بين أحسن تقويم وأسفل سافلين عبد القادر دغوتي

الإنسان أحد المخلوقات الكثيرة والمتنوعة، لكن الخالق الحكيم ميزه عنها تمييزا نوعيا بما جعل له من تكريم وتفضيل، فرفع قدره وأعلى شأنه وبوأه مكانا عليا.. قال الحق سبحانه: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” [الإسراء70]. قال الفقيه أبو بكر بن العربي رحمه الله: “ليس لله تعالى خلقٌ أحسن من الإنسان، فإن الله تعالى خلقه حيا عالما قادرا متكلما سميعا بصيرا، مدبرا، حكيما…”.
مظاهر التكريم والتفضيل
كرم الله تعالى الإنسان بجميع وجوه التكريم والتفضيل. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله شيئا من ذلك فقال: “اعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرمه وفضله وشرفه، وخلقه لنفسه، وخلق له كل شيء وخصه من معرفته ومحبته وقربه وإكرامه بما لم يعطه غيره، وسخر له ما في سماواته وأرضه وما بينهما، حتى ملائكته -الذين هم أهل قربه- استخدمه لهم، وجعلهم حفظة له في منامه ويقظته وظعنه وإقامته، وأنزل إليه وعليه كتبه، وأرسل إليه، وخاطبه وكلمه منه وإليه… فللإنسان شأنٌ ليس لسائر المخلوقات” [مدارج السالكين1/210].
1 ــ الله تعالى خلق الإنسان بيديه
وهذا من أعظم مظاهر التكريم، فإن الله تعالى هو الذي خلق المخلوقات كلها، إلا أن خلق الإنسان يتميز بميزة عظيمة، ألا وهي أن الخالق سبحانه خلقه بيديه، في حين خلق غيره من المخلوقات بأمره؛ بأن قال لها: “كن”، فكانت. فالله عز وجل لما خلق آدم عليه السلام، خصه بخلقه بيده، كما خص أشياء أخرى بالخلق بيده، كجنة عدن، وكتابة صحف موسى وغيرها.
وفي ذكر وتخليد هذا الشرف الذي حظي به أبونا آدم عليه السلام يقول الحق سبحانه: “قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَ أستكبرت أم كنت من العالين” [ص75]. فالآية تشير إلى أن الإنسان خُلق بيدي الله علامة على التشريف والتعظيم له؛ إذ أن العظيم الشأن المقدر للأمور والمسيطر عليها لا يتولى بيديه إلا الأمر الكبير القدر الرفيع القيمة” [عبد المجيد النجار: قيمة الإنسان/ص13ـ14].
2 ـ نفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته
فأي تكريم هذا وأي إجلال؟ الملائكة المكرمون المقربون، في موكب مهيب يسجدون لآدم عليه السلام بأمر من الملك الجليل سبحانه؛ إكراما واحتراما لآدم، وامتثالا لأمر الله تعالى. قال تعالى: “إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين، فإذا سويتُه ونفختُ فيه من روحي، فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكةُ كلهم أجمعون” [ص:71ـ72].
3 ـ التفضيل والتكريم بالعلم
إن العلم يرفع صاحبه. وقد رفع الله سبحانه وتعالى الإنسان وأعلى شأنه بالعلم، فجعل له سمعا وبصرا يكتشف ويدرك بهما ما حوله، وجعل له عقلا يفقه به ويُخزن المعارف والمعلومات ويحلل ويقيس ويستنتج، وعلمه الله عز وجل من أصناف العلوم. قال سبحانه: “الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان علمه البيان” [الرحمن1ـ2]، وقال: “اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم” [العلق4ـ5].
لذلك لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم وأن يجعله خليفة في الأرض، أعلم ملائكته بهذا الأمر، فقالوا: “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” [البقرة30]؛ فأظهر سبحانه وتعالى شرف آدم عليهم بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم، فقال جل وعلا: “قال إني أعلم ما لا تعلمون، وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة، فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تُبدون وما كنتم تكتمون” [البقرة30ـ33].
وللبحث بقية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *