ذوالفقار بلعويدي آذان صلاة الصبح بين التوقيت الفلكي الرسمي والفجر الشرعي!!

تحرير موطن النزاع ومحل الخلاف
لقد نشرت جريدة السبيل العدد 129 موضوع نقاش للأستاذ الدكتور يوسف مازي عضوا بالمجلس العلمي المحلي ببني ملال تحت عنوان «مناقشة حكم جواز استمرار الصائم في الأكل والشرب بعد أذان الفجر».
وهذه الحركة من الأستاذ يستحق عليها فيضا من الشكر الجزيل. أولا لبالغ أهمية الموضوع، وثانيا لما يجرنا إليه من تحرير أمر كثر فيه النزاع وثارت بسببه وما تزال خلافات إلى يومنا هذا.
وكما هو معلوم ضرورة من دين الإسلام فالصلاة فريضة ذات وقت محدد، ولا تصح إلا بأدائها في ميقاتها المعين، لقول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)1.
كما بينت السنة النبوية معالمها في مثل ما رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، وقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر وما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان)2.
لكن المفاجئ في الموضوع هو أن الدكتور الفاضل وذلك بما أنه يعيب حسب قوله قول من يدعي (أن الآذان في بلادنا يكون قبل الفجر الصادق)3، حيث كان يتوقع منه أن يخص نقاشه حول مدى مطابقة أذان صلاة الصبح بحسب التوقيت الرسمي ببلادنا طلوع الفجر الصادق، ذهب يناقش دون ما يدعو إلى تفصيل أكثر في بيان حكم ليس هو المقصود؛ وذكره هنا والتوسع في الإجابة عنه ومناقشة حكمه وإشغال القارئ بأقوال العلماء ونقول الفقهاء فيه لا يزيد شيئاً.
وذلك مثل الاستشهاد بقول الإمام النووي: (ذكرنا أن من طلعَ الفجر؛ وفي فيه طعام فليلفظه ويتم صومه؛ فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه، وهذا لا خلاف فيه. ودليله حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن بلالا يؤذن بليل..”)4.
أو بمثل قول العلامة الملا علي القاري في شرحه للحديث: (قوله صلى الله عليه وسلم: “حتى يقضي حاجته منه” وهذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع. وقال ابن الملك: هذا إذا لم يعلم طلوع الصبح، أما إذا علم أنه قد طلع أوشك فيه فلا)(5).
فما علاقة مثل هذه النقول وما فائدتها عند من تقرر عنده أن التوقيت الرسمي المغربي لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي ولا يكون عند تبين الفجر الصادق؟
فإن محل الخلاف وموطن النزاع هنا هو: هل طلع الفجر الصادق عند آذان المؤذن للصبح أو لم يطلع؟
وليس في بيان حكم صحة أو بطلان صيام من استمر في الأكل والشرب إلى طلوع الفجر الصادق، فهذا قد طلع الفجر في حقه وقضي الأمر.

وقت أذان صلاة الصبح عند فقهاء المالكية
إذا ما علمنا ونحن في بلد مالكي المذهب أن فقهاء المالكية يذهبون إلى جواز التأذين لصلاة الصبح قبل طلوع الفجر. وذلك كما جاء في المدونة: (قال ابن القاسم وقال مالك: لا ينادي لشيء من الصلوات قبل وقتها إلا الصبح وحدها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم”. قال: وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت2 قال مالك: لم يبلغنا أن صلاة أذن لها قبل وقتها إلا الصبح ولا ينادى لغيرها قبل دخول وقتها ولا الجمعة)6.
وقد جاء في كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد محمد الشهير بابن رشد الحفيد (وأما وقت الأذان فاتفق الجميع على أنه لا يؤذن للصلاة قبل وقتها ما عدا الصبح فإنهم اختلفوا فيها فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز أن يؤذن لها قبل الفجر)7.
وجاء في كتاب الاستذكار لابن عبد البر: (وأما قوله لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها، ..فذهب أهل الحجاز والشام وبعض أهل العراق إلى إجازة الأذان لصلاة الفجر قبل طلوع الفجر، وممن قال بذلك مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وداود والطبري وهو قول أبي يوسف القاضي.
وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب قال لا يؤذن لها إلا بالسحر فقيل له وما السحر قال السدس الآخر.
وقال ابن حبيب يؤذن لها من بعد خروج وقت العشاء وذلك نصف الليل)8.
ونظم الإمام القحطاني المالكي المتوفى سنة 387هـ هذا القول في نونيته بقوله.
والصـبح مـنفـرد بوقـت مفرد لكن لها وقتان مفرودان
فـجـر وإسـفار وبـيـن كليهما وقت لكل مطول مـتوان
وارقب طلوع الفجر واستيقن به فالفجر عند شيوخنا فجران
فـجر كـذوب ثم فـجر صادق و لربما في العين يشتبهان
إلى قوله رحمه الله:
لكن أذان الصبح عند شيوخنا من قبل أن يتبين الفجران
هي رخصة في الصبح خلاف غيرها من أجل يقظة غافل وسنان
وإذا كان المعلوم هو أن أداء صلاة الصبح، لا تلزم إلا بدخول الوقت الذي هو طلوع الفجر الصادق. فنحن على يقين أن قدماء فقهاء المالكية -رحمهم الله- الذين قرروا هذه الأحكام الخاصة بإجازة الأذان لصلاة الصبح قبل طلوع الفجر بل الفجرين، كانوا قطعا في زمانهم ينتظرون دخول الوقت وطلوع الفجر الشرعي لاستئناف صيامهم وأداء صلاتهم. وهذا ما لا نظنه في زمن الاعتماد على التوقيت الفلكي. فإن أذان الفجر حسب تقرير كثير من العلماء المعاصرين بعد معاينتهم لطلوعه في أكثر من بلاد إسلامية، يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين الخمسة العشرة والعشرين والثلاثين دقيقة!
وهذا يجعل الناس يصلون سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون معها أداء فريضة الصبح، لا سيما في شهر رمضان حيث تقام الصلاة في أغلب المساجد بعد الآذان مباشرة، وفي هذا تعريض لصلاة الفجر للبطلان. وما ذلك إلا بسبب الاعتماد على التوقيت الفلكي والإعراض عن التوقيت الشرعي {فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر}(9).
ثم ما الذي يمنع الدكتور -وهو الثقة المصدق عندنا- أداء للأمانة التي أنيطت به، من إخبارنا بعد الخروج والمعاينة لمشاهدة حسية ميدانية حيث لا أضواء كهربائية منعكسة في اتجاه السماء، ودون الاعتماد على التقويم الفلكي وحساباته. مشاهدة منه عن معاينة شخصية تنهي الإشكال على الأقل بيننا وبينه إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)سورة النساء الآية 103.
(2) رواه الإمام مسلم.
(3) جريدة السبيل العدد 129.
(4) نفسه.
(5) نفسه.
(6) 1/159. وأنظر كفاية الطالب.
(7) 1/107.
(8) 1/397.
(9) السلسة الصحيحة رقم الحديث 2031.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *