التطور التاريخي لوظيفة المحاسب العمومي (2) إبراهيم بوحمرة

ثانيا: الإشراف على العمليات المالية في فترة ما قبل الحماية
فيما يتعلق بنظام المراقبة في الدولة المغربية فقد كانت معالم النظام المالي الإسلامي واضحة بينة في النظم المالية المعتمدة مع بعض الفروق التي مرجعها إلى الخصوصية العرفية للمغرب، وبقي الأمر على هذا المنوال حتى عهد السلطان مولاي سليمان (1792م – 1822م)، حيث تم استبدال تلك النظم بنظام الأمناء الذي عرف تطورا كبيرا في عهد الفترة ما بين 1873م و1894م، أي في عهد السلطان الحسن الأول.
فقد تم تعيين ثلاثة أصناف من الأمناء، هم: أمناء المراسي، وأمناء المستفاد، وأمناء القبائل.
فأما أمناء المراسي فتتحدد وظيفتهم في الإشراف على تجارة المغرب الخارجية، ويتولون النفقات، كالنفقات العسكرية والديون الخارجية وأداء أثمان المشتريات.
وأما أمناء المستفاد فكانوا يقومون بجمع مداخيل التجارة الداخلية وريع أملاك المخزن، وشركات من لا وارث لهم، وفوائد البريد بعد تنظيمها، ويقومون بالنفقات الاعتيادية كنفقات إدارة المستفاد ونفقات المرافق المدينة.
وأما أمناء القبائل فكانوا يتولون جمع الإيرادات القبيلة المعنيين بها وتوجيهها إلى السلطان، أما النفقات التي كانت تلزم المخزن في عين المكان فكانت تعرض على أفراد القبيلة كضرائب إضافية، هذا فيما يتعلق بالأمانة المحلية، وأما الأمانة المركزية فقد كانت تتضمن كلا من أمين الدخل، الذي كان مكلفا باستلام الأموال التي ترد إلى السلطان، وكذا إيداع الأموال في خزينة الدولة.
وكان أمين الصائر يتولى الإنفاق على حاجيات السلطان وإدارته المرافقة له، وأمناء الصوائر بالعواصم الثلاث: مراكش وفاس ومكناس؛ وكانوا مكلفين بالإنفاق على حاشية السلطان والجيش والإدارة الموجودة بهذه العواصم ونواحيها(1).
أمين الأمناء: ومهامه الأساسية: الإشراف والمراقبة والاطلاع على أعمال الأمناء وأموال المخزن.
وبخصوص تعيين الأمناء فقد كان يتم بظهائر سلطانية باقتراح من الأمناء أو العامل والقائد، ووضعية أمين الأمناء تشبه إلى حد كبير منصب وزير المالية حاليا، فقد كان هذا الأمين يقوم بمراقبة ومركزة العمليات المالية، إذ كان يكلف ما يسمى بأمين الحسابات ليقوم بمراقبة ومحاسبة الأمناء سواء فيما تعلق بالتحصيل أو النفقات، وكانت وسائل المراقبة متعددة فمنها مراجعة الكشوفات الحسابية المرسلة من طرف الأمناء أو التنقل إلى عين المكان، وكثيرا ما يتزامن ذلك مع زيارة السلطان لذلك المكان(2).
ومع بداية سنة 1907م سيتم التخلي تدريجيا عن نظام الأمناء بسبب ظهور الأطماع الأجنبية بالمغرب، والتي سعت إلى إنشاء بنك المغرب الذي أصبح مكلفا بالعائدات، كما تحكم في الإنفاق العمومي وغيرها من المهام المالية الحيوية.
ثالثا: الإشراف على العمليات المالية في فترة الحماية وما بعدها
كعادة الدول المستعمرة قامت فرنسا بعد فرضها الحماية على المغرب بإلغاء كل القوانين التي لها علاقة بنظام الأمناء، وإبدال ذلك بعدد من القوانين التي تخدم سيطرة المستعمر على الحياة الاقتصادية عموما والعمليات المالية على وجه الخصوص.
فتم إحداث منصب الخازن العام للمملكة، والذي أسندت إليه جميع عمليات المداخيل والنفقات العمومية وكذا إدارة احتياطات الخزينة، وذلك بموجب مرسوم 2 يونيو 1916م.
وفي نفس السياق جاء ظهير 9 يونيو 1917م ليمنح اختصاصات مالية مهمة لمحاسبي الخزينة، فتم إناطة المسؤولية المالية والشخصية بهم على جميع العمليات التي يقومون بتنفيذها.
واستمرت إدارة المخزن بواسطة وزير المالية في مراقبة العمليات التي ينفذها الخازن العام والمحاسبون المرتبطون به، لكن هذه العمليات كانت مجرد عمل شكلي بسبب ضعف منصب وزير المالية.
وبالإضافة إلى ذلك، قامت إدارة الحماية بإحداث مجموعة من النصوص القانونية اللازمة لتحريك مسؤولية المحاسبين العموميين وتفعيلها، حيث تم إحداث اللجنة المغربية المحلية للحسابات سنة 1932م(3)، والظهير الشريف المتعلق بأداء اليمين من طرف المحاسب سنة 1942م(4).
وفي سنة 1955م شهد المغرب ظهور أول نص قانوني ينظم بشكل فعلي ومستقل مسؤولية المحاسبين العموميين من خلال ظهير 2 أبريل 1955م(5)، ففصوله لم تتعَدَّ ثمانية فصول، وارتبطت ظروف صدوره برغبة المستعمر في حماية ما يسمى بالمال العام أكثر من الاهتمام بالأشخاص الحارسين عليه، فكل فصوله تميزت بالتركيز على فكرة المساءلة الشخصية والمالية للمحاسبين العموميين.
وبعد الحصول على الاستقلال سنة 1956م اختار المغرب القيام بتحديث مؤسساته المالية وفقا للنظام الفرنسي للمسؤولية والمراقبة، عوض العودة إلى نظام الأمناء الذي كان مطبقا قبل فترة الحماية.
وشهدت المرحلة أغلب القوانين التي تحكم المالية العمومية، بدء بظهير كان بمثابة النظام الأساسي للوظيفة العمومية سنة 1958م، والمرسوم الملكي المنظم للمحاسبة العمومية سنة 1967م، والظهير المتعلق بتنظيم مالية الجماعات المحلية سنة 1976م، وأخيرا المرسوم المتعلق بنظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية وهيئاتها لسنة 2010م، وبموازاة هذه القوانين المنظمة للمالية العمومية تم سن مجموعة من القوانين لضبط المراقبة المالية، ومنها إحداث المفتشية العامة للمالية بجانب اللجنة الوطنية للحسابات سنة 1960م، ثم المجلس الأعلى للحسابات سنة 1979م(6)، والمجالس الجهوية للحسابات سنة 2002م(7)، والمرسوم المتعلق بمراقبة نفقات الدولة(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – انظر: التوزاني هراج نعيمة، “الأمناء بالمغرب في عهد السلطان مولاي الحسن 1873م- 1894م”، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة فضالة، يناير 1979م، ص:64-65.
(2) – نفس المرجع السابق، ص:241-253.
(3) – Dahir du 20 Juillet 1932, fixant la composition de la commission locale Marocaine des comptes et la procédure à suivre devant cette juridiction, B.O, n° 1040 du 30 septembre 1932, p. 1112-1124.
(4) – Dahir du 9 Nov.1942 relatif à la prestation de serment par les comptables publics, B.O du 4/12/1942, p.1007.
(5) – ظهير شريف بتاريخ 8 شعبان 1374هـ / 2 أبريل 1955م، بشأن مسؤولية المحاسبين العموميين، ج.ر. عدد:2219، بتاريخ 6 ماي 1955م، ص:1258.
(6) – ظهير شريف رقم 175-79-1 بتاريخ 22 شوال 1379هـ / 14 شتنبر 1979م، يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 79-12 المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات، ج.ر. عدد:3490 مكرر، بتاريخ 28 شوال 1399هـ / 20 شتنبر 1979م، ص:2124.
(7) – الظهير الشريف رقم 124-02-1 الصادر في 13 يونيو 2002م، بتنفيذ القانون رقم 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، ج.ر. عدد:5030، بتاريخ 15 غشت 2002م.
(8) – Décret n° 2-07-1 235 du 5 Kiâda 1429 (4 Novembre 2008) relatif au contrôle des dépenses de l’état B.O n° 5684 du Jeudi 20 Novembre 2008.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *