الإلزام بالموافقة في صحة مصطلح ‫(‏المراهقة‬) (الحلقة الثانية) أبو سهل طه بن الطيب بن المحجوب الزياتي السوداني

• الوجه الثاني: مصطلح المراهقة موجود في كلام أهل العلم:
ذِكْر العلماء لمصطلح المراهقة كثير جداً، ولو أردنا نقله لاحتجنا إلى مجلدات نسود فيها صفحات الورق، ولكن أكتفي بكلام أئمة المذاهب الأربعة.
قال محمد بن الحسن الشيباني(1): «وإذا أسلم الصبي المراهق وأبواه كافران فأسلم على يدي رجل ووالاه فهو مسلم، ولا يكون مولاه حتى يجدد ذلك بعد ما يحتلم»(2).
وقال ابن القاسم -وهو يسأل الإمام مالك-: «قلتُ: فإن كان الغلام مراهقاً، والجارية مراهقة، ثم أسلم أبواهما والزوج نصراني؟
قال: إذا كانت مراهقة -كما وصفت- لم يعرض لها، وتُرِكَت حتى تحيض، فإن اختارت دينها كانت عليه، وكان النكاح جائزاً»(3).
وجاء في كتاب الأم: «قال الشافعي: في الغلام المراهق لم يبلغ: يهل بالحج ثم يصيب امرأته قبل عرفة ثم يحتلم بعرفة يمضي في حجه ولا أرى هذه الحجة مجزئة عنه من حجة الإسلام»(4).
وقال الكوسج للإمام أحمد: «قلت: يؤذن الغلام وإن لم يحتلم؟ قال: إذا كان قد راهق»(5) .

• الوجه الثالث: كون المراهقة مرحلة نضجية معينة اصطلاح قديم وصحيح:
قال ابن الأعرابي:« يقال للغلام: مراهق، ثم محتلم، ثم يقال: خرج وجهه، ثم أبقلت لحيته، ثم مجتمع، ثم كهل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة»(6).
فأنت ترى أن الإمام اللغوي ابن الأعرابي أوضح أن المراهقة مرحلة معروفة عند العرب وهي مرحلة مقاربة للبلوغ.
قال ابن السكيت: «يقال: تَفَتَّت الجارية: إذا رَاهَقَت، فَخُدِّرَت، ومُنِعَت من اللعب مع الصبيان»(7).
وكلام الإمام اللغوي ابن السكيت يؤكد وجود مرحلة يطلق عليها المراهقة في البنت تحبس في البيت، وتلزم خدرها، وتمنع من اللعب مع الصبيان، وهذا معروف عند العرب، ويمارسه العرب في السودان إلى الآن، وهو عندنا في القرى، ولعل أهل المدن لا يعرفونه إلا قليلاً!، والله أعلم.
وأوضح علماء اللغة أن المراهقة هي مرحلة ما بين السنة العاشرة إلى إحدى عشرة(8).
وهذا بيان منهم لمرحلة عمرية معينة لها خصائصها وصفاتها.
قال الكفوي: «المراهقة: من تسع سنين إلى خمس عشرة سنة»(9).
وكلام الكفوي يفيد بصورة واضحة أن المراهقة مرحلة عمرية معينة تمتد لسنوات من (9) سنين إلى (15) سنة.

• الوجه الرابع: اصطلاح المراهقة عند المتأخرين امتداد لاصطلاح الأقدمين:
مرحلة المراهقة كمرحلة عمرية معينة تدخل ضمن فرع من فروع علم النفس يسمى بـ(علم نفس النمو): وهو يختص بدراسة وتحليل ما يطرأ على الكائن البشري من التغيرات في الخصائص الجسدية والفيسيولوجية والنفسية والعقلية، المختلفة، في كل مرحلة من مراحل حياته، منذ لحظة تلقيح البويضة حتى الشيخوخة والموت ونهاية الحياة(10).
وتشغل مرحلة المراهقة أهم المراحل التي اهتم بها علماء النفس في علم نفس النمو، لأهمية وخطورة هذه المرحلة من جميع الجوانب الجسدية والنفسية والفكرية والسلوكية.
ولم يأتِ العلماء في (علم النفس النمو) بأمرٍ جديد، بل أخذوا نفس الاسم والمصطلح في اللغات -ومنها اللغة العربية-، واستفادوا من وجود هذه المرحلة عند الأقدمين -ومنهم العرب والمسلمين-، ثم جعلوها مرحلة تربوية معينة.
والمراهقة: هي مرحلة نضجية عمرية، وفترة انتقالية تأرجحية متقلبة، يتحول فيها الصبي من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، وتبدأ من مقاربة البلوغ وتستمر حتى تقترب من سن الرشد.
وهي غالباً من (10) إلى (20) سنة. وأدنى حد عمري لها (9) سنوات، وقد تزيد نهايتها عن (20) فتصل إلى (21)، إلى (25)، وأقصى حد لها في حالات معينة (30) سنة.
ويحصل في هذه الفترة كثير من التغيرات الجسدية، والنفسية، والجنسية.

ويقسم علماء النفس المراهقة إلى ثلاث مراحل:
1 – مرحلة المراهقة الأولى: من (11-14) سنة، وتتصف بتغيرات بيولوجية سريعة.
وعلى هذا ينزل كلام علماء اللغة الذين جعلوا المراهقة بين (10-11) سنة، ولكن يؤخذ في الاعتبار أن النضج عند الأقدمين يختلف عن النضج في عصرنا، مع زيادة سنوات عند علماء النفس.
2 – مرحلة المراهقة الوسطى: من (14-18) سنة، وهنا تكتمل التغيرات البيولوجية.
وهذا أقرب لكلام الجرجاني في التعريفات حيث جعل المراهقة من (11-14) سنة، مع مراعاة الفروق الزمنية والنضجية في الأجيال القديمة.
3 – مرحلة المراهقة المتأخرة: من (18-21) سنة، وفي تلك المرحلة يتحول الفرد إلى إنسان راشد مظهراً وتصرفاً.
وهذا من علماء النفس استصحاباً للحال الأول، باعتبار أن الشاب نضج جنسياً ولكنه لم ينضج فكرياً ونفسياً، فهو وإن كان قد نضج جنسياً إلا أنه تتواصل معه أفكاره ونفسياته المتقلبة والمتأرجحة، فلذلك استصحبوا حاله الأولى وسحبوها على هذه الفترة باعتبار الرشد العقلي والفكري والنفسي والسلوكي، وبعضهم يوصل هذه الفترة إلى العشرين، وهي فترة سنتين أو ثلاث، فليست بطويلة.
وقد أقر أعضاء المجامع اللغوية المعاصرة في كثير من البلاد العربية هذا المصطلح اسماً ومرحلةً.
فقد قال مؤلفو المعجم الوسيط: «المراهقة: الفترة من بلوغ الحلم إلى سن الرشد»(11).
وجاء في معجم اللغة العربية: «مراهقة: مرحلة في عمر الإنسان تبدأ من بلوغ الحلم إلى سن الرشد»(12) .

• فترة المراهقة في السنة النبوية:
لم يرد مصطلح المراهقة صريحاً في السنة النبوية، ولكن جاءت عدة أحاديث تشير إليها، وهي مرتبطة بالجانب التعبدي والأخلاقي والسلوكي.
1 – ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله المعروف والمشهور، ذكر منهم: «وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ»(13) .
والشاب في اللغة: هو من بلغ وكان دون الثلاثين، وهذه فترة المراهقة بعينها.
قال محمد بن حبيب: «وقيل: الشاب: البالغ إلى أن يكمل ثلاثين. وقيل: ابن ست عشرة إلى اثنتين وثلاثين»(14) .
وقال القسطلاني: «(شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ): لأن عبادته أشق لغلبة شهوته، وكثرة الدواعي لطاعة الهوى، فلازمة العبادة حينئذ أشد وأدل على غلبة التقوى»(15) .
2 – وعن عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ»(16) .
قال أبو حامد الغزالي: «اعلم أن الناس قسمان شاب لا صبوة له، نشأ على الخير واجتناب الشر، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعجب ربك من شاب ليست له صبوة»، وهذا عزيز نادر، والقسم الثاني: هو الذي لا يخلو عن مقارفة الذنوب»(17) .
3 – وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»(18).
قال ابن الملقن -معلقاً على الحديث-: «وإنما كان ذلك، لغلبة التقوى التي بسببها ارتفعت الصبوة، فالشباب شعبة الجنون»(19) .
قال الدهلوي (ت: 1176هـ): «وإنما أمر بتفريق المضاجع؛ لأن الأيام أيام مراهقة، فلا يبعد أن تفضي المضاجعة إلى شهوة المجامعة، فلا بُدَّ مِن سَدِّ سبيل الفساد قبل وقوعه»(20).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إمام المذهب هو أبو حنيفة كما هو معروف، ومحمد بن الحسن الشيباني تلميذه. ونقلت عنه، لأنه من مؤسسي المذهب بعد إمامه، وهو من أوائل أئمة الحنفية الذين وصلت كتبهم إلينا.
(2) كتاب الأصل المعروف بـ(المبسوط)(6/375) .
( 3) (المدونة)(2/220-221).
(4) (كتاب الأم) للشافعي (2/142) .
(5) (مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه) (2/ 498) .
(6) (تهذيب اللغة)(6/ 14).
(7) نقله عنه الأزهري في (تهذيب اللغة)(14/ 233).
(8) ينظر:(تهذيب اللغة)(5/ 260)، و(لسان العرب)(10/ 130) .
(9) (الكليات)(ص:871)
(10) ينظر:(علم نفس النمو)(ص:13) د. مريم سليم.
(11) (المعجم الوسيط)(1/378) .
(12) (معجم اللغة العربية المعاصرة)(2/ 951) .
(13) رواه البخاري (2/111) رقم (1423)، ومسلم (2/715) رقم (1031) في (صحيحهما) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- .
(14) (تاج العروس) للزبيدي (3/92) .
(15) (إرشاد الساري)(2/32) .
(16) رواه أحمد في (المسند)(28/ 600) رقم (17371)، وأبو يعلى في (مسنده)(3/ 288) رقم (1749). قال شعيب الأرناؤوط ومجموعته في (تحقيق مسند أحمد)(28/ 600): (حسن لغيره).
(17) (إحياء علوم الدين)(4/49)
(18) رواه أبو داود في (السنن)(1/133)، (برقم: 495)، وأحمد في (المسند)(11/284،285) رقم (6689)، وغيرهما. قال النووي في (رياض الصالحين)(ص: 126): (حديث حسن)، وقال أحمد شاكر في (شرح المسند)(6/242):(إسناده صحيح)، وقال الألباني في (صحيح أبي داود– الأم)(2/401): (إسناده حسن صحيح)، وقال شعيب الأرناؤوط ومجموعته في (تحقيق مسند أحمد)(11/ 285): (إسناده حسن).
(19) (التوضيح لشرح الجامع الصحيح)(6/ 448).
(20) (حجة الله البالغة)(1/316).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *