الشهوة الجنسية بين الضوابط الشرعية والفوضى العلمانية محمد أبو الفتح

فقد جعل الله تعالى في الذكَر خَلَّةً وضعفا لا تسده إلا امرأة من جنسه، وجعل في الأنثى خَلَّةً وضعفا لا يسده إلا ذكَر من جنسها، ولا يحصل لأحدهما الاستقرار النفسي إلا بعد أن يجد شطره الثاني، فإذا وجده سكنت نفسه، واطمأنت روحه، وقر قراره، قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم21.
إن الرغبة الجنسية شيءٌ طبيعي خلقه الله تعالى في الإنسان، كما خلق فيه شهوة الطعام والشراب، وغيرهما من الشهوات التي بثها الله تعالى في النفوس البشرية، قال تعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ” (آل عمران14).

خلق الله تعالى فينا هذه الشهوات، وشرع لنا شرعا حكيما، يضبطها وينظمها، حتى لا تنحرف بنا عن سبيل الله، ولا تزيغ بنا عن نهجه القويم، وبتلك الضوابط والتشريعات مَيَّزنا الله تعالى عن الحيوان.
فلشهوة الطعام أحكام وآداب، ولشهوة الشراب أحكام وآداب، ولشهوة المال أحكام وآداب، وكذلك للشهوة الجنسية أحكام وآداب تنظمها وتهذبها، بحيث تتحقق بها مصالح خاصة وعامة، وتندفع بها مفاسد خاصة وعامة، وبدون تلك الضوابط والقيود تتحول تلك الشهوة إلى نار تحرق الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، وتهوي بالمجتمع إلى الحضيض، وتعرضه لعذاب الله ونقمته، قال تعالى: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ” (الإسراء16).
فالشهوة الجنسية غريزة فطرية متجذرة في الإنسان، لا يمكن تجاهلها ولا إلغاؤها، كما لا يمكن للبشرية مضادتها ولا معاكستها، فلم يكن بُدٌّ من توجيهها وتهذيبها، ولما حاول الرهبان معاكسة هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها كثرت فيهم الفضائح الجنسية من زنا ولواط.
فقد جعل الله تعالى في الذكَر خَلَّةً وضعفا لا تسده إلا امرأة من جنسه، وجعل في الأنثى خَلَّةً وضعفا لا يسده إلا ذكَر من جنسها، ولا يحصل لأحدهما الاستقرار النفسي إلا بعد أن يجد شطره الثاني، فإذا وجده سكنت نفسه، واطمأنت روحه، وقر قراره، قال تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم21.
ولذلك لما خلق الله تعالى آدم خلق له حواء وهو لازال في السماء، كما قال عز وجل : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء” النساء1، تماما كما خلق الله له في الجنة ما يحتاج إليه من طعام وشراب فقال: “إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى(119)”.
ثم جعل الله تعالى الزواج سنة الأنبياء جميعا فقال عز وجل: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ” الرعد38.
ودعا إليه رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج” ، وأمر العاجزين عن الزواج بالصوم والاستعفاف فقال في الصوم: “فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”(متفق عليه). وقال تعالى في الاستعفاف: “وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ” النور33.
وجعل تبارك وتعالى للزواج أحكاما وآدابا تحفظ بها حقوق الزوجين والأبناء، فقال سبحانه: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”النساء19، وقال سبحانه: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ “البقرة228، وقال في شأن الأولاد: ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ” البقرة233.
وفي المقابل حرم الله تعالى الزنى وحرم الأسباب الموصلة إليه، وسد الذرائع والطرق المفضية إليه، فقال عز وجل: “وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً”الإسراء32، وأمر بغض البصر عما حرم فقال: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ” النور30، وشرع الحجاب للنساء فقال: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً”الأحزاب59، ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، فقال: “لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم” (متفق عليه). وغير ذلك من التشريعات الحكيمة التي تحصن المسلم وتجعله في منأى عما حرم الله.
وبالجملة فإن الشرع حثنا على الزواج ورغبنا فيه، ونهانا عن الزنا، وسد علينا المنافذ إليه، وبهذا توجه الشهوة الجنسية لتكون نافعة للفرد والمجتمع، زيادة على قضائها على الوجه الشرعي من الأجر والثواب، مما جعل الصحابة يستغربون ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم متعجبين: “أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر” فقال صلى الله عليه وسلم: “أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا ” (مسلم).
هل يستوي هذا الشرع الحكيم بدين العلمانيين القائم على تفريغ الشهوة الجنسية من غير عقد، ولا قيود شرعية؟! وذلك بدعوى الحرية والحداثة، فإذا وجد أحدهم امرأة تطاوعه على ما يريد، نزا عليها كما ينزو الحيوان على أنثاه، فإذا قضى وطره منها انتقل إلى غيرها، من غير أن يكون لها ولا لأبنائها منه حقوق.
هكذا يريد العلمانيون أن يجعلوا مجتمعنا مثل مجتمع بهيمة الأنعام بل أضل، بل للحيوانات نظامها ووقت ضِرابها، وصدق الله تعالى حين قال: “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” الأعراف179. فلذلك فإن العلمانيين لا يألون جهدا في محاربة الفضيلة والحجاب، وفي نشر الرذيلة والفساد، فتجدهم يزهدون الناس في الزواج الشرعي، ويعتبرونه قيدا وسجنا نافذا، ويزينون للناس الفاحشة، ويجتهدون في الدعوة إليها، إما بالمباشرة وصريح العبارة، وإما بالإشارة والإثارة، بما ينشرونه من صور خليعة، تعبر على المستوى الأخلاقي الذي يتمتعون به، وكل إناء بما فيه ينضح، فهم يعاكسون الشرع فيما يأمرون به وينهون عنه، وسلفهم في ذلك إخوانهم الذين قال الله تعالى في شأنهم: “الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ “التوبة67.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *