غزو المغرب (ماي يونيو 1912) ذ. إدريس كرم

1- كلون دالبيز
لم يتحقق بعد الأمن على طريق الرباط مكناس، فقد قام جيش من زمور بالاستيلاء على قطيع مواشي مركز سوق الأربعاء يوم 23 ماي، بعدها في 18 منه اشتبكت قوات “دالبيز” في جبل أوتيكس جنوب غرب فاس مع جماعة من المهاجمين اضطرتهم للفرار بعد معركة حامية الوطيس كلفتنا خمسة قتلى و12 جريحا.
وفي يوم 12 منه دارت معركة ليلية في سيدي بالعباس بين قواتنا وعددا من المهاجمين تمكنا من صدهم وملاحقتهم نهار الغد، فقدنا فيها أربعة قتلى وستة جرحى، ويوم 23 منه التقى “دالبيز” على طريق مكناس صفرو بِبَبكيت قوة من بني امطير وبني امكيلد وسغرشن حيث دارت بين الجميع معركة تركنا فيها ثلاثة قتلى و13 جريحا.
يوم 24 منه بعثت مفرزة بقيادة نيسون لسيدي عبد السلام قصد فرض النظام هناك فاشتبكت في معركة مع الكارهين لنا المكونين من الفارين من القوات الشريفة.
2- حول صفرو
كانت ثكنة هذا المركز هدفا للهجمات من قبل الجيران ففي يوم 30 ماي هوجمنا من قبل آيت سغروشن وآيت يوسي دون أن يوفقوا للوصول لأهدافهم فقدنا في ذلك الهجوم ستة جرحى، ويوم 11 يونيو توجهت فرقة استطلاع من صفرو مسداوى على بعد 12 كلم من المعسكر فتعرضت مؤخرتها وهي تجتاز صفرو للهجوم من قبل منشقين لكنهم ردوا دون أن يلحقوا بها خسارة.
يوم 15 منه تم هجوم جديد على صفرو فرد المهاجمون وأبعدوا لأكثر من 10 كلم، في الجنوب الشرقي لصفرو جدد المنشقون الهجوم علينا يوم 6 و7 يوليوز لكنهم ردوا وأبعدوا بواسطة نيران المدفعية دون تسجيل خسائر.
3- ثورة العسكر الشريف
في فاس تم تمرد طابور من العسكر الشريف في منتصف يوم 17 ماي، وقد بدأت العملية بادئ ذي بدئ بإرسال ممثلين عنهم للسلطان لإخباره بأنهم على استعداد للدفاع عنه، ورفضهم الخضوع للفرنسين وقادتهم العسكرين من الضباط الفرنسيين، بيد أنهم لم يحظوا بمرغوبهم، فقاموا بقتل مدربيهم الفرنسيين من ضباط وضباط صف ثم توجهوا بعد ذلك للمدينة من أجل الاعتصام بمسجد مولاي ادريس.
وفي طريقهم إليه حرضهم العامة على الفرنسيين فقتلوا كل الفرنسيين الساكنين بالمدينة المرشد إليهم بعدما تعاظم جمعهم، لم يتعرض الثائرون للقصر ولا لدار الصناعة المجاورة له ولا للقنصلية الفرنسية والمستشفى حيث الجنرال “برولارد” يقيم هو وبعض الممرضين والجنود الجرحى الذين هم في طور النقاهة.
بعث “برولارد” بسرعة لدار الدبيبغ البعيدة عن المدينة بحوالي ثلاث كلم أمرا باستدعاء القوات من هناك للتدخل من أجل استعادة المدينة من الثوار فتهيأ لذلك حوالي 1500 جندي.
تواصل النهب والتراشق بالنيران مع الفرنسين المتواجدين في أماكن مختلفة من المدينة كالفندق الفرنسي وبناية البريد والتلغراف وبناية الضرائب والبيت الفرنسي وغيرها من البنايات التي تأوي فرنسيين والمملوكة لهم، كما فتح السجن فانضم المسجونون للثائرين معاضدين القوات الثائرة الواعدة السكان بالنصر وقطع رؤوس المحميين؛ كانت جموع أمواج الدهماء الممزقة الثياب، مظلومة جريحة في نظر المحرضين المحمسين من طرف الأهالي بالزغاريد، يندفعون بجنون قاتل في شوارع المدينة.
في منتصف النهار “فلبرت” استولى على باب الحديد جنوب المدينة بعد معركة حامية، ودخل بعدها حي القناصل بفاس الجديد حيث يوجد قصر السلطان وفاس البالي، وفي نفس الوقت قامت قوات أخرى باقتحام باب السكمة شمال فاس الجديد معضدة حرس السلطان، ثم احتل الكومندار فليت البرج الجنوبي وقصف بالمدفعية حي الرصيف حيث يتواجد الثوار كما قصف قصبة اشراردة التي تضم طابور المتمردين.
ظل التراشق بالنيران طيلة يوم 18، وتعرض القناصة الذين حاولوا اختراق المدينة العربية للقنص من السطوح فكان من الواجب حماية جنودنا من رشقات تلك النيران المتواصلة لكن في ليلة 18 و19 وصلت السرية التي طلبت من مكناس في الصباح الباكر فقامت بهجوم عام على الثوار في قصبة اشراردة وبوجلود وفاس البالي وقصفوا بالمدافع عدة أماكن بدقة وما أن حل المساء حتى كان آلاف من المتمردين قد وضعوا السلاح واستسلموا، ولاذ آخرون بالفرار للبادية فرادى وجماعات.
وقد تركت هذه الحركة انعكاسا كبيرا على نواحي فاس وبعض الجماعات الأخرى، فأيت يوسي أرادت القدوم لفاس لمساندة الثوار وأخذ نصيبها من المنهوبات لكننا أوقفناهم بقواتنا خارج المدينة فتراجعوا، وقد اقتصر ضررهم على تدمير بعض الدواوير في القبائل الخاضعة التي بقيت وفية لنا، والتي فر البعض منها نحو معسكر دار الدبيبغ طلبا للحماية.
كما تكونت حركة من بني وراين وغياتة ولحياينة وبني سدان وتقدموا نحو المدينة حيث تجمعوا على ضفة سبو على بعد بضع كلمترات من فاس لكن السلطان أمرهم بالتفرق والعودة لديارهم ولما رفضوا الانصياع للأمر قام الجنرال “برولارد” بإرسال قوة لمكان تجمعهم لتفريقهم بالقوة وإجلائهم عن الوادي.
وقد تسبب التمرد في مقتل 12 ضابطا وستة ضباط صف من المدربين، كما أن تدخلنا في فاس ضد الثوار كلفنا مقتل ضابط و36 جنديا، وجرح ثلاثة ضباط و70 جريحا، بينهم ثلاثة ضباط.
الجنرال “موانيي” الذي كان قد غادر فاس قاصدا الدار البيضاء عاد من الطريق بعدما علم بالحوادث التي قامت بعده يوم 19 من تفلت، ومعه قوات جديدة وقد وصل فاس يوم 21، ومن الصعب القول بأن هناك صلة بين تمرد فاس وتحريض القبائل، بيد أن هناك من يقول بأن التمرد كان هيئ من مدة من طرف متعصبين دينيين يكرهون الأجانب.
لقد قام القياد والشرفاء والعلماء والأعيان بمجهود كبير لإنقاذ الفرنسيين من أيدي المتمردين وأحيانا بإشهار السلاح في وجوه الرعاع الذين كانوا ممسكين ببعض مواطنينا المساكين ومنهم شرف وازان الذي أبلا بلاء حسنا ومعه آخرون كما سلف، الكثير من مواطنينا الذين سلموا من القتل كانت نجاتهم على يد الأهالي الذين أخفوهم في منازلهم من الوهلة الأولى ثم أبلغوا المسؤولين العسكريين بمكان تواجدهم كي يحضروا لأخذهم، وبمجرد ما استعادت قواتنا السيطرة على الوضع حتى رفعت الأعلام الفرنسية فوق المنازل للبرهنة على الولاء والطاعة لنا.
أعلنت حالة الحصار يوم 25 أبريل، وفرضت غرامة على 200 دوار بسبب مشاركتهم في الفتنة، وعلى ساكنة فاس أيضا، واقتسمت أحياء المدينة لمناطق وضع على كل منطقة رئيس مسؤول عنها تحت مسؤولية الإدارة العسكرية التي باشرت تفتيش المنازل بحثا عن الأسلحة وجمعها، حيث تم جمع 11000 بندقية، وكمية هائلة من الذخيرة، وفي يوم 30 أبريل، ألف ممثل السلطان لجنة من الوزير الأكبر المقري، والقايد الأكبر للأمن المخزني سي قدور بن غبريط، توجهت لثكنة شراردة ، حيث تلت رسالة من السلطان على الطابور، الذي عاد للطاعة استجابة لنداء السلطان، الذي أبان عن رفضه لارتيابهم وشكهم في نوايا فرنسا والفرنسيين، وحثهم على الاتحاد معها.
احتفى الجنود بخطاب السلطان الموجه لهم من قبل السلطان، وقبلوا تنفيذه، كما بعث بنفس الخطاب للطابور الذي لم يتمرد وبقي وفيا، حكم على 48 متمردا بالإعدام، من طرف محكمة عسكرية، شكلت يوم 25 ماي، (ص121).
باستثناء القوات الشريفة بفاس التي أخلت بواجبها، كان الطابور الوحيد الفار هو طابور الخيالة الذي وجه لمحلة عرباوة بقيادة القبطان فاري، حركة التمرد تلك وقعت مساء 24 عندما كان الضباط الفرنسيين على المائدة يهمون بتناول العشاء على الساعة التاسعة، فباغثهم قائد أهلي مع حراس مغاربة بالدخول عليهم متأثرين مما جرى وأخبرهم بأن طابور الخيالة تمرد بأتمه وقد جاء للدفاع عنهم.
اجتمع الكل في مكتب “فاري” تحت أزيز الرصاص من كل جانب، قام بوليس الحراسة بقيادة ضابط صف أهلي أطلق النار على الثائرين، وبعث من يخبر قائد مركز سوق الأربعاء الغرب بالوضعية مغامرا بحياته حيث وصل الهدف على الساعة الحادية عشر ليلا، كان عدد المتمردين 175 فارسا بخيولهم وأسلحتهم فروا في اتجاه وازان.
خرج فاري ومن معه من المدربين للحديث مع المشاة ووعظهم بينما بدأ البعض يقوم بتحريضهم وتهييجهم ثم بعد ذلك ساد الهدوء ومر الليل بسلام؛ صباح الغد على الساعة السابعة حضر لعرباوة الكومندار “ميشلنجيل” مع نصف سرية من المشاة وكتيبة للرشاشات صحبة قنصل فرنسا في القصر الكبير.
ليطنا “يتريت” الموجود في مشرع الهدار مع سرية اشريفيان والكوم قدم عند فراي دون مشاكل في الطريق، المتمردون الذين حلوا بالمعسكر دعوا العساكر للحذو حذو ثوار فاس ورددوا كلام الفارسين المتمردين.
قبائل نواحي وازان ثارت بعد وصول الفارين عندها وأعلنوا الحرب على فرنسا وشرعوا يحرضون إخوانهم في الدين على نهب اليهود المتعاونين مع النصارى كما فعل أهل فاس، لكن تدخل شرفاء وزان وأعيانهم أبعدهم عن هذا التصرف مما جعل الثوار يتوجهون نحو اجبالة ولحياينة لدعوتهم لحرب فرنسا، وقد كان البعض منهم عائدا لفاس فألقي عليه القبض بمكناس.
يوم 30 أبريل وصلت لعرباوة مفرزة من فوجين وكوكبة بعد وصول أخبار من جبالة أن القبائل هنا تجتمع لمحاربة فرنسا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *