المعارضة “الديمقراطية” الأمريكية الزائفة مقال خاص بموقع “إي آ إري نوتيثياس” الأرجنتيني ترجمة: مروة عامر

أعلن رئيس الإمبراطورية الأمريكية “جورج دبليو بوش”، يوم الأربعاء، الموافق 10 يناير، الخطوط العريضة “لإستراتيجيته الجديدة” بالنسبة للعراق، والتي يتمثل المحور الرئيس لها في إرسال 25 ألف جندي آخرين، متجاهلاً توصيات فريق الدراسة بشأن العراق، الذي اقترح فتح مفاوضات في الشرق الأوسط، وبوجه خاص مع إيران وسوريا.
وكما سبق وتوقع موقع “إي آ إري نوتيثياس”، عقب الهزيمة الجمهورية في الانتخابات، لن يجد أي تغيير على سياسة بوش “لمكافحة الإرهاب” في العراق باستثناء زيادة عدد القوات وبعض القضايا الشكلية.
فعقب لجوء “بوش” للعب بـ”تكتيكات” تسويفية، مثل قوله: إنه “سوف يدرس الوضع”، تم التخطيط لإستراتيجية “التراجع للأمام”: فقد جدد الرئيس الأمريكي، في نفس اليوم الذي اعترف فيه بهزيمته الانتخابية، تأكيده على “الحرب ضد الإرهاب” كمحور رئيس لسياسته الخارجية، معلنًا أن القوات سوف تظل في العراق حتى “هزيمة العدو “الإرهابي” “.
وباستثناء بعض “الإضافات”، تتمثل في الواقع الإستراتيجية الجديدة لبوش في نفس الإستراتيجية القديمة، التي تكمن في البقاء في العراق حتى “هزيمة العدو “الإرهابي” “.
ويسرد المحللون المحافظون في القنوات الأمريكية مبررات ذلك: إذا انسحبت القوات الأمريكية, فقد يتحول العراق إلى “فوضى” ليس بالنسبة للولايات المتحدة فحسب, وإنما كذلك بالنسبة للقوى الغربية التي لديها مصالح في تلك الدولة وفي الشرق الأوسط بأسره.
فقد ساد الخطاب الذي ألقاه “بوش” يوم الأربعاء، الموافق 10 يناير، ذلك المنطق الذي تتذرع به المؤسسة الاقتصادية الأمريكية للاعتراض على سحب القوات من العراق: إذا انسحبت القوات الأمريكية منها؛ ما يشكل اليوم “مذبحة تسيطر عليها” وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) و”البنتجاون”، فقد تتحول الدولة إلى “حرب ضارية” بين الأكراد، والشيعة، والسنّة.
فقد يتبدد بذلك المظهر الشكلي “لحكومة العراق الدمية!”؛ لتتبدد معها كذلك الصفقات الخاصة بالنفط والسلاح، وخدمات “الأمن” و”إعادة البناء”، والتي تتولاها شركات المنشأة الصناعية العسكرية، وشركات “وول ستريت”، التي تنتفع من ذلك الاحتلال العسكري.

المعارضة “الديمقراطية” الزائفة
وعقب تولي الديمقراطيين الأمريكيين السيطرة على مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ)؛ إثر فوزهم بالانتخابات التي تبنّوا خلالها المطالبة بالسحب الفوري للقوات من العراق، انخفضت حدة لهجة مطالباتهم، حيث لا يطالبون الآن سوى بعدم إرسال المزيد من القوات إلى العراق.
وبهذه الطريقة، يعود المعارضون الزائفون المتمثلون كالمعتاد في الديمقراطيين “لمواكبة” رغبة المؤسسة الاقتصادية الإمبريالية، (التي تنتفع من صفقات الاحتلال) في أن تظل القوات في العراق إلى أمدٍ غير مُسمّى.
فلم تقم الولايات المتحدة بغزو العراق لمجرد تنفيذ المغامرة “الإنقاذية العسكرية” لبوش وصقوره، فقد كان ذلك الغزو يهدف بشكل رئيس للسيطرة على النفط والسوق العراقي.
حيث تستتر خلف الإستراتيجية المخيفة “لإعادة صياغة الشرق الأوسط”، التي يتبناها المحافظون الجدد, باللوبي اليهودي “اليميني”، “خطط صفقات” شركات “وول ستريت”، وشركات المنشأة الصناعية العسكرية، والتي لا تهدف بشكل رئيس لمواجهة “محور الشر”, وإنما للربح الأكبر، وغزو الأسواق.
وفي ذلك الصدد، يكمن منطق المؤسسة الاقتصادية الإمبريالية، السلطة الحقيقية التي تتخذ من “وول ستريت” مقرًا لها، حيث يسيطر اللوبي اليهودي (اليميني واليساري) على البيت الأبيض، سواء من خلال الديمقراطيين أو الجمهوريين، في البديهية الرئيسة لروتشيلد: إذا لم توجد حرب… فينبغي خلقها من أجل إبرام الصفقات.
أو بعبارة أخرى، يرجع قرار “تعزيز الخيار العسكري”، وزيادة القوات بشكل رئيس إلى الرغبة في الاحتفاظ بسلامة المصالح الاقتصادية للغزو، والتي تمثل الدافع الرئيس للصقور الذين قاموا بغزو العراق.
ومنذ أن فاز الديمقراطيون بالانتخابات، وبالغالبية البرلمانية في مجلسيْ الكونجرس ، أصبحت توقعات سحب القوات من العراق لانهائية، خاصةً في وسائل الإعلام الأمريكية المنتسبة للتيار “المعادي لبوش”.
ويخطط الديمقراطيون، منذ التسويق الانتخابي الذي حمّلهم للفوز، لسحب القوات خلال فترة لا تقل عن ستة أشهر، بينما أكد “بوش” في عدة مناسبات، عقب الهزيمة الجمهورية, أن قوات الولايات المتحدة سوف تظل في العراق حتى “النصر”، في إصرار على مواصلة سياسته “لمكافحة الإرهاب”.
وتتوارى وسط المناقشة بين الحزبين، اللذين يتناوبان على إدارة الإمبراطورية من خلال البيت الأبيض، المؤسسة الاقتصادية الأمريكية (المنشأة الصناعية العسكرية والبنوك وشركات وول ستريت، والسلطة الحقيقية)، والتي عملت بالفعل، من خلال أعمدتها الصحفية، ومعاملها ومراكزها البحثية التي تُدعى “مؤسسات التفكير” (think tanks)، على بثّ فكرة أن انسحاب القوات الأمريكية قد يُحوّل العراق إلى “فوضى”.
وحتى لا تختلط الأوراق، تجدر الإشارة إلى أن الديمقراطيين يديرون بالفعل مجلسي النواب والشيوخ منذ بداية شهر يناير، بينما لايزال “بوش” يتخذ القرارات التنفيذية للحكومة الإمبريالية الأمريكية.
أو بعبارة أخرى، سوف تظل الكلمة الأخيرة، خلال ما تبقى من الفترة الثانية لـ”بوش”، كرئيس للولايات المتحدة، فيما يتعلق بالبقاء في الدولة العربية المحتلة منذ عام 2003، أو مغادرتها، لـ”بوش” وليس للديمقراطيين.
ويكرر الديمقراطيون، الذين يتناوبون مع الجمهوريين على إدارة البيت الأبيض، النهج المعهود: استخدام لغة “معارضة حادة” من أجل الفوز بالانتخابات؛ ليقروا لحكومة “بوش”، عقب انتهاء الحملة الانتخابية، الأدوات اللازمة لمواصلة السياسة الخارجية للإمبراطورية، خاصةً الميزانية العسكرية.
وقد أشار السيناتور الديمقراطي “إدوارد كندي”، الذي يصف العراق “بفيتنام بوش”، إلى أن حزبه سوف يقترح مشروع قانون يقضي بوجوب الموافقة البرلمانية على أية زيادة للقوات الأمريكية في الخارج.
وأكد الخبير و”المعارض الشديد للحرب”، أنه على الديمقراطيين العمل من أجل تجنب زيادة عدد القوات، الأمر الذي وُصفه بأنه “خطأ جسيم جديد”.
وتأتي تعليقات السيناتور “كندي” إثر إبراز الإحصائيات لرفض 61 في المائة من الأمريكيين لزيادة القوات، وانخفاض نسبة الموافقة على سياسة إدارة بوش للعراق إلى 26 في المائة، وفقًا لإحصائية “يو إس إيه توداي/ جالوب”.
وتحدد إدارة “بوش” زيادة جديدة للميزانية، تقدر بـ 25 ألف مليون دولار؛ من أجل تعزيز الجهاز العسكري، وفقًا لما تقتضيه “إستراتيجيتها الجديدة” في العراق.
وتمثل الإحصائيات والانتخابات بين الديمقراطيين والجمهوريين شيئا، بينما يُمثل الاحتفاظ بالصفقات و”إمكانية حكم” الإمبراطورية الأمريكية من خلال بنوكها وشركاتها العالمية شيئا آخرا.
وفي هذا الصدد، وكما يحدث على مرِّ التاريخ، فعقب خُطَبهم “المعارضة” المستهلكة، سوف يمنح الديمقراطيون لبوش الأدوات اللازمة، خاصة الميزانية العسكرية؛ حتى يتمكن البيت الأبيض من مواصلة سياسات الغزو العسكري، سواء في العراق أو في باقي العالم.
وإذا لم يفعلوا ذلك, فسوف تنتحر الإمبراطورية، ولا يرغب الديمقراطيون في الانتحار!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *