حقيقة شخصية “البابا نويل” أصلها وأبعادها الدينية والاجتماعية والتاريخية طارق حمودي

“البابا نويل” شخصية خيالية، وُصفت بكونها حاملة الهدايا للأطفال الصالحين في عيد مولد عيسى عليه السلام زعموا، راكبا عربة طائرة تجرها الآيائل.

ويوصف بكونه رجلا سمينا بلحية بيضاء كثة وطويلة، لابسا معطفا أحمر بفرو أبيض، يسكن القطب الشمالي، ومحاطا بجيش من الأقزام من صانعي اللعب.
و”البابا نويل” هو الحلقة الأخيرة في سلسلة من الشخصيات الخيالية التي وُصفت بأنها حاملة الهدايا إلى الأطفال يوم عيد النصارى[1]، ومنها الساحرة (بيفانا) التي كانت تمتطي مكنسة، تفرق الهدايا في الليلة الخامسة والسادسة من الشهر الأول، وهي شخصية خيالية من التراث الإيطالي، وقيل بل تطير على فرس تنتقل على صهوته من مدخنة لأخرى كما في موسوعة العلم والمعرفة الفرنسية (7/656).
و(فروهول) في ألمانيا، والملوك السحرة الثلاثة: (بَلْتَزار) و(ميلشيور) و(كاسبر)، حسب إنجيل ماتيوس[2] وهم ثلاثة حجاج رحلوا لرؤية المسيح بعد ولادته، وهم الذين نعتوه بـ(المسيح) أي (المخلص) حسب الترجمة النصرانية. والذين خرجوا يبحثون عن ولد يكون ملكا على بني إسرائيل، واهتدوا بنجم في السماء يسمى (نجم بيت لحم) قادهم إلى بيت لحم حيث رأوا المسيح وأهدوه ذهبا (إشارة إلى أصله)، وبخورا (إشارة إلى علو قدره) وحنوطا (إشارة إلى عذابه وموته) كما يقول النصارى. ويقال إنهم أربعة. وجعلتهم الكنيسة الأرمينية اثنا عشر، وليس في الأناجيل الأربعة أنهم ملوك أو أنهم ثلاثة أو أربعة أو غير ذلك، ليس فيها سوى أنهم سحرة. وتضاربت الأقوال في أصولهم. والمشهور أنهم ثلاثة يمثلون إفريقيا وأوروبا وآسيا.
وهذه إشارة دينية قوية ممن وضع هذه الحكاية إلى أن رسالة المسيح عالمية! وكذبوا.. إنما بعث إلى بني إسرائيل.
ومن الناحية التربوية، يُعلَّم الأطفال أن هؤلاء الثلاثة يراقبونهم ويراقبون تصرفاتهم، فمن أحسن منهم أهدى له الثلاثة الهدايا يوم عيد الميلاد.
والقديس مارتن -ولعله القديس مارتن الأول المقتول سنة 655م والذي يحتفل باستشهاده في الثاني عشر من نونبر-، والقديسة كاترين، والقديسة باربا الرومانية التي قتلها والدها في القرن الخامس عشر لكونها تنصرت، ويزعمون أنها “شهيدة المسيحية”، ويقام احتفال تخليدا لذكراها يوم الرابع من دجنبر؛ ولاحظ الطعم الديني للقصة.
ومن تلك الشخصيات، بل من أبرزها وأهمها القديس -زعموا- نيكولاس، ذي الأصل الاسكندينافي من شمال أوروبا[3] والذي يذكر أنه ولد في (ليسي) في جنوب تركيا الحالية، وكان إفيك كنيسة مير.أي ما يشبه المفتي والقاضي بأحكام الإنجيل!
وعاش في القرن الرابع الميلادي في جنوب تركيا، والذي عاصر نتائج مؤتمر مدينة (نيسي) وهي اليوم مدينة (إيزنيك) بتركيا سنة (325م) ويحكى أنه أنقذ خلالها ثلاثة أطفال. ولذلك وُصف بحامي الأطفال، بل تذكر بعض الروايات أنه أحياهم بعد مرور سبع سنوات على قتل جزار لهم في بيته ليلا بعدما تاهوا ودخلوا داره ظانين فيه الأمان!!
وكان يفرق الهدايا يوم السادس من الشهر الثاني عشر الميلادي. وهو المعروف عند النصارى أيضا بيوم الملوك الذين مر ذكرهم. وكان يتنقل في البلدان ممتطيا حمارا له بصحبة “الأب فويطار” الذي كان يعاقب الأولاد السيئين. والذي يسمى في لورين (هانس طراب)، وكانت قصته منتشرة جدا في كثير من دول أوروبا، وخصوصا في شمال وشرق فرنسا.
وفي سنة 1809 تخيل الكاتب الأمريكي (واشنطن إيرفين) ( (1783-1859 القديس نيكولاس يجوب الشوارع لتفرقة هدايا الأطفال على حصان أبيض وفق التصور الهولاندي.
ويعتبر مُلهمَ وحاميَ العزاب من الشباب كما تعتبر القديسة كاترين ملهمة وحامية الفتيات، وهو أيضا ملهم البحارة وحاميهم في العواصف البحرية!
وتوفي كلاوس في السادس من دجنبر، ويحتفل بذلك. ليلة الخامس منه كل عام!
وفي أيام الحملات الصليبية حملت بعض آثاره إلى باري في إيطاليا، وسميت بعد ذلك باسمه سان نيكلاس دوبور، وصارت مقصدا للحجاج النصارى.
ثم ظهرت شخصية (البابا نويل)، وكانت من اختراع الكاتب والشاعر الأمريكي (كليمان كلارك مور) سنة 1823م والذي استوحاه من مجموع الحكايات والأساطير والخرافات المستصحبة من مختلف البلدان مع المهاجرين الأول القادمين من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا الهولانديين، وكان يعتمد أساسا على شخصية القديس نيكولاس المعروف عند الهولانديين بسانتير كلاوس -لاحظ الجانب الديني في الأسطورة- وكتب عنه قصته: (زيارة القديس نيكولاس).
ويعرف عن سانتا كلاوس (القديس كلاوس) بعد آخر التعديلات أنه يفرق الهدايا ليلا يوم 24 و25 من دجنبر ممتطيا عربة طائرة يجرها ثمانية أوعال.
(ولست أدري ما علاقة هذا بما روي أن عرش الله تحمله ثمانية ملائكة وفي رواية ضعيفة عند أبي داود أنها أوعال!!! ولفظه ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش). وانظر تخريجه في ضعيفة الشيخ الألباني رقم (1247)، فإن هذه المسألة لا يبعد أن تكون من معارف النصارى، بل بعض الحضارات قبلها، فقد سمعت مرة الأستاذ محمد قطب يذكر في محاضرة له أنه وجد في بعض المعابد الفرعونية رسما على جدار يمثل الإله جالسا على عرشه ويحمله ثمانية من المخلوقات يقرب أن تكون ملائكة! وقد لا يكون بينهما شيء والله أعلم.
وأول ظهور لهذه الأوعال في الثقافة النصرانية كان بسبب الشاعر الأمريكي (ويليام كياي) سنة 1821م، ثم ذكرهم الشاعر الأمريكي أيضا (كليمان كلارك موور) سنة 1882م.
وقد جعلوا لها أسماء، أربعة منها ذكور وهي (الإعصار) و(الغاضب) و(الشهاب) و(الرعد)، وأربعة إناث وهي (الراقصة) و(الرشيقة) و(كيوبيد) و(البرق). ويذكرون أن من هذه الأوعال وعل له أنف أحمر مضيء اسمه (رودولف) يستنير به (البابا نويل) في رحلاته أثناء الضباب. ولعلها (البرق) فإنهم يذكرون أنها غالبا ما تعتبر ذكرا!
ولكنه لم يستقر وصفه على ما يعرف عنه اليوم إلا سنة 1860م. حيث رسمه الرسام الأمريكي وأحد أكبر الكاريكاتوريين (توماس ناست) من مدينة نيويورك لمجلة (هاربر) الأمريكية في صورة رجل شيخ كبير بلحية بيضاء على ما ذكرنا أولا، محاط بلعب وهدايا مشيرا إلى أصله الفنلاندي والصورة الأصل.
وناست هذا هو الذي رسم رمزي الحزبين الجمهوري والديقراطي الأمريكيين (فيل وحمار)!! وهذا يشعر المرء بسذاجة عقول هؤلاء.. فيل وحمار شعرا أكبر حزبين في الولايات المتحدة. ومع ذلك استطاع الفيل والحمار أن يغلبا حيوانات مفترسة كثيرة!!
والذي يلاحظ أن صانعي هذه الشخصية وما يحوم حولها كلهم أمريكيون، ولعل هذا يتناغم مع كون الأمريكيين يمثلون الكوكتيل السياسي والديني والاجتماعي لأوروبا. فمادة هذه الخرافة أوروبية، انتقلت مع المهاجرين منهم إلى أمريكا، والصناعة بتفاصيلها أمريكية.
استعملته شركة كوكا كولا في إشهارها في سنة 1930 و1950 حتى ظن البعض أن الشركة هي التي اختارت أن يكون لباسه أبيض وأحمر لتناسب ألوان إيقونة المشروب؛ ولم يعرف في فرنسا مثلا باسم البابا نويل إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
فهل من منتبه.. وستمتلئ شوارع مدن المغرب وأزقتها بممثلين لهذا البابا نويل أمام الساحات العامة والمنتزهات في مدن كالرباط والدار البيضاء والقنيطرة وغيرها.. ولعل مثل هذا المقال يظهر مصداقية الفتاوى المانعة من مشاركة النصارى في أعيادهم. والله المستعان.
———————-
[1] ـ أقصد عيد ميلاد المسيح عليه السلام الذي يحتفل به النصارى يوم الخامس والعشرين من دجنبر . وتجدر الإشارة هنا للفائدة إلى أن أصول هذا العيد شبه مجهولة وفيها خلاف كبير. ففي موسوعة (العلم والمعرفة/ الجزء السابع صفحة 656) أن: “أصل اختيار هذا اليوم كان من أوائل مسيحيي روما في القرن الرابع بعد الميلاد، وكان هذا تأثرا بالتقويم الروماني القديم؛ حيث كان الرومان في اليوم الخامس والعشرين الميلادي يحتفلون بعيد (الشمس التي لا تهزم) فجعل المسيحيون شمسهم المسيح عليه السلام”، وبذلك ابتدع هذا العيد من أصل وثني.
[2]- وهو أحد نقلة الروايات الأربعة المشهورة للإنجيل وهي رواية (متى أوماتيوس) (يوحنا) وهما حواريان، ورواية (مورقس) و(لوقا) وهما من تلاميذ الحواريين! وتسمى أناجيل مرقس ولوقا ومتى الأناجيل المتشابهة لأنها تتطابق في غالب نصوصها بل وتستعمل غالبا نفس العبارات بخلاف إنجيل يوحنا. ويعتبر الباحثون النصارى أن أقدمها هو إنجيل (مَتَّى) وأنه كان مصدرا من مصادر (مرقس) و(لوقا) في إنجيليهما. بل اعتبر بعضهم أن الثلاثة كلها رواية (مَتَّى). ويتفق الباحثون النصارى المعاصرون أن يوحنا كتب إنجيله بعد الأناجيل الثلاثة.
[3]ـ ومن هناك أيضا استورد نصارى أوروبا الجنوبية استعمال شجرة الأرز في احتفالهم بعيد الميلاد ولا يخفى أن أصلها وثتي أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *