الكتابة.. ذلك الحلم الذي تحقق دة.صفية الودغيري

 

إذا أنت أصغيت إلى مثبّط النّفس وهاتفه الصّارخ، سيسلب منك إرادتك القويّة، المُرابطَة في ساحات النّضال والكفاح في سبيل تحصيل العلوم والمعارف، وسيوهمك أنّك عاجز عن القراءة والمداومة على القراءة، وسيضع أمامك الأعذار تلو الأعذار، وسيبثّ في داخلك الإحساس بالوهن والخمول، وأنّك لا تستحقّ العبور خلف حاجز الصّمت، ولا تملك أن تحمل القلم لتكتب وتعبّر، وأنّك لن ترقى إلى مستوى من جدّوا واجتهدوا من الكُتّاب وحمَلَة الأقلام، وأن ليس بإمكانك أن تطمح كما طمحوا إلى السّمو والتّرقّي مع القلم، وصناعة حياة مختلفة تبعثك على ملازمة مجالس القلم والمداومة على حمله..

وستصدّق ما ينفثه في روعك ذاك الهتاف المتردّد، وستركن إلى خوفك وخجلك وانهزامك..

وستشعر بالخيبة والخذلان والفشل يرافقك ويلازمك، وستتخلّف عن المُضِيّ في طريقك لتحقيق أحلامك..

ومن خلال تجربتي في الماضي والحاضر أستطيع أن أقول لكلّ من يطمح إلى أن يكتب ويعبّر:

عليك أن تحلم كما كنت أحلم في طفولتي أن أصير كاتبة، وحينها لم أكن أملك من الأسباب والوسائل إلا أحلامي الصغيرة، ولم أكن أملك وسائل التّعبير الصّحيح..

وحين كبرت واشتدّ عودي ظلّ حلمي يرافقني، فصرت أكتب يومياتي وخواطري وأفكاري كما هي على طبيعتها وفطرتها الأولى، فلا أكلّف لساني عناء التّكلّف في التّعبير، ولا مشقّة حمل قلمي فوق ما يطيقه، ولا التقيّد بقيود الانضباط بالأسلوب البليغ، وتحرّي الفصاحة والإتقان في البيان والتّعبير، أو الحرص الشّديد على تتبّع الزلاّت والأخطاء..

بل كنت أعبّر وأكتب على سجيّتي كما أحبّ وأشاء، وكنت أكتب بحرية في أيّ مكان أو زمان، ولا شيء يشغلني إلا أن أكتب كما أتنفّس، وكما آكل وأشرب..

وكنت أكتب لأنّ الكتابة كانت هي كلّ أحلامي، وكلّ هوايتي، وأفراحي وسعادتي وضحكاتي ومسرّاتي..

وكنت أكتب لأنّ الكتابة كانت تهبني لذّات الحياة، وتسقيني من شهدها ورحيقها، وبوحها وأنفاسها، ولأنّها تعتقني من قيود المادّة، وتخفّف عني عناء أثقالها، وأثقال المتع التي كانت تشغل أقراني..

وكنت أكتب لأعبّر عن نفسي وعن الآخر وعن كوني الفسيح الرّحيب، وأحتوي كلّ ذاك ويحتويني إلهامي وقلمي في سطور وصفحات ألوّنها بألوان روحي، وأرواح من كنت أشاركهم وأقاسمهم فنون القراءة والكتابة..

وأدركت أنّ الأحلام لا تتحقّق في أيام أو أسابيع معدودات، ولا في بضع شهور وسنوات..

بل الأحلام تتحقّق إذا نحن تمسّكنا بها، وآمنّا بها وصدّقناها، وصدّقنا أنّنا نستطيع أن نحقّقها، فنشتغل على تقوية ذواتنا، ونجدّ ونجتهد، وننمّي ملكاتنا ونصقل مواهبنا، ونحطّم قيود الزّمان، ونوسّع ضيق المكان، ونواجه انتقادات الناس، ونتحدّى الظّروف والشّدائد، ونهزم المعيقات ومثبّطات الواقع المُعاش..

وأدركت أنّ الأحلام تتحقّق إذا نحن أيقنّا بقلوبنا وعقولنا، وسائر حواسّنا، وأجسادنا وأرواحنا، أنّ قدرة الله هي أكبر وأعظم من قدرتنا على جعل المستحيل من أحلامنا ممكنا، والصّعب منها يسيرا..

وهذا يحثّنا على أن نتمسّك بالدّعاء ونتقرّب من الله بقوّة، ونواظب على أداء الفرائض والسّنن والنّوافل، ونطبّق أحكام ديننا، ونعضّ بنواجذنا على الطّاعات والعبادات، ونتخلّق بمحاسن الخلال ومكارم الأخلاق..

ثم نكدّ ونكدح في الحياة، ولا نتوقّف عن القراءة والكتابة، ونعمل ونكافح حتى ندرك الغايات، ونبلغ أقصى المطالب والآراب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *