أثارت قضية الصحفية السودانية التي تواجه حكما بالجلد أربعين جلدة لخروجها عن الآداب العامة بالسودان بسبب ارتدائها بنطلونا علنا، ردود فعل أسالت مدادا كثيرا، بل استفزت دولة قمع النقاب لتطالب دولة السودان المسلمة التي لا زالت تحافظ نساؤها على سمت الحياء في ملبسهن، بمنع تلك العقوبات التي تزجر من سوّلت له نفسه سحب بساط الحياء من مجتمع مسلم، لم تؤثر فيه سهام التغريب والأنجلوسكسونية والفرانكفونية والتنصير..، ولم يكن ليفتخر بمفاتن النساء، ويعتبر عريهن من دلائل التقدم والحداثة..
لن أتحدث عن قضية لباس هذه الصحفية لأن لباس المرأة المسلمة الذي حدّده وبيّنه ديننا الحنيف ثابت بأدلة القرآن والسنة، وقد قيّد الله ورثة الأنبياء يبينونه لنساء الأمة حماية لهنّ من خداع الذين يتبعون الشهوات وينشرون التفسخ والعري والتهتك..
لكن وددت أن أقف مع تلك الدولة التي تضع نفسها حامية للحريات في العالم، وهي التي أظهرت الأيام تهافت ادعائها، وكذب مواقفها، عبر الحرب المسعورة التي تشنها على الأجانب في بلادها خصوصا المسلمين منهم، وهي التي حرمت الفتاة التي أرادت أن تستر شعرها في مدارسها العلمانية، وكان من آخر مواقفها العدائية التي تكفر بالحرية الفردية في سبيل تحقيق طغيان لغة الجسد التي تبقى من أهم تجليات الفكر العلماني على أرض الواقع، مطالبتها نساء المسلمين المنقبات على لسان رئيسها “ساركوزي” بتعرية وجوههن وإظهار تفاصيل أجسادهن حتى يقبل بهن في دولته..
وقبل أشهر قليلة صرّح الوزير الأول لهذه الدولة: أن فرنسا دولة علمانية نصرانية ترفض قيم الدخلاء، ومن أراد أن يتشبث بحق ممارسة قيمه الدينية (والكلام موجه للمسلمين دائما) فليذهب لبلده.. مثل هذه المواقف تتلاءم مع تاريخ فرنسا التي كانت في عز ثورتها على الرجعية وأنوارها تشن حملة امبريالية على الدول الضعيفة عسكريا في العالم، تزهق الأرواح وتستعبد الناس، وتستغل الثروات، وتضم حكومتها وزارات من قبيل وزارة الحرب ووزارة المستعمرات…
فإذا كانت فرنسا من دعاة الحريات وحماتها، فلماذا تمنع النساء المسلمات على أراضيها من لبس أي شكل من أشكال اللباس يرتضينه؟
وإذا كانت تعتبر نفسها لها الحق في فرض قيمها على من أحب العيش فوق ترابها، لماذا تطالب السودان بخلاف ذلك؟
إنها ديكتاتورية القيم العلمانية الفرنسية.
ففرنسا وغيرها من دول الغرب العلماني والنصراني لا يرتضون أن يحي الإسلام بممارساته وشعائره فوق ترابهم، ويعملون بكل ما أوتوا من قوة على تغيير قيم المسلمين في دولهم، كي يصير الولاء لهم، وتحصل التبعية الكاملة التي مسخت هوية الدول المسلمة، حتى صرنا نرى ونسمع أناسا من بني جلدتنا يتحدثون بغير لغتنا، ويفتخرون بانتمائهم لفكر غربي لا يقوم بالأساس إلى على أنقاض الدين والقيم..
إن ميزان الحريات الفردية العلماني، ميزان خاسر تتغير معايير كيله حسب أهواء أصحابه المطففين، فهم لا يعترفون بحق إلا إذا كان هذا الحق مصدره وأساسه الانفصال عن الله والآخرة، وإذا حاد عن هذا الأساس وارتبط بالوحي والدين كان تخلفا ورجعية وانغلاقا عند بني علمان، يستوجب الحرب والعداء، فمتى يدرك الملبّس عليهم أن العلمانية ما هي إلا سبيل من السبل التي اختطها الشيطان على جانبي صراط الله المستقيم لتتفرق بالناس عن سبيل الله القويم..؟ فالقضية أكبر من مجرد لباس.