه من حفظ الديانة، وبيان أحكام الشريعة والرسالة.
أيسركم أن ينال من رب العزة في زندقة صارخة برفع “دعوى قضائية ضد الله بتهمة كونه السبب في الرعب الذي يسود العالم” و”إرسال رسالة عتاب للرب لأنه ترك الشر يسيطر على هذا العالم”؟؟
ألا يحرك غيرتكم الطعن على نبيكم من طرف بني جلدتكم؟؟
أو يسركم إلغاء حكم الله في الميراث في ‘التسوية’ المزعومة بين الذكور والإناث؟؟
آلنيل من جلباب العفة وحجاب الفضيلة لا يعنيكم؟؟
وهل التصدي لدعاوى الفجور والعصيان من تحليل المعلوم حرمته من الدين بالضرورة تحت مسميات وذرائع يخيفكم أن تصنَّفوا في سلك الرجعيين الذين يكبتون حرية التعبير؟؟
وهل ترضون من يسعى جاهدا في إسقاط نص الدستور “دين الدولة هو الإسلام” ويدعي أنه نص غبي لا يعني شيئا وإنما وضع ترضية لمؤسساتكم الدينية؟؟
أم..؟؟ أم..؟؟ والقائمة طويلة يطول بطولها ألم الغيورين.
فما هي المسوغات في عدم شجب هذا الباطل الصراح، وهذه الزندقة المعلنة، أهو الخوف على المناصب؟ أم إعمال قاعدة المصالح والمفاسد؟ أم هو غير هذا ولا ذاك؟
فإن كانت الأولى فنظرة إلى من خلفكم ممن تداول الوزارات واعتلى الكراسي والرئاسات كافية أن تلجم النفس عن التشوف وطلب متاع وحطام الدنيا الزائل، وفي القرآن عظات وعبر من قصص الأولين كيف كان مآل كل مائل، سيما عندما يشتعل الرأس شيبا، ويتجاوز المرء الستين والسبعين، ولا يبقى بينه وبين القبر إلا بضع سنين -ولست بصدد عظتكم والوعظ منكم مأمول إذ أنتم أهل الحل والعقد في الأمة-، فتأملوا ثم تفكروا فتدبروا رحمكم الله هذا الوسام الذي زين صدوركم من قبل الخلاق العلام، وذاك الموثق الشديد الذي أخذ عنكم في القرآن المجيد ((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)) فماذا عساكم مجيبون؟؟
وإن كانت الثانية فبينوا للخلق، ولا تتركوهم في الحيرات يترددون، وعلى أبصارهم غشاوة فهم يعمهون.
وسواء الأولى أو الثانية فاعلموا علماءنا المخلصين الصادقين أنكم تتبوؤون من القلوب أعلاها، والشرفاء من الناس وراءكم في دفع كل دخيل، ودحض كل مبطل علماني عميل؛ أراد بالأمة –راعيا ورعية- غير ما رضيته دستورا حقا في حياتها ألا وهو الإسلام، الذي فتح الله به بلادنا هذه منذ القرون الأولى، فثقوا تماما أن المغاربة رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
ومع هذا الصمت المريب فلا زلنا واثقين في علمائنا أن يقوموا بواجبهم في الدفاع عن مقدسات الدين، ليبرئوا ذمتهم أمام الله ثم أمام العباد، فهم الأمل بعد الله عز وجل في إيقاف هذا السيل الجارف، المهلك للحرث والنسل، الصادع لحصن الأمن والأمان، وإن لم يكن إلا هذا الصدع المتوخى من لدن قبيلة بني علمان في إحداثه بين عموم الأمة وعلمائها لكفى به عارا وشنارا، فكم عض هؤلاء أناملهم من الغيظ حسدا على هذه اللحمة الوثيقة بوثاق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وثانية الأمل عليكم أيها العلماء الشرفاء معقود في احتواء الوضع الموقود، بالموقف والجواب الوافي ليكون لصدور العباد الدواء الشافي. فاعتبروا يا أولي الأبصار من وقائع التاريخ، والسعيد من وعظ بغيره.