في 15 فبراير 1994 تم قتل 29 مسلما وهم يصلون في المسجد الإبراهيمي صلاة الفجر، فكانت النتيجة أن قسم المسجد بين اليهود والمسلمين قسمة غير عادلة جعلت قسم المسلمين مستباحا لزيارة اليهود طوال أيام السنة، في حين قننت زيارة المسلمين لقسم اليهود في الأعياد الإسلامية والجمع وليلة القدر.
وفي 16 مارس 2010 تم ضم المسجد الإبراهيمي للآثار اليهودية بصفة رسمية، للانتقال من مرحلة التقسيم إلى مرحلة الهيمنة الكلية عليه، واليوم نرى الهجمة الشرسة على المسجد الأقصى بوضع حواجز أمام بواباته، مباشرة بعد منع الصلاة فيه والآذان ليومين، مما يؤكد أن ما سيأتي أعظم مما مر، من جهود للإطاحة بأولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد لها الرحال عن طريق حفر الأنفاق من أجل البحث عن هيكل سليمان المزعوم وجوده تحته؛ وهي ذريعة لتغطية الحرب الشرسة المعلنة على الإسلام والمسلمين باسم محاربة التعصب والدعوة لعلمنة التدين، وفق النظرية الغربية اليونانية التي تعتمد على مبدأ اللذة والعنصرية المبنية على أن المخلوقات أصلها من معادن ذهب وفضة ونحاس، وهو ما تبلور في الحرب الإمبريالية المدمرة للشعوب التي لم تجد من يصدها سوى المبادئ الإسلامية التي تساوي بين الناس، باعتبار أنهم خلقوا من آدم، وآدم من تراب، ولا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، وهي المبادئ التي ما انفكت الحضارة الغربية تناصبها العداء، للقضاء على الإسلام ومعتقداته السمحة التي تعطي للكرامة الإنسانية مدلولها الحقيقي.
فالحرب على المقدسات الإسلامية هي في الحقيقة حرب حضارية ما فتئت تبحث عن ذرائع تطويقية وترويضية للإسلام ورموزه لاستخدامها بالشكل الذي يحقق لها المرغوب، وتجعل الإسلام دينا ميتا، وتدفع معتنقيه إلى التخلص منه بأنفسهم، لذلك نرى منظري تلك الحضارة ما فتئوا يفتعلون الأحداث ويبتكرون الشعارات ويخططون الخطط من أجل هدم أركان الدين الإسلامي حتى لا يجدوا في طريقهم من يعرقل خطهم في القضاء على الإسلام واستعباد المسلمين، ونهب واستنزاف خيراتهم ومقدراتهم كلما سقطوا في سوء تدبيرهم اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا.
إن ما يتعرض له الأقصى اليوم سبق أن عانى منه أيام الحروب الصليبية من غير أن تستمر معاناته أرضا وشعبا، بل خرج من تلك المحنة أكثر صلابة ونصاعة مما كان، لذلك نقول بأنه إذا كان العالم الإسلامي اليوم في حالة من التشرذم والابتلاء، تعبث به الأهواء والمصالح وتتكالب عليه أيادي الشر، التي قد تتطاول على مقدسات أخرى، لن تكون أقل حجما من المسجد الأقصى، بيد أن الإسلام بالرغم من ذلك سيبقى الملاذ الأوحد والحقيقي للمستضعفين والشعوب المقهورة، وأما سطوة الصهاينة فمنتهية لا محالة، والعاقبة للمتقين.