المتأمل في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، يرى كثرة الوسائل والأساليب التربوية التي انتهجها نبينا صلى الله عليه وسلم في تعليمه للأمة وإصلاحه لها، وذلك من خلال تعليمه وتربيته لأصحابه.
ومِن هذه الأساليب التربوية: التعليق على بعض الأقوال والمواقف والأحداث التي تقع أمامه وهو مع أصحابه، والتي من خلالها يصحح أمراً وفهما خاطئاً، أو يعطي ويكسب قيمة خلقية أو سلوكية. والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة الدالة على ذلك، ومنها:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعضِ الكلام، فقال: ما شاء اللهُ وشئتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أجعَلْتني مع الله عِدلًا ـ وفي لفظ: ندَّاً ـ، لا، بل ما شاءَ اللهُ وحده) رواه أحمد وحسنه الألباني.
وفي رواية: (ما شاءَ اللَّهُ ثمَّ شئتَ). (عدلا ـ وفي لفظ: ندا) يعني: أجعلتني شبيهاً لله، ومثيلاً لله، وشريكاً له في المشيئة، ثم أمره أن يستبدل هذه اللفظة بلفظة التّوحيد فيقول: ما شاء الله وحده، وهذا إرشاد إلى الأكمل بأن يقول: ما شاء الله وحده، وإذا قال: ما شاء الله، ثُمَّ شئت، فهذا بيانٌ للجائز.
قال الهروي: “لِمَا فيه من التسوية بين الله وبين عباده، لأن الواو للجمع والاشتراك (ولكن قولوا: ما شاء الله) أي: كان، (ثم شاء فلان) أي: ثم بعد مشيئة الله شاء فلان، لأن ثم للتراخي”.
وفي غزوة حنين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض حديثي العهد بالجاهلية الذين أسلموا متأخرين بعد فتح مكة، وكانت لبعض القبائل ـ قبل الإسلام ـ شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها للتبرك بها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها.
يقول أبو واقد الليثي رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مَرَّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة (طريقة) من كان قبلكم) رواه الترمذي وصححه الألباني.
على الرغم أن من قال هذا ممن أسلم حديثا، ولم يمض على إسلامهم وقت كاف لتعلم تعاليم الإسلام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك موقفهم وكلامهم دون تصحيح وتحذير، فوضح لهم ما في طلبهم من معاني الشرك، وحذرهم من ذلك، ولم يعاقبهم أو يعنفهم، لعلمه بحداثة عهدهم بالإسلام، وجهلهم بما يقولون.