بعد وقت ليس بالقصير على توصيف الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا للحرب التي تشنها موسكو في سوريا بأنها «حرب مقدسة» كشف الرئيس الروسي أن هذا التوصيف ليس رأيا خاصا للكنيسة بل يتجاوز ذلك بكثير فقد هاجم بوتين تركيا متهما النظام الحاكم فيها بأنه يسعى «لأسلمة» البلاد وذلك بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية بواسطة سلاح الجو التركي…
هذه التصريحات تحمل الكثير من المدلولات خصوصا إذا أضفنا إليها بعض الشواهد؛ فالرئيس الروسي «المسيحي» الذي يضطهد 30 مليون مسلما في بلاده ويصادر كتبهم الدينية ويضيق على المحجبات والمصلين يلوم رئيسا مسلما لبلاد يشكل المسلمون فيها 99 في المائة من عدد السكان على «أسلمتها» ولم يوضح لنا ماذا يعني بذلك بالتحديد؟!
هل يعني ما فعله أردوغان من السماح بالحجاب في الجامعات أو السماح بتدريس القرآن أو عدم الصدام مع الهوية الدينية للشعب التركي والتي صادرها العلمانيون المتطرفون لعشرات السنين في تركيا؟!
ن تصريحات بوتين لم تكشف ما في باطنه فقط ولكن كشفت ما في باطن الغرب وبعض العلمانيين العرب ليس تجاه أردوغان وحده وإنما تجاه الإسلام كدين وليس كما يزعمون تجاه «التطرف والإرهاب»..إن تنظيم داعش يكفر أردوغان وحزبه ولا يعتبره بأي حال من الأحوال مسلما وينفذ هجمات داخل تركيا ويتبنى ذلك علنا؛ فكيف يمكن اتهام أردوغان بالتعاون مع هذا التنظيم إلا إذا كانت الاتهامات ترمي لأبعد من ذلك…
ثم ما العيب في أن يحرص أردوغان على فرائض الدين الإسلامي ولا يحاربها؟! هل المطلوب هو حكومات علمانية متطرفة تحارب الدين حتى تنال شرف الرضا من بوتين والغرب والأبواق الإعلامية في عالمنا العربي؟!
وهل هذه الحكومات ستساهم حقا في محاربة داعش أم في جذب المزيد من الأنصار لها؟!
إن أردوغان أصاب عين الحقيقة عندما أكد أن الذي يدعم داعش هو نظام الأسد وداعموه وعلى رأسهم إيران وروسيا، مشيرا إلى أن نظام الأسد هو من يشتري النفط من داعش وليست تركيا كما يزعم بوتين..
لقد فضح سقوط الطائرة الروسية والتوتر الذي نشأ على إثر ذلك حقائق بالغة في الصراع الدائر في المنطقة فالأمر ليس حربا ضد داعش وإنما حرب ضد الإسلام السني والخوف من سيطرته على سوريا بعد زوال الأسد ونظامه، والدليل على ذلك التحالف الذي ظهر بين إيران الشيعية وروسيا «المسيحية» والذي يعد من أكبر أعدائه تركيا والسعودية…
لقد وصل السعار ضد الإسلام السني أن طلب «سرغي غافر يلوف» النائب في البرلمان الروسي من تركيا أن تحول «أيا صوفيا» لكنيسة وتضعها تحت رعاية الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لرأب الصدع في العلاقات.. كما ظهر ذلك في الهجوم الذي شنه الإعلام الروسي على نجل الرئيس التركي بسبب صورة له مع صاحبي مطعم تركي ملتحيين فاتهموه بأنه على علاقة مع تنظيم داعش يعني كل واحد ملتحي هو داعشي في نظرهم!..
هذه هي السياسة الحمقاء التي يعتمدها بوتين والغرب معه في «محاربة داعش» وهي في الحقيقة تصب في خدمة داعش والترويج له وتحارب المتدينين من المسلمين وتصم كل من التزم بدينه بصفة «الإرهاب» لذلك تركزت الحملات ضد المسلمين في الغرب بعد هجمات باريس على المحجبات والمساجد والملتحين وكل من يظهر عليه علامات التدين..
الغرب يتداعي من كل حدب وصوب للدخول في معارك ضروس في المنطقة بحجة مواجهة داعش في حين أننا نرى أن معظم الهجمات لا تستهدف داعش وإنما تستهدف الثوار الذين يحاربون نظام الأسد، وبعد أن كان الموقف الغربي المعلن هو إزاحة بشار الأسد من سدة الحكم كضرورة أصبحنا نسمع كلاما مغايرا عن حلول سياسية وفترة انتقالية تسمح ببقائه حتى وصل الأمر بتصريح من وزير الخارجية الفرنسي بأنه من المطروح التعاون العسكري مع نظام بشار الأسد بحجة مواجهة «داعش»، فتحول بشار المجرم السفاح في أعين الغرب من أشهر قليلة من سبب للأزمة إلى جزء من حلها وما خفي كان أعظم.