الماء والسياسة والاقتصاد  بين”الوعي المائي” و”استراتيجيات التنمية المستدامة” طارق الحمودي

تاريخ الماء

لم يعرف الباحثون إلى الآن عن تاريخ الماء إلا الشيء القليل جدا، فثم نظريات تقول إن الماء نازل من السماء، قادم إليها مخزنا في كوكيبات صغيرة تقاذفت نحو الأرض في ملايين السنين، وبذلك الماء، تشكلت المحيطات، وهذا فرع عن نظريات علمية تحوم حول القول بوجود الماء في كواكب المجموعة الشمسية، وخارجها أيضا وثم أخرى تقول إن مصدره باطن الأرض، خرج مع الانفجارات البركانية وصعد أبخرة عبر فتحات التصدعات الأرضية ثم تكثف وعاد نازلا وشكل المحيطات والأنهار والبرك المائية

آية الماء

جعل الله تعالى الماء أصل الحياة كلها، فقال: )وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ( [الأنبياء:30]، وقد تظاهرت الكتابات العلمية على الكشف عن سر هذه الآية وحقيقتها، وعن فهمها وتنزيلها على الواقع والمعارف العلمية الحديثة، ومن تلك التفسيرات، أن الماء كان العنصر الأساس لحياة الكائنات، وأول البيئات التي احتضنتها، فكانت النباتات المائية، ثم الحيوانات المائية، ثم خلق الله النباتات البرية، ثم خلق الحيوانات البرية في ترتيب “نفعي” ظاهر، والله تعالى أعلم.

الماء في القُلل، بين الملل والأهواء والنحل

اختلفت مواقف الملل الإنسانية من الماء اختلافا بينا، ففيهم من “قدسه“، و”عبده” مثل الهندوس وغيرهم ، ومنهم من جعل لهم إلاها يخصه، مثل اليونان والرومان، ومنهم من رأى “التنزه” عن استعماله في غير الأكل والشرب، فمنعوا التطهر به تعبدا لله تعالى، وهو شأن طوائف من “النصارى“، وكان الاعتدال نصيب أتباع الأنبياء، فشربوه واستعملوه في طعامهم، واغتلسوا به والحمد لله رب العالمين.

ماء المطر، حديث عهد بربه!

يعد ماء المطر من أنقى أنواع المياه المستعملة، فهي مياه مقطرة، تختلط قطيراتها ببعض المواد العالقة في الهواء عند نزولها، فإما تصير حامضية إن امتزجت بغازات ملوثة، وإما تكون خير سقيا للنبات والبهائم إن هي امتزجت بما يفيد التربة ويخصبها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل الغيث حسر عن رأسه غطاءه ويتلقاه، وقال مرة: «إنه حديث عهد بربه»، وقد كان الماء الخفيف النازل يشعر من يصيبه بالسكينة والطمأنينة، كما حدث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ قال تعالى : )إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ(.

الماء والطهارتان

جعل الشرع الماء وسيلة للتطهر من الأوساخ والنجاسات، ووسيلة للتطهر من الخطايا والذنوب، وهذا أمر مثير يستحق التأمل الطويل، وقد ورد في حديث الاستفتاح في الصلاة: “اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد“، وفي حديث فضل الوضوء أن الذنوب تخرج من كل عضو مغسول مع آخر قطرة ماء نازلة منه.

الطوفان العقوبة المائية

كان الماء ولا يزال مصدر الحياة في الأرض، فهو ثلثا القشرة الأرضية، وثلثا الجسم الإنساني، وهو المكون الأساس في الخلايا، وعليه تقوم كثير من التفاعلات الحيوية في الطبيعة، وهو أيضا مصدر للعقوبة الإلهية، فقد ثبت في القرآن الكريم أن الطوفان كان عقوبة لقوم نوح، وكان أيضا عقوبة لفرعون وقومه، وقد شاهدنا من أنواع الطوفان البحري ما لا يعلم سببه بعد معرفة الأسباب الطبيعية الظاهرة إلا الله تعالى، وهو ما يسميه العلماء “التسونامي البحري“، ولعله يكون عقوبة إلهية والله أعلم.

الماء في الجنة

سيبقى الماء حاضرا في البيئة الإنسانية، في حياته الدنيا وحياته الآخرة، وسيجده المؤمنون أهل التقوى في الجنة “أنهارا” تجري على ظاهر أرضها، وسيكون أول ما يتناوله القادمون عليها شربات من حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتناولون منه بأكواب موضوعة حوله، بأعداد كبيرة جدا، وسيشرب أهل التقوى من ماء الجنة، ماء غير آسن ولا متغير بطول المكث، فضلا من الله ونعمة.

الماء فاعل سياسي

إن “حيوية” الماء من القضايا والإشكالات السياسية والاقتصادية الكبرى في العالم، وتدبير الشأن المائي أمر مهم، تجعل له “وزارات“، وترصد له “ميزانيات” ويعين للقيام بأمره أفضل السياسيين والخبراء، والنجاح في تدبيره مؤذن بنجاح عام في السياسات الوطنية، وعكس هذا مآله الخراب والدمار، فهو أس الاقتصاد، وتوفير “المياه” للشرب والسقي شرط في “التنمية المستدامة“، وهو مع “مصادر الطاقة” المحرك الأكبر للسياسيات العالمية، بل والموجه لها، فهو فاعل سياسي بامتياز، والماء أيضا “فاعل جمعوي” نشيط، فعليه تقوم أعمال خيرية، بحفر الآبار، في المناطق المتضررة من شح المياه، وقد استطاع “الفاعل المدني” عبر هذه الأعمال التطوعية الخيرية أن يبث الحياة الحقيقية في كثير من الأماكن التي كانت خاملة ساكنة، فالماء فاعل في كل الاتجاهات، وجزء من برامج كثير من مؤسسات العمل الجمعوي في العالم، وقد دُفعت الدول دفعا إلى وضع برامج “حماية” للماء، و”ترشيد استعماله“، ووضعت لذلك قوانين زجرية، وحركت ترساناتها التربوية والإعلامية، وأحيل هنا على العدد 392 من مجلة “دعوة الحق“، فإنه عدد خاص بـ”الماء“، وفيه مسائل فقهية وأحكامية، وفصول من تاريخ الماء، وقراءات ومتابعات وطنية متعلقة بالماء، وعلى “قانون الماء، مع دراسة للماء في القرآن ونظام الماء قبل الحماية” من “سلسلة النصوص التشريعية المغربية“الصادر سنة 1422هـ،2001م.

الماء والحرب

يتحدث المختصون في الشأن السياسي عن ما يسمونه “حرب المياه“، وهي حرب تقوم على “الاستحواذ” على مجاري المياه ومصادرها العذبة، لضمان تزويد شعب من الشعوب بالماء الصالح للشرب، و”تعطيش” العدو بمنعه من ذلك، فالدولة العطشى دولة ضعيفة، وقد كانت طريقة “المنع من الماء” طريقا مسلوكة في الخطط الحربية، وقد استعملها المسلمون في موقعتين عظيمتين، هما معركة بدر في العهد النبوي، ومعركة حطين الأيوبية، وفيهما انتصر المسلمون بفضل الله تعالى، و”حروب المياه” موضوع مهم، تعاطته أقلام البحث والتنظير والتحليل من مختلف الاختصاصات، وهي قضية جديرة بالاهتمام، وقد كتب فيها: “حروب المياه، الصراعات القادمة في الشرق الأوسط“، لجون بولوك وعادل درويش، و”الصراع المائي بيت العرب وإسرائيل” لرفعت سيد أحمد، و”حرب المياه على ضفاف النيل” لعمل فضل الله، و”السياسة الأمريكية تجاه مصادر المياه في الشرق الأوسط” لجويس آر ودانييل سي ستول وغيرها، والله الموفق للخير والمعين عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *