بلاغات ثلاث بعد نبأ الوفاة أنس بوابرين

بينما نحن في برية المشاغل، نسيح في دنيا الشواغل، إذ بلغنا نبأ وفاة ثلاثة من الأحباب؛ حسن رفراف وتوفيق وهشام القاطرة، قضوا نحبهم رحمهم الله في حادثة سير (في طريق أوريكة نواحي مراكش) يوم الإثنين 7 يناير 2013م، وكانوا في طريقهم يؤمون فصولهم الدراسية هناك بين هاتيك المفاوز لتأدية الرسالة النبيلة، إذ كانوا رحمهم الله ثلاثتهم رجال تعليم..
كنتم رحمكم الله رجالا بحق، لم يعلم منكم إلا النبل فيما تبلغون، والتفاني فيما تعملون، مما عهد به إليكم من تعليم أبناء المسلمين، وتربية أولئك المتمدرسين..
كان تلامذتكم في الانتظار كالشأن في كل مرة، لكن الله قدر هذه المرة أن لا تكملوا طريقكم إلى أحبابكم الصغار، فقد أتى الأمر من السماء أن تطوى الصحيفة فلم يعد للكتابة فيها مجال، ولم يعد التبليغ بالإمكان، وستبقى الكراسات شاهدة بكل حرف..
وها هو ذا الفصل الدراسي أضحى خاليا إلا من عمل سيكتب وتؤجرون، بالأمس فقط كانت الجدران ترتج بصوتكم أيها الأفاضل رحمكم الله، تشرحون مبهما وتكشفون غامضا وتدلون على الخير، وتحيون أسس الفضيلة، واليوم تسيل الدموع على الخدود لفراقكم، ويمزق الصمت الرهيب تلك الأركان الأربعة التي كنتم تجولون فيها كل يوم تلقنون في عقول الصغار ما يصيرون به كبارا، وتنحتون في قلوبهم ما ينطق به حسن سمتكم، فلله دركم.
وبهذا النبأ المحزن أذكر إخواني ببلاغات ثلاث:
الأول: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)؛ فلا يغتر أحد بدنيا الناس، فإنك إذا مت قالوا ماذا ترك؟ لكن الملائكة تقول: ماذا قدم؟ فلا تترك الكل فيلحقك الكل.
الثاني: بلاغ الإشهاد: الثلاثة كانوا رحمهم الله شبابا أهل استقامة أجرى الله على ألسنة الخلق حسن الثناء عليهم، والشهادة لهم لا عليهم. وقد جرى بيني وبين أحدهم مكاتبة في مسألة علمية غير بعيد عن موعد وفاته، فأشهد بالله لقد كان في غاية الأدب وجرى قلمه بما ينبئ عن كريم الخصال، فما ظنك بمن خطت أنامله بتوفيق من الله قريبا من يوم وفاته خطابا في منتدى جامعة المدينة العالمية بماليزيا، وكان زميلا لي فيها؛ كتب يسأل بوجه الله أن يدعو كل أحد لإخواننا في الشام، وما كان رحمه الله يدري أن الوأي سبق فصدق، وأنه سيصير مدعوا له بعد أن كان بالأمس داعيا، وقد توفاه الله صائما في يوم تعرض فيه الأعمال على الله، وزاد على الفرض أن تطوع بتعليم الأيتام إلى جنب كوكبة من الخلان نذروا أنفسهم لتقديم الخدمة لعيال الله.. فلا عليك رحمك الله إذا مت على مثل هذه الحال.
وآخر من الثلاثة كان آخر العهد منه تلك الكبد الرطبة، إذ ذكر لنا أنه ليلة مماته كان يلاعب ابنه جريا على معاني الأبوة وضربا بسهم الرحمة الذي يتراحم به العباد فلا حرمك الله جزءا من التسعة والتسعين جزءا التي ادخرها عنده لعباده الصالحين.
البلاغ الثالث: حياة بعد الممات:
وقبل القدر المحتوم كتب الله لأحدهم صدقة جارية نحتسب عند الله قبولها بقبول حسن، وذلك أنه دفع ثمن اشترك سنوي في جريدة السبيل -نسأل الله لها دوام النصرة-، فشكر الله سعيك أيها الأخ الكريم، وأنار عليك قبرك ما أنارت كلمات السبيل التي تهتز على عرش هذا المنبر داعية الخلق إلى الحق، مبصرة بنور الوحي الطريق لأهل الحيرة والعمى.
تجهزي بجهاز تبلغين به يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
وسابقي بغتة الآجال وانكمشي قبل اللزام فلا منجا ولا غوثا
والله يعلم منكم يا إخواني رحمكم الله ما لا نعلم، وإنما شهدنا بما نعلم، فاللهم أنت أهل الوفاء والحق اغفر لهم وارحمهم واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *