إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
لقد أصر إدريس أبايا على عادته في الاستمرار بإثارة مسائل جانبية، وكنت قد نبهته بشيء من الاختصار على بعض منها، كما أني حرصت على بيان أوجه خطئه في ما ادعاه من جهل.
لكن يا ترى هل يقرأ مصطفى العلوي ما ينشره على صفحات جريدته مما يكتبه وكيل دفاعه ويقحمه في مقالاته من جهل فاضح تحت عنوان: “دفاعا عن الأسبوع الصحفي” دون ما مناسبة ولا علاقة لها بتحرير مدى صحة أو بطلان ما ادعاه ونسبه مدير جريدة الأسبوع الصحفي للخليفة عثمان رضي الله عنه. أو تأكيد مدى ثبوت أو سقوط دعوى تجريم مصطفى العلوي بالافتراء الكاذب على ثالث الخلفاء الراشدين. والغريب جدا أنه لم يوفق في واحدة منها.
وحسبي هنا أن أشير في عجالة إلى أفحشها وأغربها. لا سيما أن إدريس أبابا لم يكن أمينا في نقل ما نسبه لي، فقد بتر بعضه وحرف ألفاظه وغير مضمونه، كما في ما نسبه لي من قول بدعة نعت علي رضي الله عنه بدعاء كرم الله وجهه. وهذا بحمد الله ليس في كلامي ما يدل عليه لا منطوقا ولا مفهوما. وليس عندنا مانعا من قول القائل علي كرم الله وجهه، أو عثمان كرم الله وجهه، أو زيد كرم الله وجهه، وليس في هذا من مانع، وإنما المانع هو في تخصيص علي وحده بهذا الدعاء دون غيره من الصحابة. وهذا أمر ظاهر من صريح منطوق كلامي الذي لا وجود بين ألفاظه ما نسبه لي إدريس أبابا من قول كاذب (إن ذكر هذا التكريم لا وجه له من الشرع إلا عند غلاة أهل البدع من الشيعة والروافض)(1)، وإنما قولي كان هو: ( وتخصيصه -أي مصطفى العلوي- هذا لعلي رضي الله عنه بقوله كرم الله وجهه دون غيره من الصحابة، هو تخصيص لا وجه له من الشرع، إلا عند غلاة أهل البدع من الشيعة الروافض)(2).
فهل كان إدريس أبايا أمينا في النقل أم خائنا في التصرف؟
أما الثانية فهي: ادعاؤه أن تدليلي على الآيات التي أستشهد بها يكون بما جاء في رواية حفص فقط دون رواية ورش التي حفظ بها المغاربة القرآن الكريم،.. محتجا باستشهادي بقوله تعالى: {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} ومرقما له برقم الآية 109 من سورة النساء، زاعما أن الترقيم الصحيح هو 108 وليس 109(3).
لكن المعيب هو أنه لم يكتف بتخطئتي وحدي بل تجاوز به الأمر إلى تخطئة اللجن المشرفة والهيآت المصادقة على طبع القرآن الكريم. كما في قوله: “والمسألة ليست بالهينة كما قد يرى البعض أو يدعي أن المتناول في يد القراء هو المصحف المنشور والمرسوم بقراءة حفص وقد وقع طبع عدة طبعات للقرآن الكريم تحمل جملة (بقراءة ورش) فإذا هي مرقمة بترقيم قراءة حفص وهذا حيف”(4).
أولا أقول أن نسخة المصحف الذي رقمت منه حازت على موافقة رئاسة الدراسات الإسلامية في وزارة الأوقاف المغربية، وقد تمت مراجعته من طرف مختصين في الرسم القرآني برواية ورش لقراءة الإمام نافع بإشراف وتوقيع الحافظ ناجي امحمد البهلولي أستاذ الرسم القرآني بدار القرآن في الرباط بالمملكة المغربية.
ولقد اتبعت في عد آياته طريقة الكوفيين عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي عن علي بن أبي طالب حسب ما ورد في كتاب “ناظمة الزهر” للإمام الشاطبي. وآي الذكر عدت في هذا المصحف على طريقة الكوفيين وعددها 6236 آية. والآية المشار إليها مرقم لها في هذه الطريقة بالرقم 109 من سورة النساء، وليس رقم 108 كما ادعى إدريس أبايا. وما أدري كيف خلط بين الأمرين حتى أوهم القارئ أن هناك عددا لورش وعددا لحفص؟
ترى هل رأيت أيها القارئ رجلا جاهل جدا، وفارغ جدا، ومتعصب جدا، ومتلاعب جدا، ومع ذلك يتظاهر على أنه مثقف جدا، ومتحرر جدا، ومتسامح جدا؟
من ذا الذي لا يخطئ يا مصطفى العلوي وخير الخطائين التوابون.
وبعيدا عن مماراة وكيل دفاع جريدة الأسبوع الصحفي، أحب أن أشارك القارئ الواعي ليحكم هو بنفسه دون أي تأثير خارجي، وليقول بكل صدق ما الذي يتبادر إلى ذهنه وينطبع في تصوره من أول وهلة عند قراءة كلام مصطفى العلوي في حق عثمان رضي الله عنه كقوله: (فلم يلبث ماله أن قصر به، فاستباح أن يأخذ أموال المسلمين)، وقوله (واتفق المؤرخون جميعا ..أن الخليفة عثمان هو أول من ابتدع الرأسمالية)، وقوله: (ومن عجائب الدنيا أن الخليفة عثمان كان يزداد حبا في المال والتجارة كلما ازدادت الظروف تعقيدا،..)، وقوله: (وإذا أطلق الإمام يده وأطلق العمال أيديهم في الأموال العامة، فلم يكن غريبا أن يحتاج الجند إلى المال فلم يجدوه).
تأمل قول مصطفى العلوي مدير جريدة الأسبوع الصحفي وهو يصور دون تنقيح أو تحقيق بيعة أحد الصحابة لعثمان أنها تمت على أساس صفقة شراكة تجارية. وكأنه يتكلم عن بعض برلمانيي زماننا، كما في قوله: (حيث أن أحد المعارضين لبيعة الخليفة عثمان، الأموي طلحة رجل أعمال مشهور، ومنع بيعته عن عثمان، وعندما اتفق معه كان الاتفاق يشمل شراكة طلحة للخليفة عثمان فيما نعرفه الآن باسم البيزنس…)،وكذا قوله: “ولا زالت الفتنة قائمة أربعة عشر قرنا انطلقت من حب الخليفة الثالث للمال.” (5).
فهل هذه صورة رجل تقي كريم معطاء راشد عادل؟
أم هي صورة هلوع غلبته الأطماع، وألهته المصالح، ويعمل بجشع على تحصيل الربح بأية وسيلة، وتحقيق أكبر قدر من الدخل؟!!!
ترى هل كنت متجنيا على مصطفى العلوي حينما حكمت عليه بالافتراء والكذب وسوء الأدب والجهل؟ وهل كان إدريس أبايا وكيل دفاعه منصفا حينما جحد ذلك وأنكره؟
ترى لماذا يصر مصطفى العلوي على عدم الاعتراف؟
لعله يظن أن اعترافه بالخطأ في حق عثمان رضي الله عنه قد يحط من مكانته أو ينقص من قدره أو يفقده شعبيته، فالعكس هو الصواب ومن منا لا يخطئ. ورحم الله عبدا عرف الحق فاتبعه، وبزغ له الخطأ فعدل عنه.
واعلم أن الاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإياك ثم إياك والاغترار، تدبر هذا فقد ذكرناك: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (6).
على كل حال فإن هذه الحلقة من هذا الملحق هي آخر رد أكتبه على مدير جريدة الأسبوع الصحفي ووكيل دفاعه في هذا الموضوع فقد بان الأمر واتضح السبيل وكفى ما شغلنا به القراء، وكل كلام آخر بعد هذا الكلام فهو من المراء المذموم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ” دفاعا عن الأسبوع الصحفي” جريدة الأسبوع العدد 590/1032.
(2) ” تطهير الأذهان” جريدة السبيل العدد 70.
(3) انظر “دفاعا عن الأسبوع الصحفي” جريدة الأسبوع العدد 592/1431،593/1030،594/1031.
(4) جريدة الأسبوع العدد594/1031.
(5) مقال”البيزنيس..قتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم” العدد 557/994.
(6) سورة الذاريات الآية 55.