كل إنسان على وجه الأرض يتمنى أن يطول عمره ويعيش خالدا مخلدا، وهذه فطرة إنسانية، ولهذا خاطب إبليس آدم عليه السلام بقوله: {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى}، فحدثه بنقطة ضعفه وهي أن يعيش حياة طويلة، ولهذا عصى آدم ربه وأكل من الشجرة التي يحسب أنها ستكون سببا في خلوده وعدم موته، فحب الإنسان للخلود وطول العمر قضية أساسية في الحياة، ولهذا نلاحظ كل الجهود البحثية في علم الطب والصحة تركز على توفير العيش الآمن للإنسان وإطالة عمره في الحياة، وقد قرأت تقريرا صحيا مفاده أن أكثر ما يطيل عمر الإنسان من الناحية الصحية (وكل شيء بقدر الله) ثلاثة أمور أساسية، وهي «التوازن في الطعام، وممارسة الرياضة، وترك التدخين»، ونستطيع أن نضيف على هذا التقرير أن شهر رمضان المبارك هو السبب الرابع لإطالة أعمارنا، وليس المقصود بالعمر هذا العمر الزمني المدون بشهادة الميلاد أو شهادة الوفاة، ولكن المقصود هو مضمون العمر بما فيه من أعمال صالحة ومباركة ومؤثرة، فربما يموت الإنسان عن عمر يناهز السبعين عاما ولكن لو حسبنا أعماله لوجدناها تعادل من عاش ثمانية آلاف سنة، وهذا ما يحققه لنا شهر رمضان المبارك ولهذا سمي هذا الشهر بـ«المبارك»، فهو مبارك في أيامه وأعماله وثوابه وبنزول القرآن فيه.
لقد أخبر النبي الكريم بأن أعمار أمته بين الستين والسبعين، بينما كانت الأمم السابقة تعيش أعمارا طويلة، ولهذا أكرم الله تعالى أمة محمد عليه الصلاة والسلام بثلاث هدايا تجعل أعمارهم طويلة وإن قصرت، وهي «النية، ومضاعفة الحسنات، وليلة القدر» وهذه الهدايا هي التي تجعلنا نعيش أعمارا مديدة، فالنية تكسبنا الأجر والثواب حتى لو لم نقم بالعمل لظرف قاهر، كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة» (رواه البخاري ومسلم)، فهذا الكرم الرباني يفيدنا بزيادة أعمارنا بالنية، فأمر النية عظيم في طول العمر ولهذا قيل: «رب عمل صغير تكبره النية».
أما الهدية الثانية فهي مضاعفة الحسنات وتحديد السيئات، فقد قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون} وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها» ففي هذه الآية الكريمة والحديث النبوي أن الإنسان بكثرة حسناته وقلة سيئاته يعيش أعمارا مديدة وسنوات مضاعفة، لأن العبرة بكثرة الثواب والأعمال لا بعدد السنوات التي يعيشها الإنسان، وكما قيل فإن الدنيا صندوق العمل، فلو خيرنا بين أن نعيش مائة عام وأعمالنا كشخص عاش ألف عام أو أن نعيش ألف عام وأعمالنا كمن عاش مائة عام! فلا شك أن الأول أفضل.
أما الهدية الثالثة فهي «ليلة القدر» فقد قال الله عنها: {ليلة القدر خير من ألف شهر}، وألف شهر يعني 83 سنة وزيادة تقريبا، فلو عاش الواحد منا سبعين سنة واستطاع أن يوفق في 10 سنوات منها بليلة القدر فيكون قد أخذ ثواب 830 سنة، ونزيد عليها عمل 70 سنة وهو عمره الذي عاش فيه، فيكون المجموع كأنه عاش 900 سنة، وهذا كرم عظيم من رب العالمين لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذه هي الهدايا الربانية الثلاث التي تطيل أعمارنا، والملاحظ أن الهدية الثالثة خاصة بشهر رمضان، ولهذا نحن نقول إن شهر رمضان يطيل عمر كل صائم قائم، فلو اجتهدنا في العشر الأواخر من رمضان وبالذات في أيام الوتر منها فإننا سنفوز بإذن الله بالثواب العظيم، لأنها خير من ألف شهر وليست هي ألف شهر فيعني ذلك أن الأجر والثواب مفتوح في هذه الليلة، وهذا كله يزيد من طول عمر الإنسان بهذا الشهر الكريم لأن العمر يطول بكثرة العمل والثواب.