«المغرب ملعب كبير»
هكذا تقول الوصلة الإشهارية التي تبين شكل الأرض ونوع الناس التي تدعوهم للتغير، المغرب أرض وعرة جدباء مهدمة المباني، ينبت فيها الصبار والحشائش الشوكية، وتخرج من بين منحدرين فيها امرأة شاحبة، أخذ منها الزمن مأخذه، ترتدي جلبابا باهتا وصندلا من الميكا، غاضبة من اجتياح الأطفال لتلك المنطقة وإحداث جلبة وفوضى غير معتادة أذنها عليها، وهم مفعمون قوة وحيوية، تفيض النظافة عنهم مما يعني أن الماء والصابون والطعام والإدام زائد عنهم، جعلهم يخرجون جماعات لحرق الطاقة الزائدة في بيداء قاحلة، لا يخشون على أرجلهم الرطبة قساوة الشوك والأحجار، لأنهم ينتعلون أحدية متينة بخلافها.
تُفاجأ العجوز المعزولة بين أشواك منحدرين بسيل من الأطفال لا قبل لها بهم يتبعون كرة طائرة أمامهم، وفي اندهاش تأخذ الكرة وتتأمل ما تصنع بها في غيظ سرعان ما يتحول لبهجة، يجعلها تقذف بها بعيدا برجلها المتسخة الحافية، ناسية غضبها بدون وجه سبب.
بعدها تضرب الكرة زجاج حلاق، فيخرج غاضبا وبيده موس الحلاقة ليعرف من ضرب زجاج حانوته بالكرة فكسر واجهته، دون مراعاة لما يحدث من تطاير لشظايا الزجاج وإمكانية إصابة زبون، أو الحلاق نفسه الذي كان يباشر عمله، ودون مقدمات يأخذ الكرة ثم يقذفها نحو الأطفال باسما كأن شيئا لم يكن.
وكذلك يفعل الجزار الذي خرج بسكين تقطر دما من الدكان، فيفعل فعل سابقيه، أي يعيد الكرة ضاحكا لمن يجري خلفها، وكأنه لم يقع شيئا في واجهة دكانه التي تكسرت.
ومن غرائب هذا الإشهار المطبع مع تقبل الخسائر دون سبب وعدم الدفاع أو الاحتجاج على تلك الأفعال المشينة التي قام بها جمع من الأطفال واليافعين في تحد سافر لضوابط اللعب وخلق الفرجة، بحيث لم نجدهم يأبهون أو يهتمون بخسائر المتضررين من لعبهم المشاغب، كما يلاحظ أن كل المتضررين من المغلوب عليهم الذين لا يذخرون من عملهم اليومي ما يصلحون به الخسارة الناتجة عن لعب الآخرين برأسمالهم وتكدير صفوهم وعدم الاكتراث لحالهم، ناهيك أننا لم نر الكرة ضربت واجهة بنك، أو كسرت زجاج سيارة، أو دخلت حديقة فيلا، أو عرقلت شارعا في حي راق، أو لطخت ملابس موظف، أو سيدة نازلة من سيارة، أو خارجة من عند حلاقة، أو كسرت زجاج شركة من الشركات، مما يدل على أن المستهدف هم الفئة الدنيا من المجتمع، كأنها دعوة لها كي تقبَل بوضعها الذي توضع فيه من طرف القادرين.
يقول الإشهار: «المغرب ملعب كبير ديالنا كاملين»
لكن المعني بذلك هم المبتهجون باللعب وليس الخاسرون من جرائه، لأن الأخيرين ملعوب بهم، ولا يمكن أن يكونوا إلا كذلك لافتقارهم للقدرة على الدفاع عن أنفسهم وحماية حقهم حتى يتاح للأقلية أن تتمم فرجتها، لذلك لا يلام مشجعو الكرة عندما يخرجون هائجين من الملاعب، يكسرون كل شيء، ويعيثون فسادا في جوانب الملاعب، وعلى الطرقات التي يمرون منها، انتقاما من الساكنة التي ليست مستفيدة من الخسائر المحدثة باعتبار أنها ستقوم بالعمل على تعويض ما ضاع، أي تحويل مقدرات إضافية للذين يتاجرون في الآلام والخسائر، والذين هم المعنيون بالفرجة، إذ لابد في كل فرجة من لاعب وملعوب به، والإشهار يشجع على ذلك ويحض عليه بجعل الفئات المهضومة المهمشة قابلة لخسائرها، تاركة للقادرين اللهو بمصيرها وعرضها من باب التضامن والتسامح والتطور والحداثة.
كما أن هذا الإشهار الفضيحة لا يخاطب الفرنكفونيين، ولا الحداثيين الذين يتمددون في المقاهي يدبجون المقالات المدعومة المسيئة للمغاربة، والمهاجمة لمعتقداتهم وأساليب عيشهم وثقافتهم الممانعة، التي أعيت حيل المستعمرين ومكايدهم، فلم يبق إلا أن يرودوهم عبر الإشهار ليبتهجوا بضياع أرزاقهم، ويكتموا غيظهم حتى لا يعكروا صفو لعب اللاعبين بهم وبمقدراتهم، باعتبارهم لا يعرفون مصالحهم ولا يدرون ما يفعلون، مما يؤبد تبعيتهم ويتيح تنامي استغلالهم، عكس كل منطق إنساني سليم، وهو ما يذهب إليه هذا الإشهار الفضيحة المنفلت من كل تقدير واحترام للمغاربة.