القابض على دينه كالقابض على الجمر

قال صلى الله عليه وسلم: “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر” (صحيح الجامع 8002).

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: “قوله (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم) أي في أهل ذلك الزمان (على دينه) أي على حفظ أمر دينه بترك دنياه (كالقابض) أي كصبر القابض في الشدة ونهاية المحنة (على الجمر) جمع الجمرة وهي شعلة من نار.
قال الطيبي المعنى: “كما لا يقدر القابض على الجمر أن يصبر لإحراق يده كذلك المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة والمعاصي وانتشار الفسق وضعف الإيمان” اهـ.
وقال القارئ: “الظاهر أن معنى الحديث كما لا يمكن القبض على الجمرة إلا بصبر شديد وتحمل غلبة المشقة كذلك في ذلك الزمان لا يتصور حفظ دينه ونور إيمانه إلا بصبر عظيم” اهـ.
وقال صاحب فيض القدير: (يأتي على الناس زمان الصابر) كذا بخط المصنف وفي رواية القابض (فيهم على دينه كالقابض على الجمر) شبه المعقول بالمحسوس أي الصابر على أحكام الكتاب والسنة يقاسي بما يناله من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال مثل ما يقاسيه من يأخذ النار بيده ويقبض عليها، بل ربما كان أشد وهذا من معجزاته فإنه إخبار عن غيب وقد وقع” اهـ.
قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: “وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن شر من القبض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين رجلا يعمل مثله عمله” قيل : يا رسول الله، منهم؟ قا : “بل منكم”اهـ (انظر صحيح الترغيب والترهيب 3172).
وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب: إن قرنه إنما فضل لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وإن أواخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضا غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم، ومما يشهد لهذا قوله عليه الصلاة والسلام: “بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء”، ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة، ويشهد له أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: “أمتي كالمطر لا يُدْرَى أوله خير أم آخره”، ذكره أبو داود الطيالسي وأبو عيسى الترمذي، ورواه هشام بن عبيد الله الرازي عن مالك عن الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره” . ذكره الدارقطني في مسند حديث مالك. قال أبو عمر : هشام بن عبيد الله ثقة لا يختلفون في ذلك. اهـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *