رحلة «إليزابيت» من فرنسا إلى الإسلام عبر المغرب مصطفى الونسافي

من الظلمات إلى النور (6)

نعرض في هذه السلسلة قصصا مؤثرة لأناس عاشوا فترة من أعمارهم بعيدين عن ربهم، تائهين عن طريق الهدى، تتقاذفهم أمواج متلاطمة من الشهوات والشبهات، قبل أن يتسلل نور الإيمان إلى قلوبهم، ليقلب بؤسهم نعيما، وشقاءهم سعادة..
إنه نور توحيد رب العالمين، إنه قوت القلوب وغذاء الأرواح وبهجة النفوس

قصتنا هذه المرة لـ«إليزابيت ستيف»، أو مريم كما تحب أن تنادى اليوم، شابة فرنسية على مستوى عال من العلم والثقافة، اختارت أن تترك كل مظاهر الحياة وفق المنظور الغربي المنفلت، لتسلم وجهها لله وتنقاد لأمره ونهيه سبحانه وتعالى.
فكيف كانت حياة «إليزابيت» قبل أن تسلم؟
وما الأسباب التي دعتها لترك ما كانت عليه لتدخل في دين ناله كثير من التشويه والمحاربة في الغرب؟
هذه قصة إسلام أختنا مريم كما حكتها لنا:
«أنا في الحقيقة لم أكن أهتم بالدين، وكنت أجده معقدا أو لا منطقيا، كما أن البيئة حيث نشأتُ لا يُحترم فيها الدين عموما، ويُنظر فيها إلى المتدينين من مختلف الملل والمعتقدات على أنهم أشخاص متشددون ومنغلقون.
في صغري، اعتدت على السفر كثيرا برفقة عائلتي إلى المغرب، وكنت ألتقي بمسلمين، حيث تعرفت من خلالهم على بعض الجوانب في الإسلام إذ كانوا يكلمونني عنه، وكانوا في منتهى اللطف معي، لكنني كنت أنزعج أحيانا حين يكثرون من الحديث عن الدين.
بالنسبة لي كنت معجبة باللغة العربية، وكنت متحمسة لتعلمها، ولذلك تفرغت لتعلمها في وطني ثم في المغرب؛ وعندما كبرتُ لم أتوقف عن السفر إلى المغرب الذي يذكرني بالطفولة، فكنت ألتقي بمسلمين كما العادة، وكان لدي كثير من الصديقات المغربيات؛ وبرغم الانزعاج الذي كنت أحس به عند الحديث بكثرة عن الإسلام، إلا أنني كنت أشعر بالفضول لمعرفة المزيد، فكنت أقرأ القرآن الكريم في الأنترنت بلغتي الفرنسية، وكنت أجده مثيرا وصعبا في آن، لكن بعد إسلامي فهمت أشياء كثيرة في هذا الكتاب العظيم.
في إحدى زياراتي إلى المغرب قبل أن أسلم، أهدتني صديقة مغربية نسخة من القرآن الكريم، وكانت هذه الصديقة أيضا من المزعجين لي (تضحك)؛ أعجبتني الهدية، إذ لم يكن لدي قرآن، ولم أفكر في شرائه، فحتى تلك اللحظة كنت ما أزال أعتبر الإسلام مجرد ثقافة عادية كغيرها.
وفي آخر مرة جئت فيها إلى المغرب أخذني فضول كبير لمعرفة حقيقة هذا الدين، فشرعت في مطالعة بعض الكتب الإسلامية، وكان أول ما قرأت عن سيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فقرأت باهتمام وتأمل بعكس ما كنت أقرأ في السابق، وكنت أطرح أسئلة على نفسي ولم أستعن بأحد، وحين اطلعت على سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام كنت أبكي، وصدقت كل شيء عنه وآمنت بكل شيء قاله، ولم أجد سببا يجعله يكذب، خاصة حين لاحظت أنه مهتم بالإيمان، والتوحيد، والحياء…
لقد كان اطلاعي على سيرة رسول الله من أهم أسباب إسلامي، كما أن تأملي لمسألة الوجود وفق المنظور الإسلامي غير جذريا كثيرا من القناعات التي ترسخت عندي بما راكمتُه من معارف في الثقافة الغربية.
والحقيقة أن عقيدة التثليث لا أحد يجدها معقولة، فالنصارى يعرفون أن ذلك غير منطقي، ونحن نكذب على أنفسنا بمثل هذه المعتقدات.
اليوم وأنا مسلمة بدأت أدرك أن الحياة بدون الإسلام تافهة، فالله سبحانه وتعالى خلقنا لنعبده وفق منهج قويم وصراط مستقيم، وقد عرفت عن طريق الإسلام أن لدي هدفا في هذه الحياة يتوجب عليّ السعي إلى تحقيقه، وأن أقوالي وأفعالي وكل حركاتي وسكناتي يمكن أن تكون عبادة أؤجر عليها، أو خطايا أحاسب عليها.
لقد تغير تفكيري ونظرتي إلى الحياة، إذ لم أكن أحاسب نفسي على أخطائي، أما اليوم فإنني أصلي وأدعو الله عز وجل وحده دون أي وسيط بيني وبينه؛ فكل هذه الأشياء عرفتها فقط في الإسلام، لذلك أشعر بعد إسلامي بأن لي قيمة في هذه الحياة.. -لتختم بالقول- أنا سعيدة لأني عرفت الحق».
هكذا هي اليوم أختنا مريم، لقد وُلدَت من جديد، وأصبحت ترى الحياة بالشكل الصحيح، فقد هداها الله إلى دين الفطرة، ونور بصيرتها بالحق .. {أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [سورة الزمر].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *