اغتيال المواهب وتعطيل الطاقات الساعية لخدمة الإسلام جريمة كبرى في حق الأمة وحرمان لها من أحد أسباب النصر والعزة محمد القريفي

..لا ريب أن أطرافا عديدة تتحمل المسؤولية في اغتيال المواهب وتعطيل الطاقات الساعية لخدمة الإسلام، وبالتالي فإن أية محاولة تستهدف رعاية الموهوبين والعناية بهم وصقل مهاراتهم، وتوفير الجو الاجتماعي المناسب لتفتح عقلياتهم وتطوير قدراتهم، ينبغي أن يشارك فيها الجميع، كل حسب تخصصه ومجاله.

ليس من إعداد القوة والبذل القويم لدين الإسلام أن نلاحظ أهل الباطل يُفَجرُونَ المواهب ويسخرون كل الإمكانات في خدمة باطلهم، بينما نرى أهل الحق يتفننون في قتل المواهب وتعطيل الطاقات الحقيقية، ويمارسون عليها شتى أنواع الحصار والمنع والإقصاء.

فكم من طالب علم مجد وإعلامي ناجح له قدرة على الحوار والإقناع والبيان، تعرض للإهمال والتهميش، ولم يجد من يحتضنه ويؤطره لخدمة الأمة، فتلقفته الوسائل الإعلامية الهدامة، وهيأت له كل الظروف المساعدة، فجعلت منه خصما عنيدا للإسلام؟‼
وكم من طاقات شابة تمتلك أصوتا رخيمة، لم تجد من يحفزها لتلاوة القرآن، وفي المقابل صادفت ترحيبا وتشجيعا من دعاة مزامير الشيطان؟!!
وكم من كاتب يمتلك قلما سيالا بليغا لم يلق العناية والرعاية فباع قلمه وفكره لأحزاب علمانية خبيثة، سخرته لحرب ثوابت أمته ومنهج سلفه الصالح؟‼
كم وكم من مواهب ضائعة وطاقات معطلة في شتى المجالات والتخصصات، لم يلتفت إليها لحد الساعة، ولم تجد من يشغلها لخدمة الإسلام والمسلمين؟!!

الحسد وأثره السيء في قتل المواهب وتعطيل الطاقات
الحق يقال أن ثمة أسبابا عديدة تساهم في اغتيال المواهب الجادة، ودفن طاقاتها، ويتحمل العلمانيون الوزر الأكبر في ذلك، لكن مما يزيد القلب كمدا وحسرة أن نرى الاهتمام بهذه المواهب والطاقات يحتل مرتبة متأخرة من أولويات الدعوة الإسلامية، بل الواقع المشاهد يعطينا الحق في الجزم بأن كثيرا من الدعاة وطلاب العلم لا يعيرون هذا الجانب أي اهتمام أصلا، والأدهى والأنكى أن بعضهم يضع العراقيل والعقبات أمام الطاقات الصاعدة حسدا من عند أنفسهم وخوفا على جاههم ومراكزهم.
وما أجمل ما قاله فضيلة الشيخ رضا بن أحمد صمدي في هذا السياق:
“ومن قبيل ما نحن فيه دفن العبقريات ومواراة الأفذاذ خلف الكواليس بدافع الحسد والخوف على الجاه، وكم رأينا من عناصر شابة صاعدة رزقت البركة والتوفيق في العلم والعمل، فحيل بينها وبين التنامي لأن جلالة المناصب التي كانوا سيتأهلون لها في نظر كبرائهم لا تناسب أسنانهم.
وقد شكا إلي أحد طلبة العلم أن أستاذه الذي يشرف على رسالته في الماجستير يأمره بالتمهل لأن سنه خمسة وعشرون آنذاك صغيرة على هذه الدرجة العلمية، وأنه لم ينلها أحد في كليته في هذا العمر.
أعود للتأكيد أنني لا أماري في خطورة النيات وأحوال القلوب، وضرورة تزكيتها وحمايتها من حمأة الأمراض والآفات وفورة حب الرئاسة والتصدر، ولكننا نعالج ذات المرض فيمن يمنعون الشبيبة من خدمة الدين والبذل له، حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم أن في تصدرهم خطورة على وجاهتهم” (30 طريقة لخدمة الدين للشيخ رضا صمدي ص85).

صور من اعتناء السلف الصالح بالمواهب والطاقات
لقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في رعاية المواهب واستيعاب طاقاتهم لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، والنماذج على ذلك كثيرة، نكتفي منها بإدراج موقفين اثنين على سبيل المثال لا الحصر:

الموقف الأول: أسامة بن زيد موهبة قيادية فذة اكتشفها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فقد جعله الحبيب صلى الله عليه وسلم أميرا على جيش فيه خيرة الصحابة وكبارهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهذا درس عملي على وجوب إدماج الشباب وتمكينهم من تحمل زمام الأمور ما داموا يمتلكون الأهلية والصلاح والكفاءة.
مسؤولية المشرفين على وسائل الإعلام تشمل عنايتهم بالبحث والتنقيب عن المواهب والطاقات الفاعلة التي شحذت همتها لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن تتوقف عن إنتاج مثل تلك البرامج الفاسدة المفسدة كبرنامج “أستوديوМ2″ و”ستار أكاديمي المغاربي”..، والتي لم يستفد منها الشباب المغربي إلا المزيد من الغثائية والسطحية وتبلد الإحساس والتفسخ والعري والتبرج والاختلاط..، وفي انتظار ذلك يتوجب على الهيئات العاملة في حقل الدعوة، أن تتبنى خطا إعلاميا يُعَرّف بالمواهب والطاقات الجادة في حفظ القرآن وترتيله وجمع الحديث وضبطه والخطابة والمقالة الصحفية والقصة والشعر والرواية.. حتى تكون نبراسا وقدوة لأجيال الغد ورجال المستقبل.
فهل يعي قتلة المواهب والطاقات هذا الدرس؟
أم أنهم سيسترسلون في اختلاق المزيد من المبررات والأعذار للحفاظ على كراسيهم؟
الموقف الثاني:الإمام مالك يشجع على سنة الاختلاف والتباين في المواهب والطاقات
كل إنسان بإمكانه أن يقدم خدمة لأمته ودينه، فقط عليه أن يبحث بين جوانحه عن نقاط القوة التي يمتلكها، ويعمل على تنميتها وتطويرها، وليس بالضرورة أن تكون له مواهب في جميع التخصصات والمجالات.
ورحم الله الإمام مالك إمام دار الهجرة الذي لمس في نفسه ميولا ومحبة لحديث الحبيب صلى الله عليه وسلم، ففرغ نفسه للعطاء في ميدان العلم الشرعي، الذي هو من أعظم أبواب الجهاد.
فكتب عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد إلى مالك يحضه على العزلة والعمل والعبادة، وقلل من شأن الاشتغال بتعليم العلم، فأجابه الإمام مالك بكلام ماتع:
“إن الله قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فربّ رجل فتح عليه في الصلاة ولم يفتح عليه في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة، وما أنا مشتغل به من نشر العلم وتعليمه هو من أشرف أعمال البر، وقد رضيت ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر، ويجب على كل منا أن يرضى بما قسم له والسلام”. نقلا عن كتاب “الدرر البهية في الألغاز الفقهية” للشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي.

العناية بالمواهب والطاقات مسؤولية من؟

لا ريب أن أطرافا عديدة تتحمل المسؤولية في اغتيال المواهب وتعطيل الطاقات الساعية لخدمة الإسلام، وبالتالي فإن أية محاولة تستهدف رعاية الموهوبين والعناية بهم وصقل مهاراتهم، وتوفير الجو الاجتماعي المناسب لتفتح عقلياتهم وتطوير قدراتهم، ينبغي أن يشارك فيها الجميع، كل حسب تخصصه ومجاله:
مسؤولية الآباء لا تنحصر فقط في تحصيل لقمة العيش وشراء ملابس الأطفال، بل هم في أمس الحاجة لمن يجلس معهم، ويساعدهم على تحديد أهدافهم، ويسألهم عن هواياتهم، ويحاول اكتشاف مواهبهم، ويقرأ عليهم سير الأنبياء والعلماء والعظماء، حتى تتعلق القلوب بمحبتهم والاقتداء بهم، فصناعة المواهب ينبغي أن تبدأ من البيت.
مسؤولية القائمين على النظام التعليمي أن يعترفوا بإخفاق المناهج التعليمية العلمانية العفنة، والتي تسببت ¬ ولا زالت  في وأد الطاقات الصادقة واستئصال المواهب الحقيقية، فقدمت لنا شخصيات مسلمة ممسوخة ليس لها أدنى استعداد للتضحية وتقديم أي شيء في سبيل نصرة قضايا دينها وأمتها، دون أن نتكلم عن أسوأ إفرازاتها: تلك النخبة المثقفة التي ¬ ما فتئت ¬ تناضل بكل الوسائل والأشكال من أجل الإجهاز على ما تبقى من قيم الإسلام، وبالتالي فالمزيد من العلمنة للتعليم تعني مزيدا من تعطيل الطاقات وإنتاج جيل من الأقزام الفاشلين ذوي المواهب والاهتمامات السطحية التافهة.
مسؤولية المشرفين على وسائل الإعلام تشمل عنايتهم بالبحث والتنقيب عن المواهب والطاقات الفاعلة التي شحذت همتها لخدمة الإسلام والمسلمين، وأن تتوقف عن إنتاج مثل تلك البرامج الفاسدة المفسدة كبرنامج “أستوديوМ2″ و”ستار أكاديمي المغاربي”..، والتي لم يستفد منها الشباب المغربي إلا المزيد من الغثائية والسطحية وتبلد الإحساس والتفسخ والعري والتبرج والاختلاط..، وفي انتظار ذلك يتوجب على الهيئات العاملة في حقل الدعوة، أن تتبنى خطا إعلاميا يُعَرّف بالمواهب والطاقات الجادة في حفظ القرآن وترتيله وجمع الحديث وضبطه والخطابة والمقالة الصحفية والقصة والشعر والرواية.. حتى تكون نبراسا وقدوة لأجيال الغد ورجال المستقبل.
أخيرا: أتمنى أن لا يساء فهمي، حسبي أنني أردت أن أقول من خلال هذه المقالة بأن اغتيال المواهب وتعطيل الطاقات الساعية لخدمة الإسلام جريمة كبرى في حق الأمة، وحرمان لها من أحد أسباب النصر والعزة، وفي المقابل يقدم للعلمانيين والملاحدة وسائر أعداء الإسلام طاقات هائلة ومواهب شابة يوظفونها في حربهم القذرة على ثوابت ومقدسات وأخلاق الأمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *