«من جلالة السلطان مولاي حفيظ، إلى السيد سيليفان، وزير خارجية الحكومة الفرنسية:
هناك مثل عربي يوضح الفكرة «ليس من رأى كمن سمع»، جلالتنا وعدد من المهتمين الذين سمعوا والذين محصوا بعيونهم، إذا ما رجعنا إلى موضوع الدول الأوربية سنجد عدة أشياء قد تم تجاوزها قطعا، ولا نطرح بالتأكيد من موقعنا تشككا يعيق عملية الغزو الجارية أو يجعلها عقيمة الجدوى، لذلك التمست جلالتنا بإلحاح التحرك للجهات التي تدور فيها العمليات من أجل تبيان الحقائق على طبيعتها، بيد أن مشروعنا لم نتلق منكم جوابا على ما فيه من مقترحات، مما يجعل إرجاء تأجيله حائلا بيننا وبين تحقيق نياتنا في توضيح الأوضاع، مما يفرض اختلاف رؤيتنا لمجرياتها على أمل معالجتها.
نحن نرى اليوم أن كثيرا من نقاط الاتفاق قد تحققت إجمالا مع حكومتكم المنتصرة، والتي مهدت لها بفضل مساعدتكم رغم قساوة صعوبات الطريق نحو الهدف المحدد؛ وسيحمل وضع جلالتنا الجديد لهذا المخطط الذي نحاول تنفيذه في شهر ماي القادم بتوجهنا أولا نحو العاصمة باريس، حيث يوجد مجتمعا ما هو متفرق خارجها لنتباحث مع الجميع، ثم بعد ذلك نتوجه لباقي المدن الفرنسية والكيفية التي سيتم بها رؤية باريس.
لذلك نريد منكم دراسة المشروع هذا معالي الوزير مع الحكومة الفرنسية، وإطلاعنا على جديد زيارتنا لباريس عاصمة بلدكم المنتصر، ونحن على يقين بأن حكومتكم المنتصرة لن تعطينا إلا ما يسر ويهنئ.
فاس في 20 ذي القعدة 1329، الموافق 12 نونبر 1911».
«في 30 مارس 1912، وفي لحظة التوقيع على معاهدة الحماية، بعث وزيرنا بفاس إلى السلطان الرسالتين التاليتين، تؤكد الأولى امتيازات التنظيم المالي التي اشترطت من طرف السلطان أثناء هذه المفاوضات مع الحكومة الفرنسية، والثانية تتعلق أيضا بالمسائل المملوكة التي شغلت قبل كل شيء بال مولاي حفيظ مؤكدة ما سبق أن وعد به السلطان من احترام حقه في حرية الاعتزال، ومشروع سفره إلى الرباط، وحقه في تعيين خليفته، مع إضافة وجوب الاتفاق مع الحكومة الفرنسية في الموضوع» انتهى.
هذا يعني أن السلطان غداة توقيع اتفاق الحماية لم يكن له من أمره شيء يقرره بحرية، فلا طلبه بالتوجه إلى باريس نوقش ولا زيارته لجبهات المقاومة استجيب له ليعرف حقيقة ما تتناقله الصحف من إبادة للتجمعات السكنية، فالكل أضحى بيد الحكومة الفرنسية المنتصرة كما جاء في رسالة السلطان.
نص الرسالة الأولى
«من رونو، وزير فرنسا المبعوث إلى فاس، إلى جلالة مولاي حفيظ سلطان المغرب:
فاس، 30 مارس 1912.
تأكيدا للمقابلة التي تمت مع جلالتكم يوم 27 مارس 1911، لي الشرف أن أصرح لكم بأن معاهدة الحماية لن تلغي ما جاء من اشتراطات في محتوى مذكرة الحكومة الفرنسية المؤرخة في 8 نونبر 1911، الموافق لـ16 ذي قعدة 1329، وأيضا لا تحمل أي تعديل على رسالة وزير خارجية الحكومة الفرنسية، المؤرخة بـ19 دجنبر 1911، من شأنها أن تمس المبادئ المرقمة في الرسالة السالف ذكرها، والتي تملكها جلالتكم وتعرفها شخصيا، والتي تدخل في القائمة المدنية.
في لقائنا يوم 27 مارس هناك أمر آخر متفق عليه، وهو كالتالي:
-1 مبلغ نقدي مقداره 500.000 فرنك، يوضع في بنك المغرب من الآن في حساب جلالتكم، طبقا لشروط الفقرة 18 من المذكرة المذكورة للحكومة الفرنسية.
-2 مبلغ ثانٍ مكون من 500.000 ف، يدفع أيضا لجلالتكم من أجل نفس الغرض.
-3 الحكومة الفرنسية لا ترى بأسا في إدراج المبلغين السالف ذكرهما في ديون المخزن.
-4 الملكيات الثلاثة المسماة عن الشيخ في جبل اتغات قرب فاس، والمامونية بمراكش، واوغانيم حوالي كدية المدينة، سيعترف بها كممتلكات خاصة.
-5 لائحة مدنية لجلالتكم تضم مقدار 2800.000 ف، سيكون المصروف الشخصي والحرس الخاص والعائلة التي تعيش في القصور الشريفة بفاس ومكناس والرباط ومراكش، هذا المقدار المستحق في الرسالة المؤرخة في 19 دجنبر.
-6 سلف مقداره 500.000 ف، أعطي للشرفاء المكونين للعائلة الشريفة الساكنة خارج القصر.
-7 يفتح دين بمبلغ 400.000 ف، لإصلاح القصور بفاس ومكناس والرباط ومراكش، وباقي الأشغال الأخرى بدور المخزن بمدن مغربية أخرى مختلفة.
-8 قرض بمبلغ 100.000 ف، سيكون احتياطيا لإنفاق الطوارئ.
-9 القرض المكتوب في الأرقام 5 و6 و7 و8، سيوزع طبقا لما هو متفق عليه بين الوزير الكبير وجلالتكم وممثل الحكومة الفرنسية بالمغرب، كما هو مبين في رسالة وزير الخارجية، المؤرخة في 19 دجنبر 1911».
الرسالة الثانية
«من رونو، وزير فرنسا بالمغرب المبعوث إلى فاس، إلى صاحب الجلالة مولاي حفيظ:
فاس، 30 مارس 1912.
تبعا للمقابلة التي تمت بيننا وبين جلالتكم بالأمس، ومن أجل تنفيذ الرغبة التي أبديتموها لنا، أتشرف أن أؤكد لجلالتكم ما يلي:
-1 سيتوصل جلالتكم بحماية خاصة من أجلكم ولعائلتكم الخاصة.
-2 إذا بدا لجلالتكم في يوم من الأيام التخلي عن الحكم لسبب من الأسباب ستتلقون تقاعدا محترما من طرف حكومة الجمهورية.
-3 يمكن لجلالتكم إذا شئتم الاتفاق مع الحكومة في موضوع تنصيب ابنكم وليا للعهد.
-4 فيما يتعلق برغبة جلالتكم في السفر إلى الرباط، فإني سأرفع اقتراحكم إلى الحكومة بمجرد توصلي بمذكرة تشرحون فيها نواياكم، وسأعطيكم الدعوة بمجرد توصلي بها.
-5 إذا توضح لجلالتكم الأمر فإني لن أعدم توقيع حكومة الجمهورية، وأن يبقى توقيع المعاهدة سريا لبضعة أيام، ونفس الأمر سيتبع من طرف الحكومة المغربية.
-6 أخيرا، سيتوصل قنصل فرنسا بفاس من الآن بالتعليمات لمباشرة تسوية مسألة دالية كوشتان دون إبطاء، لإلحاقها بملكيتكم الخاصة كما نصت عليه رسالة وزير الخارجية» انتهت الرسالة.
وقد علق لونكون بقوله:
«يلاحظ أن الرسالة الأولى من الرسالتين أشارت إلى أن هناك رسالة لم تنشر عن المفاوضات التي جرت بين وزير الخارجية والسلطان، مؤرخة في 19 دجنبر 1911، متعلقة بالأملاك الشخصية للسلطان ووظيفة قائمته المدنية» ص: 246.
ومما جاء في نهاية التقرير قوله:
«لقد وجدنا أمامنا بالمغرب عدة عراقيل، فعلى المستوى المالي كان لزاما على حكومة الحماية الحصول على موارد مالية لأن محصلات المخزن كان في حدود 25700.000 ف، يتكون من عائدات الجمارك والعشور والزكاة، وأن عائدات الشاوية بلغت سنة 1911 2700.000 ف، تنضاف إلى الرقم السالف ذكره، وأن دين المخزن بلغ ما بين 10 و11 مليونا سنويا، من مجموع مقداره 200 مليون فرنك خارج التعويضات الحربية الفرنسية والإسبانية، وأن ميزانية الحماية قدرت بـ15 مليون فرنك انتقلت بسرعة بفضل مراقبة مصلحة الدين في غضون أربعة أشهر من المراقبة سنة 1912 إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في الأشهر المماثلة سنة 1911، مع العلم أن عائدات الديوانة (الجمارك) من سنة 1904 إلى غاية 1907 لم تتعدى 10 مليون حسني».
كما تطرق التقرير للحديث عن التعليم، فأشار إلى أن «هناك اليوم بالمغرب 2000 متمدرس، بينهم 1000 طفل مسلم يتعلم الفرنسية، و5000 تلميذ يدرسون لغتنا في مدارس الرابطة الإسرائيلية العالمية»، كما قال بأن «الطريق إلى قلب البدوي تمر عبر معدته».
كما أشار بأنه «من الصعب ترسيخ لغتين مكتوبتين في نفس الوقت بذهن الأطفال، خاصة إذا كانت إحداهما غريبة عن الأخرى، كالفرنسية والعربية الفصحى، نحن نفضل رؤية الأطفال يذهبون لتعلم الفرنسية بالغرب، لاسيما في أكبر جزء منه يتحدث باللسان البربري وليس العربية كوسيلة للتفاهم بينهم.
من الخطأ تكرار ما فعلناه بالجزائر من ترك البربر يتعربون، بل يجب الضغط للحفاظ على اللغة التقليدية للشعب المغربي» انتهى من مجلة إفريقيا الفرنسية، 1912.
برنامج الاحتلال الفرنسي
كتب مدير الفلاحة والاستعمار في مجلة «لماذا نحن بالمغرب؟»:
«15/4/1918، من أجل فرنسا لإعطائها وطنا جديدا يظهر قوتها وينشر فكرها وحضارتها، وتعطي الدليل على حضورها في العالم، وأمام التاريخ وتنمية غنانا الوطني وتجدد حيويتها وقوتها.
15/4/1918 France Maroc
فمنذ 1907، الوقت الذي أنزلت فيه كاليليي بحارتها في الدار البيضاء، إحدى مدن الإمبراطورية الشريفة، انخرطت الفرق المغربية في ميادين قتالنا تريق دمها في مصالح المتروبول المحتاج إليها في تضامن كامل مع فرنسا».
يقول صاحب كتاب «La conquête morale des indigènes»: «لا يمكن للشعوب المتحضرة أن تعيش بدون العشائر البدوية لأنه اعتراف مرعب، لكن الواقع يقرر ذلك، فلو استمرت عملية التحضر لما وجد المتحضرون كفايتهم من اليد العاملة والأسواق المستهلكة لمنتوجاتهم، مما يتطلب البحث عن مزيد من المستعمرات لتوسيع مجال الاستغلال».