إبطال تعلق مصطفى العلوي بتولية عثمان للوليد بن عقبة رضي الله عنهما
للأسف الشديد أن مصطفى العلوي لم يكتف بتضليل نفسه، وإنما تجاوز به الأمر إلى تضليل قرائه عن طريق عرضه صورا مكذوبة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه كالتي سبق انتقادها من قبل، وأخرى مغلوطة توهم القارئ أن الخليفة عثمان ولَّى من يُعرف عنه مسبقا أنه لا يصلح للولاية، لشهرة فساده حسب زعم مدير الجريدة وادعائه! كما في قوله: (وكانت هذه الظروف قد استفحلت حينما اختار -أي عثمان- الوليد بن عقبة، الذي كان الخليفة عمر قد طرده حين تبين له أنه فاسد، فعينه عثمان واليا على الكوفة دخلها وهو يقول: أنا أمير، ليستفحل فساده. ويعتقل وهو في حالة سكر، فاضطر عثمان لعزله). فعثمان ولى الوليد على رغم طرد عمر له وظهور فساده، هذا هو الدرس الذي يريد منا مصطفى العلوي أن نستوعبه. دون أن يبين لنا إن كان شُرب الخمر سلوكا ظاهرا على الوليد عند توليته أم بعد توليته؟
لكن الذي له قليل من الاطلاع على كتب السيرة للخلفاء، لَيعلم بالتأكيد أنه لا مطعن في تولية عثمان بن عفان للوليد بن عقبة. بل أقصى ما يمكن أن يقال؛ أنه اجتهد في ذلك، فظن أنه كان يصلح وأخطأ ظنه وهذا لا يقدح فيه، لأن مسألة التولية هي من موارد التقدير والاجتهاد. أما حد عثمان للوليد في الخمر وعزله عن الولاية، فهذا ليس فيه مأخذ على عثمان، بل هو بلا شك من مناقبه، ودليل صدق على عدله.
ولقد كان علي رضي الله عنه يقول: “إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن نفسه، ليقتل رداءه. ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بفعله، وعزله عن عمله” (1). ولو اطلع مصطفى العلوي على صحيح البخاري، لعلم علم اليقين أن حادثة إقامة عثمان حد الخمر على الوليد بن عقبة حسنة من حسناته رضي الله عنه، حيث أوردها البخاري رحمه الله في صحيحه ضمن كتاب فضائل الصحابة في باب مناقب عثمان. هذا كله يا مدير الجريدة دون اعتبار أو نظر في ما أورده بعض المحدثين والمؤرخين من تشكيك في ثبوت شرب الوليد للخمر أصلا. قال الحافظ بن حجر فيما حكاه: أن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه، فشهدوا عليه بغير الحق.(2) والذي يقوي هذا الاعتبار عند من يرى هذا القول، هو ما حكاه الإمام الطبري في تاريخه بقوله: فحلف له (أي لعثمان) الوليد وأخبره خبرهم، فقال عثمان: نقيم الحدود، ويبوء شاهد الزور بالنّار؛ فاصبر يا أخيَّ(3). وباختصار فإن الوليد بن عقبة له صحبة قليلة، وكان محل ثقة، واعتماد الخليفتين أبي بكر وعمر، كما أنه كان موضع سر الخليفة أبي بكر في رسائله الحربية إلى خالد بن الوليد. وعاملا على صدقات قضاعة. ثم أمّره من بعده عمر رضي الله عنه على بلاد بني تغلب، وعرب الجزيرة. وبعد ذلك ولاه عثمان رضي الله عنه الكوفة وأقام عليها خمس سنين، وليس على داره باب، وكان فيه رفق برعيته وهو من أحب الناس إلى أهلها. غزا رضي الله عنه في ولايته هذه الديلم وأذربيجان وجيلان وموقان والببر والطيلسان(4).
تصور فاسد واحتجاج باطل لا أساس له من الصحة
أما حادثة توبيخ علي لعثمان بن عفان رضي الله عنهما، كما نقلها مصطفى العلوي من كتاب إمامه طه حسين بقوله: (وقد كلفت جماهير الغاضبين الخليفة علي كرم الله وجهه ليدخل على عثمان ويصارحه: ” أن الناس ورائي وقد كلموني فيك، والله ما أدري ما أقول لك، إنك تعلم ما نعلم، فالله الله في نفسك، فإنك ما تبصر من العمى، ولا تعلم من جهل، تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، وأن شر الناس عند الله إمام جائر، وإني أحذرك الله، وأحذرك سطوته ونقمته، وأحذرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول فإنه، يقال؛ يقتل في هذه الأمة إمام، فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة”). فأول ما يثير انتباه متصفح المقال ويشد نظره عند قراءة هذا النص، هو قوله علي كرم الله وجهه. مع أن المؤكد هو أن مصطفى العلوي ليست عادته الترضي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد ذكر في مقاله كل من أبي بكر والفاروق عمر وطلحة والوليد بن عقبة وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سعد دون أن يترضى عن أحد منهم. وتخصيصه هذا لعلي رضي الله عنه بقوله كرم الله وجهه دون غيره من الصحابة، هو تخصيص لا وجه له من الشرع، إلا عند غلاة أهل البدع من الشيعة الروافض. والأصل في اصطلاح أهل السنة في الصحابة هو الترضي عن كل صحابي يجري ذكره؛ لقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} (التوبة:100).
أما نص قصة دخول علي على عثمان رضي الله عنهما، فإن في إسناده محمد بن عمر الواقدي، قال فيه أحمد بن حنبل: هو كذاب، وكذبه أبو حاتم والنسائي، وقال بن راهويه: هو عندي ممن يضع الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: لا يكتب حديثه، وقال البخاري وأبو حاتم أيضا: متروك، وقال ابن المديني: لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء(5). وقال الذهبي: استقر الإجماع على وهن الواقدي(6). كما أن الطبري استفتح القصة في تاريخه بقوله: وأما الواقدي فإنه زعم أن عبد الله بن محمد حدثه عن أبيه(7). فقوله (زعم) تشكيك في سماع الواقدي من عبدالله بن محمد، لمعرفته رحمه الله بحقيقة قدر الواقدي عند أهل الجرح والتعديل.
فالقصة لا أساس لها من الصحة، أما مصطفى العلوي وهو لا يفقه هذا العلم، ولا يدرك أغواره، فحسبه لو كان عاقلا أن يزن الأمور جميعا هذا وهذا. لكن للأسف الشديد صدق فيه قول القائل: “إن الجاهل بمنزلة الذباب الذي لا يقع إلا على العقير (الجرح) ولا يقع على الصحيح”.
والذي أوقعه في هذا الوضع المخزي هو ارتماؤه بتهور في أحضان مسيلمة أهل مصر طه حسين، مقتفيا آثاره في بناء صورة شوهاء من روايات المغرضين ودعايات المضللين، دون النظر منه في حسنات القوم وفضائلهم التي اشتملت عليها آيات كتاب الله وأحاديث رسوله، من وصفهم بالسبق والتراحم وكثرة السجود والصدق وصلاح القلوب وهجرة الأوطان وترك الأموال ونصرة الدين وابتغاء الرضوان. أما عن عثمان بن عفان رضي الله عنه خاصة، فهو باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وثالث الخلفاء الراشدين المهديين، الذين أمرنا باتباع سنتهم والمحافظة عليها. ولعل في هذا كفاية، أسأل الله العظيم أن يهدي مصطفى العلوي لقبول الحق والرجوع إليه، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الخلفاء الراشدين 3/ 308 للصلابي.
(2) الإصابة في معرفة الصحابة 3/247.
(3) تاريخ الطبري 3/329.
(4) تاريخ الطبري 3/308. وتاريخ الخلفاء الراشدين 3/304 – 310، وانظر المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك لابن الجوزي، والبداية والنهاية لابن كثير. والكامل في التاريخ لابن الأثير.
(5) مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ص123، للشيخ ربيع المدخلي. ومجموع البحث في سند هذه القصة مستفاد من هذا الكتاب، مع النظر والرجوع إلى المراجع المعتمدة من طرف صاحبه.
(6) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3/366
(7) تاريخ الطبري 3/375.