بعد الجولة التي نفذناها في المغرب الشرقي بتكليف من قبل لجنة المغرب، يمكننا أن نضع الأفكار التالية حول هذه الناحية التي سبق لنا زيارتها في مختلف المرات من أجل الاستيلاء عليها.
في هذا الوقت الذي يفكر فيه باحتلال تازة الذي تأخر كثيرا، نقترح إلقاء نظرة على المحطات المنجزة في هذا الاتجاه لمعرفة كيف يتم التهييئ لهذه العملية (يمكن القول لأباء الحماية المساكين بارتياح أننا في المغرب الشرقي) ولن نقف هنا، فمحطات التقدم المسجلة من أجل تحقق هذا التواجد المسجلة بين 1900 و1910 التي قادتنا لاحتلال وتهدئة النواحي الموجودة بين الجزائر وملوية معروفة، ويكفي التذكير بالحوادث اللاحقة.
في عام 1911 تم احتلال دبدو، وتهدئة محيط الجبال الممتدة للجنوب الشرقي لتوريرت وضفاف واد زا.
في 11 ماي 1912 بعدما تم تعيين ليوطي مقيما عاما أعطى التعليمات التالية للجنرال أليكس كمندار المغرب الشرقي:
1- استبعاد فكرة القيام بالتحركات لاحتلال تازا لغاية إشعار جديد في وقت آخر، دون استبعاد فتح ثغرة أو اختراق أو صيانة التفاهمات في قبائل الضفة اليسرى لملوية.
2- تنشيط خضوع وتنظيم القبائل في دائرتي ملوية ودبدو، واستخدام ضفتي ملوية لهذا الغرض.
3- العمل على الربط المباشر بين النواحي المتاخمة للشمال وتلك المتاخمة للجنوب.
عمليات 1912 هدفت لتشتيت الحركة الضخمة القادمة من الضفة اليسرى لملوية في مطلع ماي، والتي أدت إلى تهدئة الضفة اليمنى، وسمحت لنا بتجميع قبائل كعدة دبدو بصفة نهائية، وبسط سلطتنا على قبيلة هوارة الهامة.
بمجرد ما وضعنا قدمنا على الضفة اليسرى لنهر ملوية، باشرنا العمل بإقامة مركز مراقبة بكرسيف، مما مكننا من دفع دورياتنا على الوادي نحو ناحية ما بين وادي مليلو ومسون.
في نهاية 1912 فكر الجنرال أليكس في اختبار مدى تواجد سلطته على واد ملوية، في اتجاه اوطا اولاد الحاج ميسور، وفي الوقت نفسه إذا أمكن لغاية قصبة المخزن، حيث يتم تحقيق الإتصال بين منطقة الشمال ومنطقة جنوب المغرب الشرقي، بيد أن تعليمات جديدة أمرت بوقف ذلك التحرك مما أرجأ ذلك المخطط.
عمليات أخرى جرت بالمغرب الغربي وجب الحسم فيها، ففي 1913 قرر الجنرال أليكس احتلال قصبة امسون قلب قبيلة هوارة، من أجل ربط القبيلة بصفة نهائية بالمراكز المقامة بها من قبلنا.
فأقام اتصالا عاجلا مع سكان تازا، وهيأ قفزة جديدة نحو الغرب، بإنشاء مراكز مراقبة جديدة ملائمة حول مركز الصفصافة، لكبح جماح بني وراين وإقاف تهديدهم.
في النخيلة أقيم مركز مراقبة لبني بويحيى، لكن مركز مسون هوجم بعنف وضراوة، بعد أيام من إنشائه، وقد قمنا بهجوم مضاد على المعادين، حيث خضنا معهم معركة حامية في عين العرب يوم 27 ماي 1913 سخرنا لها 5000 جندي أدت لزرع البلبلة والإضطراب في صفوف الأعداء بالرغم من أننا لم نقم باقتحام أماكن تجمعاتهم.
بيد أن الوضعية منذ ذلك الوقت بدأت في التحسن تدريجيا لصالح تواجدنا، بقي أمر تنفيذ احتلال تازا، للربط بين المغربين الشرقي والغربي، وضمهما بصفة نهائيا، لكن ذلك يتطلب بعض الوقت حسب نظرية ليوطي التي تشربناها والتي لا تذهب مباشرة للهدف، لخفض تكاليف تحقيقه.
بصراحة ليس هناك شيء سهل بالمغرب للتنقل فيه من هدف لآخر مع الكولون ضد الأهالي المؤثرين، لكن كما قال بيكود: الغزو لا يكون إلا بمتابعة الاحتلال بآثار هامة، كما تفعل السفن في البحر العظيم حيث تترك وراءها نهرا أبيض يدل على مرورها، وعليه فإن جميع العمليات العسكرية لكي تكون مثمرة إلا إذا تركت أثرا يذكر بها، لذلك يجب أن تكون سباقة في العناية بالتحضير وسرعة المتابعة بالتنظيم السياسي والاقتصادي التي تجعل خصومنا بالأمس شركاءنا في الغد.
حسب النظرية الموصى بها من ليوطي والتي نعيها جيدا يجب أن نكد في التحضير للسير نحو تازا، بحث القبائل المجاورة على توفير قدر مهم من السلم وفي نفس الوقت العمل على تفكيك الجماعات المعادية، من أجل بلوغ هذا لا بد من الوقت والصبر والباقة، إنها دبلوماسية حقيقية تطلع بها مصلحة الاستعلامات، في نفس الوقت جعل الأهالي يستكشفون بالتعود على حضورنا والاتصال بنا شيئا فشيئا.
السي هبيل الذي يرجع له فضل تنظيم المقاومة، بقي دائما معارضا متعذرا كسره، مع الذين يجب إنهاكهم، يقول: الجهود العسكرية ستبقى دائما منقوصة ومعطلة، لأن الأهالي لن يستسلموا إلا بعد أن يرو البارود يتحدث، ولن يخضعوا قبل أن يروا مقاتلين، كما أن نساءنا سيحتقروننا إذا ما قبلنا النصارى من غير مقاومة، بعدها سنقبل بأفضل النتائج مع أقل المخاطر.
في ناحية امسون هذه التحضيرات اكتملت بشكل جيد من قبل الكومندار موجين رئيس مصلحة الاستعلامات ما بين أكتوبر 1913 وأفريل 1914، حيث أصبح لدينا ألوية اتصال في كل قبيلة، بل في كل فخدة أصبح لنا رجال وأدلاء على الطريق.
أهالي القبائل المتقدمة في اتجاه تازا جذبهم سوق امسون فبدأوا يزودون قواتنا بالحيوانات ويأتون عندنا للبحث عن الأقمشة والسكر والقهوة والسلع التي يحتاجونها، القبائل حبذت من وجهة نظرها عملية تازا، في شمال نفس المجاز توجد هوارة وبني بويحيى، ومسطاسة، والبرانس، وفي الجنوب بني وراين وغياتة.
هوارة قبائل معربة مثل أنكاد ولحلاف، يسكنون في دائرة امسون نفسها وهم بصفة عامة خاضعون ما عدا أولاد بوريما وهي قبيلة ريفية صغيرة منضوية في كونفدرالية هوارة منذ أواسط القرن 19 حافظت على مستوى عدائها لنا.
بني بويحيى نهاب فاسدون لا يفتأون عن مهاجمتنا منذ أن وصلنا تخوم ملوية، المنع الذي طبقناه على الجماعات المعادية في مختلف اللقاءات لإرواء مواشيهم من ملوية بحيث لا يصولون إلا للرديء من الماء.
نحن بالطبع ضويقنا، فيما يخص بني بويحيى من قبل جيرانهم في المنطقة الإسبانية الذين يكونون جزء من هذه الكونفدرالية، بالرغم من حسن الاتفاق المخيم بيننا وبين جيراننا لم يمكن تلافي بعض الصعوبات، نذكر مثلا سهل كرواوى حيث لبني بويحيى جزء من أراضيه التي تحرث والتي تطرح مشكلا جغرافيا.
المتفاوضون حافظوا على الجغرافية كما السياسة وصدق أيضا على خط تقسيم المياه وهذا الخط المختار في الاتفاق الأخير اعتمد كحد بين المنطقتين الفرنسية والإسبانية.
لكن سهل كرواوى حوض مغلق ولا يسمح بمرور مياهه لا للشمال ولا للجنوب بل يحتفظ بها داخله، فماذا سيفعل البوليس؟ لا شيء يمكن له قوله، لكن بني بويحيى يستغلونه ويلتجئون له حالة وصول الخطر.
في هذه القبيلة يعيش عادة الشنكيطي الثائر الذي يريد تجاوز شهرة ماء العينين الذي بعدما حاربنا في النخيلة وسنهاجة ومسون، نودي به سلطانا بتازا في يبراير 1913، سلطته لم تصل بعد لدرجة هامة، ووضعنا وجها لوجه مع بني بويحيى ليس أمرا حساسا سيتغير ويتحول باحتلال تازا، قد يسبب لنا كما في السابق بعض العراقيل في طرق المواصلات سيتم معالجتها بعد احتلال تازا بصفة نهائية.
لنبقى في القبائل الأربعة الكبرى لمطالسا، البرانس، بني وراين، وغياتة حيث تركز مصلحة الاستعلامات بمسون جهودها.
لمطالسا استحسنت فخداتهم الجنوبية دائرة مسون، اولاد احمد، اولاد حكم، وبني موسي شيخ الفخذتين الأخيرتين زار باستمرار مراكزنا في حين أن أولاد احمد أجمعوا على غضبهم من إقامة علاقات حسنة مع السلطات الفرنسية، معتبرين ذلك نفاقا، أما بقي الفخذات فتوجهوا نحو مليلية.