إن علماء المجلس الأعلى -للأسف- يُمنعون من الكلام في الربا والشذوذ والخمر والقمار لأن ذلك في نظر المسؤولين من شأنه أن يوجد معارضة مبنية على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وهو في اعتبار العلمانيين حكم باسم الإله، مما يعطي المسوغ للمطالبة بالدولة الدينية التي جاءت العلمانية بالخصوص لمحاربتها، ومن تم كان لزاما حتى لا نقلق راحة العلمانيين أن نكمم أفواه العلماء، وما دامت دور القرآن -في نظر العلمانيين- تروج لهذا الطرح، فهي إذن حرب على العلمانية يجب إقفالها..
حفل لتذوق الخمر بمدينة مكناس، يتلوه حفل آخر لتذوق أم الخبائث بالدار البيضاء هذه الأيام، وحفل للرقص الجنسي “الصالصا” بمراكش، يتلوه مهرجان للرقص بالمدينة نفسها، وشاذ يحتفى به على الشاشة العمومية، ومتحول جنسيا يُرفع فوق مقام الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، وآلاف من السحرة والمشعوذين منتشرون على طول وعرض البلاد يفوق عددهم عدد الأطباء والممرضين، وكازينوهات للقمار تروج الخمر والميسر برخص رسمية، وفنادق تقدم لزبنائها فروج المغربيات وحتى القاصرات منهن، كما تقدم أباريق الشاي الساخنة أو قنينات الخمر الباردة، وأطنان من الحشيش والأقراص المهلوسة يستهلكها الشباب والشابات في الأزقة وأبواب المدارس والجامعات، ودور للبغاء معلومة عناوينها لدى العامة والخاصة، وامرأة علمانية تلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامرأة أكثر منها علمانية تحارب تطبيق آيات المواريث، ووزارتان تسخَّرَان لتهدئة روع قلبها المسكين الذي أقلقه تفسير المغراوي المتعارض مع عقيدتها، ومجلس علمي أعلى يفزع لتفسير آية رأى العلمانيون أنها تخالف بندا في القانون، بينما لا يرفع رأسا ولا يأبه لمخالفة وصية الله: “يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ”.
كل هذه الطوام مظاهر أصبحت سمات على مغرب الانفتاح، مغرب التعايش، مغرب يقبل التنوع والاختلاف لكن مع غير المسلمين، مغرب هيمنةِ الحداثةِ العلمانية التي ترى في تفسير آية عِدّة الصغيرة جريمة لا تغتفر، في حين تقبل بالخمر والرقص والشذوذ والدعارة والزنا حريةً شخصية يجب أن تقدس وتوقر.
فكيف أصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا في بلاد ما زال دستورها -ويا للأسف- ينص على أن دين دولتها الإسلام؟
كيف أصبح شرب الخمر وتعاطي الميسر والإعلان بالزنا لا يتناقض مع المذهب المالكي، مذهب البلاد؟
وكيف أضحى أكل الربا واقتراف الشذوذ وتفشي العري الفاضح والسفور والإجهاض والتنصير لا يحرك الساهرين على الحفاظ على الملة والدين الذائدين عن حياضهما؟
في حين ينتفضون ويجتمعون في وقت متأخر من الليل ليتباحثوا بشأن تفسير دكتور لآية العِدّة، لم يتجاوز فيه قول علماء المالكية وكبار فقهائهم ومفسريهم، فيُصدر العلماء من ليلتهم بلاغا من المجلس العلمي الأعلى بمثابة قرار يأذن بمحاكمة الدكتور الذي لم يشفع له عندهم كونه عالما بالتفسير وأستاذه في الجامعة، ومؤلفا لعشرات الكتب وفاعلا جمعويا، لم يشفع له هذا كله لأنه ذو لحية إسلامية؟
حماة المذهب المالكي وانتشار الخمر واللواط
لماذا لم نسمع أن واحدا من هؤلاء العلماء احتج عندما روّع عرس الشواذ بمدينة القصر الكبير قلوب المسلمين، فخرجوا من المساجد يدعون اللطيف الخبير أن يحفظ بلادهم مستنكرين إعلان مجموعة من الفاسدين المفسدين بفاحشة اللواط على الملأ؟
ترى لماذا لم يجتمع المجلس العلمي الأعلى لهذه الفضيحة، أم أن التلبس بالشذوذ والدعوة إليه لا يتعارضان مع المذهب المالكي؟
ولماذا لم ينتفض وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يومها، أم أن الذين روعهم الشذوذ في نظره ليسوا مغاربة؟
ولِم لمْ يطلب وزير الأوقاف من وزير الخارجية استدعاء سفير المغرب في إسبانيا ولو للتشاور عندما احتضنت مدريد مؤتمرا للشواذ المغاربة وعملت على تنظيمهم وتقديم العون لهم حتى تعترف بهم بلادهم؟
ولماذا تطَلَّبَ موضوع زواج الصغيرة التنسيق بين وزارة الأوقاف ووزارة الداخلية ووزارة العدل، فتعاونت كلها لتسحب رخص الجمعيات القرآنية، ولتغلق أكثر من ستين دارا للقرآن ولتجمد نشاط أكثر من 36 جمعية مرخص لها بموجب القانون، في حين لم تتحرك واحدة منها لإغلاق الحانات والكازينوهات ودور الدعارة رغم أن وزير الداخلية نفسه سبق أن اعترف في يناير 2008 بأن عدد المحلات المرخص لها ببيع الخمور تبلغ 414 محلا، ورغم تأكيد إحصائيات رسمية أن عدد القتلى الذين يسقطون سنويا جراء حوادث السير المتعلقة بتناول الخمور يتجاوز 3 آلاف شخص، في حين يعد الجرحى بعشرات الآلاف؟
لماذا لم يربط أحد بين الحانة ورخصتها وبين إزهاق الأرواح على الطرقات وإرهاب الناس بالسيوف والخناجر؟
أم أن المذهب المالكي ليس من مقاصده حفظ النفس؟
ألم تُروِّع تلك الأرقام الهائلة من القتلى وزير الأوقاف كي يجمع مجلسه العلمي الأعلى ويصدر بلاغا يدين فيه مروجي الخمور، ويتهمهم بمخالفة المذهب المالكي، ويضمنه بإشارات تُسْعف وزير الداخلية كي يقوم بإقفال محلات بيعها وأسواق ترويجها حفاظا على أرواح المسلمين المغاربة، وحماية للأمن العام وصيانة للصحة العامة وتحقيقا للسكينة العامة، كما سبق أن صرح بذلك في البرلمان بخصوص جمعيات دور تحفيظ القرآن الكريم؟
لماذا لا نرى العلماء ولا الساسة يجتمعون ويتحدثون حول 300000 حالة إجهاض تجرى سنويا في المغرب، أم أن المذهب المالكي والقانون المغربي يبيحان جريمة قتل الأولاد؟
ما السر وراء تباين الموقفين؟
إن كل هذه الأسئلة خصوصا ما تعلق منها بسكوت العلماء وكثير من المسؤولين عن مثل هذه المعضلات إنما تجد تفسيرها ويتلخص الجواب عنها في جملة واحدة، إنها هيمنة المد العلماني على عقول مسؤولينا وإرهاب أصحابه لعلمائنا.
فقد سبق للمجلس الأعلى أن اتخذ بلاغا مماثلا، عندما أقدمت مجلة نيشان العلمانية الحاقدة على الاستهزاء بالله ورسوله وبالملائكة ودين الإسلام، لكن وزارة الداخلية لم تفعل شيئا أكثر من سحب عدد واحد فقط من المجلة، أما وزارة العدل فتململت وحاكمت مديرها وصحافيتها المستهزئة دوما بمقدسات المغاربة، وألزمت المجلة بدفع غرامة لم تتجاوز 80 ألف درهما مما اعتُبر في وقته مبلغا لم يصل إلى قيمة الإشهار الذي حظيت به المجلة في داخل المغرب وخارجه من جراء متابعة الدولة لها.
لكن الأمر اختلف كثيرا عندما أصدر المجلس العلمي الأعلى نفسه بلاغا حول الدكتور المغراوي حيث نجد أن وزارتي العدل والأوقاف لم تقتصرا على معاقبته وحده، بل تطلب الأمر عقابا جماعيا حيث أغلقت وزارة الداخلية أكثر من 67 دارا للقرآن، وشردت مئات العاملين فيها وضيعت مستقبل الآلاف من المستفيدين من نشاطاتها، ولم تكترث للآثار الوخيمة التي يمكن أن تترتب عن الفراغ التنظيمي، الذي سيخلفه إقفال هذا العدد الهائل من المؤسسات على مستوى تأطير فئة من الشباب المتعطش إلى التدين، وإلى معرفة الفكر المعتدل، خصوصا وأن الطريقة التي تعاطى بها المسؤولون مع قضية دور القرآن تعطي الانطباع بأن الدولة تحارب القرآن وحملته.
إن علماء المجلس الأعلى -للأسف- يمنعون من الكلام في الربا والشذوذ والخمر والقمار لأن ذلك في نظر المسؤولين من شأنه أن يوجد معارضة مبنية على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم وهو في اعتبار العلمانيين حكم باسم الإله، مما يعطي المسوغ للمطالبة بالدولة الدينية التي جاءت العلمانية بالخصوص لمحاربتها، ومن تم كان لزاما حتى لا نقلق راحة العلمانيين أن نكمم أفواه العلماء، وما دامت دور القرآن -في نظر العلمانيين- تروج لهذا الطرح، فهي إذن حرب على العلمانية يجب إقفالها، ولو قال أصحابها ومَن يستفيدون منها بوجوب السمع والطاعة لأمير المؤمنين، والتزموا القانون، ودعوا إلى وحدة البلاد وحافظوا على أمنها، وتجنبوا العمل السري، وابتعدوا عن العنف والغلو، وناهضوا التدمير والتفجير، لأن الظاهر للأسف الشديد أن العلمانيين استطاعوا إقناع من اتخذ قرار الإغلاق أن هذا التوجه خطر على البلاد والمذهب، وأن علاجه في التصدي له، وإحياء التصوف بديلا عنه، في حين تبقى الحقيقة المطلوب السكوت عنها هي أن أي نشاط يدعو إلى التزام واع بأحكام الشريعة وآدابها يعتبر مهددا للمد العلماني ومزعجا لمن له مصلحة في أن تسود العلمانية على الحياة والدولة في المغرب.
ثم لماذا لم تكتف وزارة العدل ووزارة الداخلية بإغلاق دور القرآن، وبدأت في حل الجمعيات المؤطرة لها؟
ألا يعد هذا حربا علمانية على توجه فكري إسلامي يسعى لإصلاح البلاد سلميا؟
ختاما، لقد بات من الواجب على كل غيور أن يدلي برأيه لتوضيح أهداف هذه الحرب التي تدار لحساب جهات علمانية يهمها أن يختفي توجه إسلامي معين برمته من المجتمع المغربي، هذا المجتمع المسلم الذي يراد له أن يبقى بين مطرقة العلمنة وسندان التصوف.
ومخطئ من ظن أن التصوف الذي يروج له وزير الأوقاف يخدم مصلحة البلاد ويتعارض مع العلمانية التي تدعو إلى إقصاء الشريعة؟ فبينهما زواج حُدِّد مهره في القضاء على رسالة دور القرآن وما شابهها من التوجهات.
ومن قال لا، فليخبرنا لماذا يحاكم عالم لأنه قال بتفسير آية الطلاق، في حين تبجل وتحترم من تقول بتعطيل آيات المواريث؟
ولماذا ترمم الزوايا والأضرحة وتقفل دور القرآن؟
خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار استجابة الوزير لمشورة مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية التي ترى أن التصوف هو الحل للحد من المد الإسلامي الواعي برسالة التغيير، هذه المراكز المدعومة من وزارة الخارجية الأمريكية ظلت منذ الحادي عشر من شتنبر 2001 تطالب حكومات الدول الإسلامية بدعم التصوف ومحاربة الفكر السلفي، الشيء الذي يفسر سبب مشاركة السفير الأمريكي وزوجته في أنشطة الزاوية البوتشيشية.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.