بعدما احتضنت مراكش مهرجان رقصة “الصالصا” الماجنة ما بين 8-12 أكتوبر المنصرم، والتي صنفتها إحدى المجلات الأمريكية بأنها تدخل ضمن العمل الجنسي المحض، وأنها تتعدى صفة الرقص، إلى نوع من أنواع الأفعال الجنسية، وهو رقص شبيه بالرقص الذي يقدمه “توماس” في مرقصه بمراكش، عبر فقرات من الرقص المثير للغرائز.
هاهي المدينة الحمراء والتي جعلتها السياسات المحلية والأنشطة السياحية تتعدى حمرة جدران مبانيها إلى حمرة لياليها -حتى كثرت الليالي الحمراء في المدينة الحمراء-، ستحتضن في الفترة الفاصلة ما بين 24 و31 يناير القادم الدورة الرابعة من تظاهرة “لنمش”، والتي تتمحور حول المهرجان الدولي للرقص العصري، الذي ينظم من طرف فرقة “نانيا” المتخصصة في تقديم لوحات من هذا النوع من الرقص.
وستعرف هذه الدورة تقديم مجموعة من العروض الفنية للرقص العصري من طرف مجموعات غوريغرافية قادمة من القارات الأربع بالإضافة إلى المغرب.
هذا بالإضافة إلى المهرجانات الدولية والوطنية لشتى الفنون والعروض تحتضنها مدينة مراكش بين الفينة والأخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا الاهتمام الكبير بثقافة متعة الجسد؟
ولماذا يستهدف المغرب ومدينة مراكش بالخصوص لنشر هذه الثقافة؟
إن المطلع على القيم والمبادئ التي تنبني عليها المنظومة العلمانية يعلم يقينا أنها تسعى دائما إلى تحقيق لذة الجسد وتغييب الروح لاعتقادها الراسخ بأن الجسد هو الأيقونة التي نحيى من أجل تحقيق لذاتها ورغباتها، ويمكن استخلاص ذلك بالنظر إلى المدارس التي مرت بها التجربة العلمانية منذ الفلاسفة القدامى إلى فلاسفة عصر الأنوار مرورا بالمدارس التي صبغت تاريخ النهضة العلمانية ومدى اهتمامهم بالجسد، وهذا راجع إلى الاعتقاد بأن الطبيعة هي القوة العظمى التي ترجع إليها حركات وشؤون الكون ومخلوقاته، وما دام أن الجسد هو مكون من مكونات الطبيعة فلابد من الاهتمام به.
إن اهتمام أهل الحداثة بالجسد يشكل المحور الذي تدور حوله العلمانية، فالفن بأشكاله وتنوعاته ما هو إلا تمرد الجسد لتحقيق رغباته ولذاته، وهو انعكاس لذلك الفكر.
فالتمثيل والغناء والرقص والرسم والتصوير و”الكوريغرافيا”.. كل ذلك هو في خدمة هذا الجسد، لذلك نجد العلمانيين يدافعون على هذه القيم، ويعملون على نشرها ويستعينون بها على محاربة الفكر الديني الذي يقيد حرية هذا الجسد ويجعله رهين لذَّات الروح، وفي ذلك يقول “ميشيل فوكو” في كتابه “المراقبة والمعاقبة”: “أُبرز بعض الإجراءات القمعية والسلطوية التي تمارسها بعض الأنظمة على الجسد لإرغامه على نهج سلوك معين (يسوده الامتثال والانضباط)”، فهو لا يريد جسدا يسوده الامتثال والانضباط، بل يريد جسدا قد أرخى العنان لشهواته ونزواته.
يقول “جوزيف بويس” في مقاله “فن الجسد”: “لعل أكثر العلوم التعبيرية التصاقا بالمظاهر الخارجية للأشياء هي “الفينومينولوجيا” التي اهتمت بالجسد من حيث اعتباره غلافا ماديا لذواتـنا ودليلا لضمان حضورنا في العالم”.
ويقول أيضا: (بينما مع التجربة “السيميولوجية” يمكن أن نستنتج كون الجسد بناء رمزيا لكونه عبر عن تمثلاتنا السيكولوجية والثقافية، أو نتيجة إنتاج تاريخي وثقافي وإيديولوجي و”نحن نلاحظ اليوم كيف ترسم لنا حضارة الصورة (أي حضارة الجسد) الجسد المثالي الذي ينبغي أن نرغب فيه إلى درجة أننا نستلب في رغبة ليست رغبتنا أصلا”).
فإذا علمنا هذا التقديس الذي يوليه العلمانيون للجسد، فلا غرابة إذن في تسويغهم لكل أصناف المتعة الجسدية مهما بلغت رذالتها ونتنها، ودفاعهم عن العري الفاحش والممارسات الشاذة بحكم الحرية الفردية وعلمنة الحياة والمجتمع.
إن الكثير من الأطراف والفعاليات تعمل على جعل مراكش ماخورا للممارسات والأنشطة المخالفة للقيم والأخلاق، وذلك لاستدرار الأموال وتحقيق المصالح على حساب تدين المغاربة، وواقع المدينة يشهد على ذلك، فقد صارت مراكش عاصمة للمهرجانات العالمية، وقبلة للرحلات الجنسية، ومرتعا للشواذ، ومرتزقة السياح، فمتى يتم وقف هذه الأنشطة والممارسات المخزية، أم أن طغيان ثقافة الجسد والمنظومة الأخلاقية الجديدة التي تفرضها العلمانية على المغاربة، ترفض ذلك!!